"سعيد تماماً".. نمر صيني من ورق في ميونخ

17 نوفمبر 2014
مشهد من العرض
+ الخط -

النمر الورقي هو تعبير صيني لأمر يبدو خطيراً، لكنه في الحقيقة بلا أي تأثير. ولا نعرف لماذا اختار المخرج الصيني تيان غيبنغ هذا التعبير اسماً لفرقته المسرحية التي تمزج في عروضها الرقص بفن الأداء والمسرح. فرقة لم تخرج عن أسلوبها في عرضها الجديد "سعيد تماماً"، الذي تجاوزت مدّته الساعتين وقُدّم على مسرح "كامرشبيله" في ميونخ، أخيراً، فمزجت كل ما تستطيع فيه.

تتعدّى نزعة المزج لدى فرقة "أستوديو النمر الورقي" الناحية الأسلوبية في هذه المسرحية، لتشمل الموضوع نفسه. أكثر من ذلك، يمزج تيان غيبنغ خمسة راقصين صينيين مع خمسة ممثلين من ألمانيا. وصادف لسوء الحظ أن غاب ممثلان من هذا العرض، فأُعلن قبل بدايته عن اضطرار أحد الراقصين الصينيين إلى العودة إلى الصين لسبب عائلي، أما الآخر فقد أصيب بوعكة صحية.

بهذا الخلط بين راقصين من الصين وممثلين من ألمانيا، يمزج العرض بين بلدين لهما تجربتان خاصتان مع فكرة الجماهير، إذ تتجه الصين الشيوعية نحو الرأسمالية، بينما لألمانيا تجربة خاصة لبلد انقسم إلى طرف شيوعي وطرف رأسمالي. من هنا كان خيار المزج، وخيار تقديم العرض الصيني في ألمانيا، خصوصاً أن مراحله الأولى كانت عبارة عن ورشات عمل معنية، ليس فقط بابتكار أساليب مسرحية جديدة ومزج ثقافتين، بل أيضاً بمقاربة الثقافتين لمعنى الجماهير.

ومع المراحل الأولى من التحضير للعرض، نظم القائمون عليه استطلاعاً سألوا فيه الشباب الصيني عن شعورهم حين يوجدون وسط الجموع والجماهير، فتشابهت العديد من الإجابات في ما يتعلّق بالشعور بالسعادة. من هنا جاء عنوان العمل المسرحي "سعيد تماماً".

يبدأ العرض بمونولوج طويل للممثلة الألمانية كاتيا بركل التي تتكلم عن كل شيء، عن المسرح الذي يستقبل العمل، والشارع الذي يقع فيه المسرح، ومدينة ميونخ والتاريخ والانتفاضات الشعبية أو الجماهيرية في الصين والمناظر الطبيعية. تستمر كاتيا بركل بمونولوجها الطويل مازجة الأمكنة والمفاهيم والمشاعر، إلى أن تسحب مسدساً فجأة وتنتحر.

تدخل المسرح بقية الراقصين والممثلين بثياب بيضاء، تشبه ما نراه في المستشفيات، ليساعدوها وينقذوها. بعد ذلك، يتوزع الجميع الأدوار، بمن فيهم الشخصية المنتحرة، ليبدو عرض "سعيد تماماً" أشبه بمشاهد متتابعة، وكأن المخرج غيبنغ يريد أن يضع كل ما يحلو له ولراقصيه وممثليه في العرض.

أمام غزارة تقنيات الأداء، التي لم تقدم ما هو فريد من ناحية الأسلوب، يتكئ عرض "سعيد تماماً" على مقاربته الثقافية لمعنى الجماهير، وعلى التجاور بين ثقافتين متباعدتين والمزج بينهما، وعلى بهرجة استقدام مؤدين صينيين ليقدموا عرضهم في مسرح مرموق في ميونخ. وللمرء أن يتساءل عن قيمة هذا العمل فيما لو عُرض في بكين، خاصة وأن القيمة الإيكزوتيكية لوجود الصينيين في ألمانيا ستتلاشى في عاصمتهم. ثم ما الذي سيجنيه المتفرج الصيني من استقدام ممثلين ألمان لا يقدمون ما هو ملفت للنظر؟ وهل سيحافظ العرض على إيكزوتيكته؟

لا يبدو أن غياب الممثلين الاثنين في الليلة التي حضرنا فيها العرض قد زعزع من تماسك بنيته، أو كان له أي أثر في مقارباته. ولعل غياب فرد ما، أو فردين كما حدث تلك الليلة، هو أمر بلا أي تأثير في هذا المزج والاستعراض الثقافي والسياسي، تماماً مثلما أن النمر الورقي أمر خطير دون أي تأثير.

ومن هذا المنطلق، تحمل الفرقة المسرحية عن جدارة اسمها، فالممثل في "سعيد تماماً" هو نمر ورقي آخر، إذ يبدو أنه عنصر أساسي في العملية المسرحية، لكن وجوده أو عدمه سيان. كما هو الحال لو غاب فرد عن تجمهر ما في الصين أو في ألمانيا.

دلالات
المساهمون