منذ بداية الانتفاضة السورية، وجد المتظاهرون أنفسهم مضطرين لتوثيق تظاهراتهم، وشهدائهم، وجرحاهم، ولافتاتهم، رداً على اتهامهم بالفبركة، ولنشر الحقائق والوقائع، لئلا تمرّ كما مرّت سابقاتها.
كانت البداية فيضاً من صور الموبايل، وفوضى واستهتاراً بأدنى متطلبات التحرك الآمن، ربما بفعل الحماسة، وبفعل غياب أي خبرة في هذا المجال. لكنّ الأمر استمر واستفحل تالياً، لتدخل الثورة السورية في مستوى جديد من "كشف" المعلومات. فما من شيء سرّي، وما من تحرك معتّم عليه، ولا خطة مخبّأة.
فكثيراً ما رأينا مناشدات من "الجيش الحرّ" للإعلاميين بعدم نشر أي معلومات، لأن النشر يضرّ بعناصره وخططه، كما تابعنا تقارير مصوّرة كثيرة انتهت بقصف المكان المصوّر، وإيقاع ضحايا وإصابات، بين العسكريين والمدنيين.
في الآونة الأخيرة بلغت هذه الممارسة حدّاً استدعى النقد والسخرية، فظهرت صفحة ساخرة على Facebook باسم "صوّرني". وكثرت الفيديوهات ورسوم الكاريكاتور التي تتناول تلك الممارسة. فما من تشكيل عسكري او قذيفة هاون او رشقة رصاص إلا ومعها فيديو. وما من معركة إلا ويرافقها سيل من الفيديوهات على Youtube.
وفي السياق ظهرت حالة "صوّرني" في الحملات الإغاثية أيضاً، وبشكل مسفّ ومذلّ ومبتذل. وانتشرت صور الأطفال وهم يتلقّون أموال "التسوّل"، وصور العائلات، وهي تشكر المتبرع على بطانية أو كيس أرزّ، وصور جرحى يقدّمون الامتنان بعد ، أو مساعدة طبيّة.
في الحالات كلّها لا مكان لأمن معلومات، ولا لحرص، ولا لتقوى صدقة اليد اليمنى التي لا تدري بها اليسرى. إلا أنّ البحث في المسألة يكشف أن ممارسة "صوّرني" ليست صبيانية أو تقليداً سورياً، بل هي شرط من شروط بعض الجهات المانحة، سواء كانت فرداً أو مؤسسة أو دولة. فلا دعم لكتيبة من دون صور تثبت، ولا مؤازرة لمجموعة من دون توثيق عملها بفيديو، وكذا لا مالا إغاثياً إلا بصور وأسماء وأرقام..
ما الذي يحدث؟ هل يقدّم المتبرع دعمه للمساندة أم للإذلال؟ ومنذ متى كانت الدول تساند بعلنية فاضحة؟ ومفضوحة؟ وما الذي يريده الداعمون فعلًا من تلك الفيديوهات؟ أو الأحرى: من ذاك "الكشف"؟ ومن فيض المعلومات المذل والقاتل؟