وتتمثل الحملة في ابتزاز أهالي المدينة، وإجبارهم على بيع منازلهم وعقاراتهم، لصالح شركات عقارية إيرانية، وأخرى تابعة لشخصيات سياسية وحزبية معينة، ما أسهم في إحداث تغيير ديمغرافي واسع في المدينة.
وقد دفعت الحملة عدداً من الناشطين والمثقفين، إلى إطلاق حملات توعية بين الأهالي، لحثهم على عدم بيع منازلهم، فيما طالب آخرون بإصدار فتاوى دينية تحرم على الأهالي بيع منازلهم ومتاجرهم.
وتخضع مدينة سامراء العراقية، المعروفة أيضاً باسم "سرّ من رأى"، لحكم قوى مختلفة تتقاسم النفوذ فيها، أبرزها مليشيات الحشد، والشرطة الاتحادية، والجيش العراقي، فضلاً عن مليشيا خاصة من عشرات الإيرانيين المتواجدين في محيط مرقد الإمامين العسكريين، بدعوى حمايته من الهجمات.
ويشكو أهالي المدينة من استمرار عمليات الاعتقال والتهجير، تحت حجج ومزاعم مختلفة في ظل خنوع القضاء العراقي بالمدينة لمطالب تلك القوات، بإصدار مذكرات اعتقال أو إخلاء المتاجر.
وفي الفترة الأخيرة، أصدر تحالف القوى العراقية، كبرى الكتل السياسية السنية في البرلمان، تحذيراً من تغيير ديمغرافي تتعرّض له مدينة سامراء.
وقال التحالف، في بيان، إنّ "تغييراً ديمغرافياً في حوض الفرات شمال سد سامراء، يجري تمريره عبر ضغوط تمارسها القيادات الأمنية في المدينة على الأهالي"، كاشفاً أنّ مدير شرطة سامراء العميد جبار الربيعي، قام بتهديد الأسر في إحدى مناطق سامراء بالتهجير القسري من منازلهم قبل نحو شهرين.
وذكر البيان أنّ "الربيعي هدد 19 أسرة تسكن منطقة العاشق بالتهجير من المدينة، متذرّعاً بمحاولة حماية مربي حيوانات الجاموس، الذين جلبتهم الحكومة العراقية بأعداد كبيرة جداً من مدن جنوب العراق، لتشكيل حاضنة للمليشيات في المدينة"، لافتاً إلى أنّ "المربين يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة ويقومون بتهديد أهالي سامراء والضغط عليهم".
وأوضح اتحاد القوى في بيانه أنّه "جرى اجتماع موسع مع ممثل رئيس الوزراء لشؤون المصالحة الوطنية، بحضور عدد من المعنيين من دون حضور السلطة المحلية في صلاح الدين، حيث اشتكى من حضر الاجتماع من انحياز واضح للقادة الأمنيين في سامراء للأسر الوافدة إلى المدينة".
كما لفت البيان إلى أنّ "السلطات الأمنية في سامراء أنذرت سكانها الأصليين بأنّ الأراضي التي سكنتها الأسر الوافدة تابعة للدولة، ولا يحقّ لهم الاعتراض إلّا بإثبات حقهم للأراضي".
وأبدى اتحاد القوى استغرابه الشديد، من التهديدات التي يتعرض لها سكان سامراء الأصليون، على يد القادة الأمنيين في المدينة، محذراً من أنّ حيوانات الجاموس التي جلبتها الأسر الوافدة من الجنوب، ستدمر البيئة المائية والحضارية للمدينة.
وتقع سامراء في الجهة الشرقية لنهر دجلة في محافظة صلاح الدين، تحدّها تكريت من الشمال، والرمادي من الغرب، وبعقوبة من الشرق، وتبعد عن العاصمة بغداد بنحو 120 كيلومتراً إلى الشمال.
ويبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة، غالبيتهم من القبائل العربية التي لعبت دوراً بارزاً في مراحل وحقب تاريخية في العراق، وأبرزها عشائر العباسيين والدليم والسوامرة والبو بدران والجبور والعنزة وشمر.
ويعتمد اقتصاد سامراء على الزراعة والصناعة، فضلاً عن السياحة، إذ تضم قصور بني العباس وآثارهم، ومنها الملوية وقصر العاشق، إضافة إلى ضريح الإمامين علي الهادي وابنه الحسن العسكري (الإمامين العاشر والحادي عشر من أئمة الشيعة الاثنى عشرية)، ويعود بناء الضريحين لزمن الحاكم العباسي المستنصر بالله عام 945 للميلاد.
كما تضم المدينة آثاراً مسيحية ويهودية كمعبد التوراة أو ما يعرف بحي اليهود، الذي بقي حتى خمسينيات القرن العشرين.
