"دكان خيري"... التمر من فلسطين والعين على سورية

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
23 يونيو 2015
02D47B4A-7911-4697-B93B-DE1AD39B65E4
+ الخط -
في ضاحية "نوربرو" في كوبنهاغن، يأخذ "دكان خيري" وضعاً مميزاً بمعروضاته الفلسطينية والدور الذي يقوم به لمساعدة لاجئي سورية، يجد زوار المحل شيئاً من أجواء رمضان التي يفتقدها المهاجرون في دول الشمال الأوروبي.

في "الدكان" توجد التمور بأنواعها مغلفة بعلب أنيقة تبرز بلد المنشأ.. "سعودي، إماراتي.."، لكن الأبرز أن تجد الناس تتلهف لسؤال عن "مجهول فلسطيني" (أسماء أنواع التمور).
نعم، حين تنزل الدرجات المؤدية إليه ستتفاجأ: زيت زيتون فلسطيني وتمر فلسطيني وصابون نابلسي وحبة البركة وزيتها والزعتر الأخضر مغلف بأناقة.

تنزل أم رشيد العراقية درجات الدكان متجهة فوراً إلى الرف الذي يضع عليه البائع تموره وزيوته وزيتونه، وتسأل البائع الشاب بكر أبو يوسف، الزنجباري الأصل، عما إذا كان لديه علبة "3 كيلو من التمر الفلسطيني". 

تقول أم رشيد لـ"العربي الجديد": "أولاً هذا تمر طيب ومن فلسطين.. لذا أبحث عنه؛ زيت حبة البركة أختاره لعلاج الضغط، لكنه، ولأنه من فلسطين، أثق بأنه أصلي، ثم إنك حين تدفع ثمن هذه الأشياء بأكثر مما عليه أثمان البضائع في متاجر أخرى، فأنت تعرف بأن ما تدفعه يذهب لإخوتنا السوريين، أعانهم الله على وضعهم".

مبادرة خيرية
يشرح بكر أبو يوسف: "الدكان يركز الآن على الريع للسوريين في مخيمات داخل الحدود السورية، نحن نبيع كل شيء يتعلق بفلسطين من منتوجات وكوفيات وزيوت وفخاريات، أتينا بها من فلسطين مباشرة، كفعل خير جاء في رمضان هذا العام؛ ليكون من نصيب الأطفال في سورية".

عربية أبو يوسف ليست كلغته الإنكليزية والدنماركية، لكنه يشير إلى الشاشة التي تعرض ما تقوم به جمعية فوميس في "أطمة" السورية، ثم يفتح الكومبيوتر ليثبت لنا أن "دكان خيري" لا يهدف للربح، بل لما يسميه "القيام بالواجب الإنساني" تجاه هؤلاء الأطفال.

العجيب أن ترى شابات دنماركيات غير مسلمات يقفن بالدور خلف الآخرين ليشترين صابوناً نابلسياً وقمصان تي شيرت، طبع عليها بالعربي "أنا سورية".

نسألهن إن كن يعرفن الهدف من "الدكان" فنفاجأ بابتسامة: "نحن عدنا للتو من غزة في إجازة إلى بلدنا وسنعود إلى هناك، نعمل مع منظمة الأمم المتحدة، وبالطبع نشتري دعماً لانتشار البضائع الفلسطينية أولاً، ونعرف أن الحملة الآن هي لأطفال سورية.. إنه مزيج جيد وطبيعي جداً في التضامن بين البشر".




يدخل شاب صومالي وزوجته الشابة، يقلبان علب تمر "مجهول من فلسطين".. يقولان: "هذه هي المرة الثانية منذ بداية رمضان التي نشتري فيها التمر الفلسطيني، مذاقه أفضل ومبارك.. ومن جهة ثانية هذا الدكان نثق بأن ما ندفعه له ليس بقصد الربح بل لهدف إنساني".



شاب من "طولكرم" مولود في تلك المنطقة "نوربرو"، يتحدث مع البائع أبو يوسف بلغة دنماركية، عن أن والده قال له أن يشتري علبة 5 كيلو من التمر.. وهو يجيب: "كل ما اشتريت شيئاً من فلسطين كلما ثبّت الشعب في أرضه، فالصهاينة يسرقون الأرض وما عليها ويبيعونها على أنها بضاعتهم.. إنها سرقة وقحة، وأنت عليك أن تواجههم ودعم المزارعين الممنوعين من التصرف بأرضهم، وفي الوقت ذاته أنت تساعد إخوتك في سورية، وهذا واجبنا جميعاً".




