كلما رسا قارب مُحمّل بالمهاجرين واللاجئين الفارين من نار الاقتتال والجوع في الجنوب، على شواطئ الشمال، تتعالى الأصوات الوطنية الأوروبية مطالبة بإغلاق الحدود القطرية، وإن أدى ذلك الى انهيار اتحاد "شينغن" الذي منح الأوروبيين حرية الحركة والتنقل لأكثر من ستة عقود خلت. يوم الإثنين الماضي، اجتمع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في أمستردام لمناقشة الأخطار التي تهدد القارة، بدءاً من التهديد الإرهابي، وصولاً إلى المخاوف من انهيار منطقة "شينغن" نتيجة أزمة المهاجرين الحادة.
اقرأ أيضاً: الجاليات العربية الإسلامية.. ما بعد إرهاب باريس
وطالب وزراء داخلية الدول الـ28 برئاسة هولندا المفوضية الأوروبية، بإطلاق الآلية اللازمة لتمديد فرض الرقابة على الحدود الداخلية للدول ضمن فضاء "شينغن" لمدة سنتين، في حين أن الحد الأقصى لهذا التمديد كان حتى الآن ستة أشهر. بعض الساسة الأوروبيين أمثال الرئيس الفرنسي السابق، والحالم بالعودة إلى الحكم، نيكولا ساركوزي، اعتبروا ذلك بمثابة إعلان وفاة اتفاقية "شينغن"، وهو الكلام الذي يرفضه صانعو السياسة في بروكسل، رغم كل المخاوف التي تخيم على اجتماعاتهم وتظلل تصريحاتهم، مهما تباينت لهجتها.
وكشف اجتماع أمستردام الذي أخفق في طمأنة دول "شينغن"، واكتفى بالمطالبة بإجراءات حمائية مؤقتة لحدوده الخارجية، عن تباينات واضحة بين الوزراء المجتمعين إزاء الحلول المطلوبة. وفيما هدّدت وزيرة الداخلية النمساوية يوهانا ميكل ليتنر اليونان بـ"الطرد المؤقت" من فضاء "شينغن"، إذا لم تشدّد أثينا مراقبتها للحدود حيال تدفق المهاجرين عبر حدودها، ردّ وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بالقول إن "أشباه الحلول مثل استبعاد دول من فضاء "شينغن" لا تفضي إلى أي نتيجة، فهي لا تقلص موجات اللاجئين، وتحدث انقساماً في أوروبا". وأضاف "يجب أن نقوم في المقابل بجهود في الاتجاه نفسه، ونركز كل قوانا للتصدّي للأسباب، التي تدفع اللاجئين إلى الفرار، من أجل تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتوصل إلى توزيع عادل لطالبي اللجوء في أوروبا". أما وزير الداخلية الإيطالي أنجلينو ألفانو، فوصف إبعاد اليونان عن منطقة التأشيرة الموحدة "شينغن" بشكل مؤقت بـ"بداية انهيار أوروبا الموحدة". فيما ذهب رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، أبعد من ذلك حين قال: نحن نواجه حرباً شاملة وعالمية مع الإرهاب.. أوروبا هي التي تموت، وليست منطقة "شينغن".
وباتت مشكلة اللاجئين من أكبر التحديات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة "شينغن" مجتمعة منذ العام 2015. وتعدّ اليونان البوابة الرئيسية إلى أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً للمغادرين من سورية وأفغانستان وباكستان. ومن اليونان، يمرّ اللاجئون عبر مقدونيا وصربيا شمالاً نحو المجر والنمسا. وتتهم بعض الحكومات الأوروبية اليونان، التي تواجه أزمة اقتصادية خطيرة، بعدم حماية حدودها كفاية، مما أدى الى تسرب مئات آلاف المهاجرين إلى الجزر اليونانية قادمين من تركيا قبل أن ينتقلوا إلى دول أوروبية أخرى، خصوصاً ألمانيا. وقالت منظمة مراقبة الحدود الأوروبية "فرونتيكس"، إن مجموع المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا اليونان وإيطاليا خلال عام 2015 بلغ أكثر من 1.04 مليون شخص، وهو يفوق بخمسة أضعاف الأعداد التي وصلتهما عام 2014.
وعلى وقع الخلافات والتباينات التي تعصف باتحاد "شينغن"، يبدو رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، وكأنه يزيد طين القارة الأوروبية بلة، وهو يواصل مفاوضاته مع دول الاتحاد الأوروبي حول مستقبل بريطانيا داخل الاتحاد. ويتنقل كاميرون، الذي اختارت بلاده في العام 1985 عدم الانضمام لاتفاقية "شينغن"، بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل التوصل إلى اتفاق حول الإصلاحات التي يطالب بها قبل قمة الاتحاد الأوروبي في فبراير/ شباط المقبل ببروكسل، وقبل تنظيم استفتاء في المملكة المتحدة، في نهاية 2017، حول استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد أو الخروج منه. ولعل فشل الاتحاد في التعامل مع أزمة اللاجئين، والتباين الكبير في مواقف الدول الأوروبية من الأزمة، هو ما دفع رئيس الحكومة البريطانية الى تكثيف وتسريع مفاوضاته مع الدول الأوروبية.
وكان كاميرون قد أعلن في خطاب موجه للأوروبيين منذ عامين، عن رغبته في إعادة التفاوض على شروط وضع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وطرح نتائج هذا التفاوض في استفتاء عام للبقاء في الاتحاد أو الخروج منه قبل نهاية العام 2017. ويرى كاميرون أن الاتحاد أصبح أكثر تدخلاً وتقييداً لحياة الأوروبيين، وأن سلطات مؤسسات الاتحاد تغولت على السلطات الوطنية لمؤسسات الدول الأعضاء. ويطالب رئيس حزب المحافظين باستعادة بعض السلطات التي تخلت عنها بريطانيا للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قوانين تتعلق بتنقل الأفراد بين دول الاتحاد، واتفاقيات أخرى تتعلق بالهجرة.
اقرأ أيضاً: إيطاليا تتهم أوروبا بالتقصير حيال المهاجرين