ورفض سكان سامراء الغزو الأميركي للعراق، حيث لم تتمكن القوات الأميركية من دخولها إلا بعد تكبدها خسائر فادحة في معارك عانت المدينة بعدها من صراع طائفي، واتهمت القوات الأميركية بالوقوف وراءه، لإشغال بنادق المقاومين وحرف مسارها عن صدور جنودها.
وبين فترة وأخرى، تقوم مليشيات الحشد بحملات اعتقال بحق السكان، عادة ما تنتهي بالعثور عليهم جثثاً في مكبات النفايات أو الساحات العامة، وهو ما يمثل رسالة تهديد مباشر للباقين بمغادرة سامراء، ليتم استقدام آخرين ضمن التغيير الديمغرافي الذي تتعرّض له المدينة.
وأطلقت مجموعة من الناشطين والمثقفين حملة شعبية واسعة باسم "سامرائي ما أبيع بيتي" لتحذير الأهالي من بيع منازلهم حتى لو اضطروا للفرار من المدينة والسفر خارج العراق.
وقال أحمد عبد السلام (34 عاماً) وهو ناشط مدني في سامراء لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحملة تتم بشكل مختلف تماماً عن أي حملة سابقة نقوم بها. نحن نطرق أبواب السكان، ونحذرهم من أن بيع منازلهم بسبب جرائم المليشيات واعتقالات أجهزة الحكومة يعني ضياع سامراء تاريخها وكيانها".
وأضاف أنّ "إيران تقف وراء حملة التهجير بأموالها، فالمنزل الذي لا يتجاوز سعره 100 ألف دولار تشتريه بضعف السعر لتغري صاحب المنزل، ومن يهرب بعائلته من المدينة فهو يبيع بيته بأي سعر حتى يتدبر أموره خلال انتقاله إلى تركيا أو لبنان على سبيل المثال".
وأكدعبد السلام أنّ "المدينة تتعرّض لأبشع حملة تغيير، حيث يتم جلب عوائل قروية أو من الأهوار وإسكانها بعد طرد أهل سامراء، وكله برعاية إيرانية وتنفيذ مباشر من المليشيات ومساعدة من أجهزة الحكومة".
وقال نصير العباسي لـ"العربي الجديد" إنّ "الحملة تواجه صعوبات فقد تحدثنا مع أحدهم لإقناعه بعدم بيع منزله فقال لنا طيب اجلبوا لي أحد أهالي سامراء أبيعه له أو أعطوني ثمن تدبر أموري بعد فراري بنفسي وأهلي من هنا".
ولفت إلى أنّ " كل شيء بدأ يتغيّر في المدينة والطابع المدني فيها مهدد، فالإيرانيون يشترون المنازل، ويسجلونها بأسماء أشخاص عراقيين تابعين لهم، والهدف كله تغيير طبيعة المدينة مذهبياً".
وتابع "بعد التأكد من أنّ الحكومة راضية عمّا يجري والكتل السياسية التي تمثل المدينة تتفرّج، طالبنا رجال دين بإصدار فتوى تحرم البيع والشراء، ونأمل أن تكون كافية فيما لو صدرت، للحد من المشكلة".
ونقلت وسائل إعلام عراقية عن أحد وجهاء سامراء ويدعى نمر العباسي قوله "غرباء عن المدينة يعرضون مبالغ خيالية لشراء العقارات والمنازل، ومن يرفض البيع من ملاك الأراضي يتعرّض للقتل بطرق غامضة، على شكل حادث أو اغتيال أو مشادة على الطريق العام".
وأضاف العباسي "هاجرت وأبنائي إلى الأردن ثم إلى تركيا، لأنّي صاحب أملاك ورثتها عن والدي، ولا أنوي بيعها ليستوطن بها إيرانيون وأناس لا تعرفهم مدينتنا".
وأكدت مصادر محلية داخل سامراء لـ"العربي الجديد" أنّ "دائرتي البلدية والتسجيل العقاري في سامراء متورطتان بعمليات تزوير سندات مختلفة، خصوصاً الأراضي الزراعية والمسجلة باسم الحكومة، وبيعها لشركات وشخصيات نافذة رغم كون بعضها يقع في مواقع أثرية محرّمة التصرف وفقاً للقانون العراقي".
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ "المخطط الحالي يمهّد لمشروع الأحزاب والمليشيات في العراق ضمن ما يعرف بالجناح الموالي لإيران بزعامة نوري المالكي، داخل التحالف الوطني القاضي بإعلان سامراء محافظة، وفصلها عن محافظة صلاح الدين بهدف إكمال مشروع مسخ المدينة وتاريخها".
وفي الآونة الأخيرة، أصدر مجلس محافظة صلاح قراراً بضغوط من مليشيات الحشد التي تسيطر على المدينة، يقضي بطرد من وصفهم القرار "عوائل عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو المتعاونين معهم"، وهو ما اعتبره مراقبون قراراً فضفاضاً يمنح أجندة التغيير الديمغرافي في المدينة سهولة أكبر في التحرك.