وكان عناصر الأمن قد فضوا بالقوة تلك التظاهرات، التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى من المتظاهرين يوم أمس الجمعة.
ويُعد شارع محمد القاسم طريقا محورياً يربط مناطق جنوب بغداد بشمالها، ويلف العاصمة من محورها الجنوبي الشرقي، وسيطر عليه المتظاهرون قبل خمسة أيام وقطعوه، احتجاجا على التسويف والمماطلة الحكومية بتنفيذ المطالب المشروعة.
روايات القمع التي تفنن بارتكابها عناصر الأمن في هذا الشارع، الذي كثّف الأمن جهده لبسط السيطرة عليه، اختلفت وفقاً للأساليب القمعية المختلفة التي مورست ضد المتظاهرين.
وحتى الآن، تشير الإحصائيات المتوفرة إلى مقتل 7 متظاهرين وإصابة ما لا يقل عن 100 آخرين بنيران قوات الأمن وقنابل الغاز وعمليات الضرب، التي لم تسلم منها حتى فتيات متظاهرات، على يد قوات الأمن العراقية خلال الأيام الخمسة الماضية.
ويروي، أحد شباب التظاهرات، الذي رفض الكشف عن اسمه، قصة اعتقاله وتعذيبه على الطريق السريع، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "قوة أمنية داهمت أمس الجمعة التظاهرة بشكل مباغت، ما تسبب بتفريق المتظاهرين وانسحاب أغلبهم، لكن القوة طوقت عددا من الشباب ممن لم يتمكنوا من الهرب واعتقلتهم وكنت من بينهم".
وأكد "لقد احتجزونا بين العربات التي اقتحمت الشارع وكبلوا أيدينا وأرجلنا وعصبوا أعيننا، ولم نكن نرى شيئا ولا نعرف من أين نتلقى الضربات بالعصي والهراوات والأيدي والركلات، وكانت ضربات موجعة بلا رحمة"، مبينا "لقد سقطت أسناني على الأرض بفعل ضربة تلقيتها من عنصر أمني كادت أن تفقدني الوعي".
وتابع روايته حول الاعتداء الهمجي على المتظاهرين: "كان عناصر الأمن ملثمين، ولم نر أياً منهم، وقاموا بعد تعذيبنا باقتيادنا داخل السيارات ورمونا بشارع بعيد عن الساحة، وحذرونا من الاستمرار بالتظاهر".
حكاية الشاب لم تكن قصة من فيلم رعب، فالمشاهد على هذا الشارع تعددت في ظل قمع تواصل لعدة أيام، ويقول المتظاهر عامر المحمداوي، لـ"العربي الجديد"، "لقد اعتقل عناصر الأمن العشرات من المتظاهرين خلال الأيام الماضية من الشارع، وكانوا يخضعونهم للتعذيب الشديد"، مبينا أن "أحد المتظاهرين جردوه من ملابسه في الجو البارد، وكانوا يصبون الماء على جسده، وانهالوا عليه بالضرب واللكمات، حتى أغمي عليه، وقد تركوه في الشارع مع عدد من المصابين وانسحبوا"، مبينا "كنا نراهم من أحد الأزقة التي انسحبنا نحوها، لكن لم يكن بوسعنا فعل أي شيء".
وأكد "قدمنا للمصاب وللآخرين الإسعافات الأولية ونقلناهم إلى المستشفى"، مشيرا "كانت حالته حرجة للغاية، وقد استعاد وعيه، لكنه لا يزال راقدا في المستشفى بعدما اتضح أنه تعرض لكسر في ساقه وخلع في كتفيه".
وأشار الى أن "قصص التعذيب والقمع الحكومي في شارع محمد القاسم مروعة للغاية، لا يمكن لعراقي أن يعذب أبناء بلده بهذه القسوة.. قد يكون عناصر الأمن هؤلاء غير عراقيين!".
توجيهات حكومية بفض التظاهرات
ويؤكد مسؤولون أمنيون أن التوجيهات التي وصلتهم من الجهات العليا، نصت على إنهاء التظاهرات في الشارع مهما كانت النتائج، وقال مسؤول أمني لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة تصريف الأعمال لم تكن تريد للتظاهرات أن تمتد إلى خارج ساحات التظاهر، وأن سيطرة المتظاهرين على شارع محمد القاسم كانت تقلقها جدا، كون الشارع حيويا وأن السيطرة عليه قد تزيد من زخم التظاهرات بشكل خطير، ما دفعها إلى التوجيه لإنهاء تظاهراته".
وأكد "تم وضع خطة لاقتحام الشارع تعتمد على القوة بالدرجة الأولى، وتنفيذ هجمات مباغتة واعتقال وتعذيب المتظاهرين. وتهرب الكثير من عناصر الأمن من المشاركة في تلك العمليات، ولم يتبق سوى من لديهم انتماءات وارتباطات حزبية مع جماعات مسلحة كانوا ينتظرون اقتحام الشارع بلهفة"، مؤكداً "تم تكثيف الهجمات واستخدام العنف المفرط إزاء المتظاهرين حتى تم انتزاع الشارع من قبضتهم".