"رمو" تونس... تضامن اجتماعي في الأعراس

12 سبتمبر 2020
عروس تونسية (مراد مجايد/ فرانس برس)
+ الخط -

تستحوذ حفلات الزفاف على اهتمام الأسر التونسية التزاماً بالواجبات الاجتماعية التي تفرضها هذه المناسبات، ولا سيما منها المتعلقة بالحد من الأعباء المادية للمقبلين على الزواج من خلال الهدايا التي تقدم لهم.
ويعدّ تقديم الهدايا المالية أو "الرمو" أو "الرشق" بالتسمية المحلية، أحد أبرز عناوين التضامن الاجتماعي والعائلي في أعراس التونسيين، إذ يقدّم المدعوون إلى المقبلين على الزواج مبالغ مالية بحسب وضعهم المالي ودرجة قرابتهم من العرسان أو أسرهم.
ويوم "الحناء" هو الموعد الرسمي لتقديم الهدايا أو "الرمو". ويعلن رسمياً عن مراسم الزواج وتقام ولائم الطعام قبل أن يفسح المجال للمدعوين لتقديم هداياهم ودفع الأموال على أنغام الموسيقى وبالإشهار عبر مكبرات الصوت.
ويكون دفع المال في ليلة الحناء مباشرة بعد انتهاء وليمة العشاء. ويأتي طبق الحناء الموشح بالياسمين ويجتمع المدعوون حول العريس على أنغام الموسيقى ويبدأ الأقرب إليه من عائلته (والدته أو والده) بدفع المبلغ الأعلى لتشجيع الحاضرين على العطاء بسخاء للعرسان.
ويتكفل المكلف بمهمة أمانة المال جمع الأموال التي توضع في طبق الحناء والإعلان بمكبر الصوت عن كل مبلغ بالقول: "هذا المبلغ من فلان ابن فلان... نجامله في الأفراح". 
وعلى الجانب الآخر، يتكفّل مساعد أمين المال بتدوين المبالغ المالية إذ يعد المال ديناً يتعيّن على العائلة تسديده في إطار التضامن العائلي في مواسم الأفراح. وعادة ما يتحوّل "الرمو" إلى مزايدة بين الحاضرين، حتى باتت الظاهرة محرجة للبعض ممن يجدون أنفسهم مجبرين على دفع مبالغ مالية كبيرة للحفاظ على مكانتهم بين الحضور.
ويعدّ التضامن الأسري تفصيلاً أساسياً في أعراس التونسيين. إلا أن أشكاله عرفت تحوّلاً كبيراً خلال العقود الماضية. وكان التضامن حاضراً في أفراح العائلات من خلال الهدايا العينية كالطعام والخراف، قبل أن تتحول الهدايا إلى أموال قد تصل في بعض المناطق إلى عشرات الآلاف من الدنانير.

لايف ستايل
التحديثات الحية

في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية صابرين الجلاصي إن عادة "الرمو" أو "الرشق" تأتي في إطار الهبة التي يشير علماء الاجتماع إلى مساهمتها في تعزيز قيم التواصل بين الأفراد، وتعزيز التبادل لا في إطار علاقات ثنائية فقط بل أيضاً في إطار علاقات جماعية. وتؤكد الجلاصي لـ"العربي الجديد" أن "الرمو" الذي تعود جذوره إلى مئات السنين هو نظام شامل شديد التعقيد لأنه يحمل رموزاً عدة في الموروث الثقافي التونسي للمجتمع. ويأتي في إطار إبراز حسن النوايا وخلق نموذج للتضامن الاجتماعي.
وتقول الجلاصي إن الهبة أو "الرشق" لم تكن تقتصر على الأموال بل تشمل أيضاً المساعدات العينية كالأثاث وأواني الطبخ وكل ما يمكن أن يحتاجه العرسان لمنزلهم الجديد، مؤكدة أن لهذه المساعدات الاجتماعية دلالات أخلاقية وحتي دينية تكشفها اللغة والأمثال الشعبية المتداولة لدى العامة، منها المثل القائل: "يا سعد من ساهم في بيت بناء" (هنيئاً لمن ساهم في إقامة عش الزوجية).
إلا أن هذه العادات القائمة على التضامن الاجتماعي، بحسب الجلاصي، تحولت من مبادرات طوعية إلى عادة إلزامية، خصوصاً أن من يحصل اليوم على هبة أو مبلغ مالي مطالب مستقبلاً بإرجاعه. وتشير إلى أن هذا العرف خرج من إطاره التضامني إلى التسويق للذات الاجتماعية التي تبرز المكانة الاجتماعية المرموقة للمانح، من دون الأخذ في الاعتبار تراجع قدرة العائلات على الإنفاق والتي أصبحت تتحمل أعباء إضافية بسبب عادة "الرمو". 
وتؤكّد المتحدثة أن دفع مبالغ مالية كبيرة كهبات في الأعراس مرده إلى رغبة المانح في إظهار مكانته الاجتماعية أمام الحضور الذين يجبرون على المزايدة لحفظ مكانتهم من دون مراعاة أثر ذلك على قدراتهم المادية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تضيف الجلاصي أن العادات القديمة التي أسست للتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع تحوّلت إلى عقبة إضافية أمام المقبلين على الزواج، بعدما أصبحت تقدر بآلاف الدنانير، والمتزوجون الجدد مطالبون بإرجاعها في أول مناسبة يحييها المانحون.
ولمساعدة الشباب على إحياء ليلة العمر، أوجد التونسيون منذ القدم وسائل للتكافل بين العائلات وتخفيف عبء وكلفة مراسم الزواج من خلال الهبات أو "الرمو" في ليلة الحناء. هذه العادة التي تتميز بها مناطق عدة تساهم في تمكين العريس من خلال الحصول على مبالغ مالية متفاوتة من أقاربه وأصدقائه على شكل هدايا تساعده في مواجهة نفقات الزفاف، على أن يتولى العريس بدوره إرجاع ما حصل عليه في أفراح من حضروا لمساندته بمناسبة زفافه.
خلال السنوات الأخيرة، برزت مظاهر سلبية خصوصاً في المناطق الحدودية التي ينشط فيها التهريب، إذ تخلت عن طابعها التضامني وتحوّلت إلى مظهر من مظاهر الرياء والتفاخر من خلال حجم الأموال التي تقدم للعروس يوم الحناء. 

المساهمون