اقرأ أيضاً: تلاميذ المدارس العربية في كوبنهاغن يحتفون بلغتهم


في "دكان خيري" تنزل من يناديها أبو يوسف "خالة عائشة" لنتبين أنها دنماركية أسلمت منذ سنين، وهي التي تساعد في التسويق، بل وفي حياكة تلك القمصان التي تحمل عبارات عدة يقبل عليها الدنماركيون بطريقة مثيرة: سلام.. أنا سورية.. غزة.. أنا فلسطين.. وغيرها من عبارات تهدف للفت الانتباه إلى قضية ما.

"كيف أنت من زنجبار يا بكر، وتشرح للزبائن كل تلك الأشياء عن سورية وعن البضائع الفلسطينية؟".
بابتسامة يقول: "القضية بالنسبة إلي مبدئية، أنا مؤمن بالعمل الخيري العابر للجنسيات والشعوب، لقد ذهبت إلى سورية ورأيت فظائع الحياة الشتوية في مخيمات كانت الثلوج تدمرها، منظمتنا منظمة خيرية، وهم (الدنماركيون) أرادوا أن يصموا كل شاب مسلم بأنه متشدد إن ذهب إلى مساعدة اللاجئين، لكننا بتصميم في جمعيتنا "فويميس للعون الدنماركية" أثبتنا لهم أننا شباب من كل الجنسيات، نطمح لمساعدة البشر الذين يعيشون ظروفاً صعبة. ستفاجأ إذا عرفت بأن بيننا أناساً من مقدونيا والأرجنتين والسويد والدنمارك، هذا عدا عن الصومال والعرب والأكراد".

اقرأ أيضاً: مجموعات حماية ذاتية في أحياء الدنمارك ضد العنصريّة

ويشرح بكر أن "هذا الدكان ليس سوى جزء من عمليات أوسع نقوم بها، صحيح أنه يبدو متواضعاً في الشارع، لكن العارفين بمنظمتنا الخيرية يعرفون أننا أرسلنا سيارات إسعاف ومستلزمات مستشفيات إلى غزة".

ويكشف اختيار هؤلاء الشباب اليوم لسورية، عن نشاط أوسع من ذلك الدكان الخيري في وسط كوبنهاغن.
فهؤلاء الشباب ومن يساندهم في أعمالهم الخيرية "مستقلون تماماً عن أية مساجد أو جمعيات دينية أو تيارات إسلامية"، بحسب ما تقول سيدة مقدونية تتحفظ على ذكر اسمها والظهور في الإعلام، بينما يشير زوجها إلى أنه "في معظم الدول الغربية، ومنها الدنمارك، كانت مجموعات الشباب، ولا تزال، بغض النظر عن دياناتها، تسافر مسافات طويلة لدعم الشعوب بعمل إغاثي وخيري، من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، ولا أجد عجباً في أن أرى هؤلاء الشباب المسلمين ومن مختلف العرقيات، لديهم طاقات كبيرة يصبونها في مبادرات تستحق الدعم. لذا اخترت أن أقوم بما أستطيع لإيجاد مخازن كبيرة لتجميع سيارات الإسعاف والمستلزمات الطبية والملابس وكل ما يتم جمعه رسمياً، ليرسل إلى سورية عبر حاويات وبشكل رسمي".


ذات صلة

الصورة
شارك العديد من الشبان في مبادرة الحلاقة (العربي الجديد)

مجتمع

في إطار المبادرات والمساعدات المقدمة للنازحين، رحب النازحون في مدينة صيدا بمبادرة الحلاقة في ظل ظروفهم الصعبة والبطالة
الصورة
متطوعون في مبادرة لإعداد وجبات طعام بود مدني (فرانس برس)

مجتمع

زادت الحرب في السودان عدد المحتاجين الذين وقعوا ضحايا للظروف السيئة وواقع خسارتهم ممتلكاتهم وأعمالهم واضطرارهم إلى النزوح.
الصورة
مهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء في صفاقس في تونس (حسام زواري/ الأناضول)

مجتمع

أطلق نشطاء تونسيون حملة "كن إنسان" لجمع تبرّعات لمصلحة المهاجرين المرحّلين من مدينة صفاقس، وذلك بهدف توفير مواد أساسية للعيش.
الصورة
مبادرة سوبر وومن في مصر (العربي الجديد)

مجتمع

لم تكن آية منير تتوقّع أن تتحوّل إلى ناشطة مدافعة عن حقوق المرأة. لكنّ تجربة الطلاق والمعاناة التي تلتها دفعتاها إلى اللجوء إلى متخصّص في علم النفس نصحها بأن تكوّن مجتمعاً داعماً لها، فكانت "سوبر وومن".