كشف ضابط في محكمة تحقيق جنايات الرصافة في بغداد أن قيادياً بارزاً في تنظيم "داعش"، معتقل حالياً لدى السلطات العراقية، اعترف خلال التحقيق معه أن خطة اجتياح التنظيم لمدن عراقية حدودية مع سورية كانت وُضعت منذ العام 2013، في سجن أبو غريب غرب بغداد، من قبل قيادات عدة تمكنت من الفرار من السجن، نهاية يوليو/تموز من العام نفسه، مبيناً أن الخطة فشلت أكثر من مرة لأسباب كثيرة، لكن الانتفاضة المسلحة للعشائر على رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، بسبب سياسته، مكنت التنظيم من تنفيذ مخططه.
ويخضع حالياً نحو 90 عضواً بارزاً في "داعش" للتحقيق في سجن محصن شمالي العاصمة العراقية بغداد، تم اعتقالهم خلال المعارك التي جرت في محافظتي الأنبار ونينوى، بينهم المدعو أبو أحمد التركماني من أهالي تلعفر، أحد أذرع زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، المهمة في الجناح العراقي بالتنظيم. وكان مسلحون هاجموا، في 22 يوليو 2013، سجن أبو غريب غرب بغداد، وتمكنوا، بعد قتل العشرات من عناصر الأمن، من اقتحام السجن المحصن وإطلاق سراح أكثر من ألف سجين، غالبيتهم من الإرهابيين. وينتمي غالبية الفارين إلى تنظيم "القاعدة"، ومن ثم تنظيم "داعش". وكان السجناء اعتقلوا من قبل الجيش الأميركي، الذي قام بتسليمهم إلى الحكومة العراقية عقب انسحابه من البلاد في العام 2011. ويشغل حالياً سجناء فروا من سجن أبو غريب مناصب قيادية مهمة في التنظيم، بينهم "والي الجزيرة"، عبد القادر خيري، و"والي البوكمال" السورية، طه المشهداني، و"المفتي الشرعي لولاية الخير" (الرقة)، محمد طه، وشاكر وهيب الملقب بالشيخ أبو وهيب، والذي يعتقد أنه تولى منصب "والي الأنبار" بعد مصرع "الوالي" السابق بغارة أميركية مطلع العام الحالي، فضلاً عن محمود كاظم، الملقب بالدكتور محمود، المسؤول عن تطوير برنامج الصواريخ التي يقوم التنظيم بصناعتها محلياً، ويبلغ مدى بعضها أكثر من 30 كيلومتراً. وتعول بغداد على معتقلي التنظيم للحصول على معلومات كثيرة حول قيادات "داعش" وطرق تمويله، وماكينة التجنيد الإقليمية التي يستقدم من خلالها المقاتلون إلى العراق، فضلاً عن أبرز قياداته الحالية، التي يعتقد أنها تنتشر في مناطق داخل العراق، بأسماء مزيفة وأشكال مختلفة.
ووفقاً للمسؤول العراقي، فإن القيادي في تنظيم "داعش"، أبو أحمد التركماني، الذي اعتقل بعد إصابته في منطقة الموصل القديمة، مطلع يوليو الماضي، أكد خلال التحقيق معه أن خطة الانتقال إلى العراق، والسيطرة على مدن حدودية مع سورية، كانت أحد أهداف التنظيم منذ مطلع 2013، إلا أنها كانت متعلقة بمدن حدودية، مثل القائم والرطبة في الأنبار، والبعاج وسنجار ومناطق قرب الموصل، بهدف قطع طريق الإمدادات عن نظام بشار الأسد القادم من بغداد، وخلق مناطق نفوذ جديدة، والحصول على سلاح الجيش العراقي بعد مهاجمة قواعده الحدودية، إلا أن المخطط، الذي أعد من قبل قيادات بارزة داخل السجن، لم يحالفه الحظ في التنفيذ لأسباب كثيرة، بينها قلة عناصر التنظيم والضغط القوي للجيش السوري الحر و"جبهة النصرة" آنذاك على مناطق نفوذ التنظيم في سورية. وبين أنه ووفق الاعترافات فإن التركماني ومئات آخرين انتقلوا إلى سورية بعد تحريرهم من السجن، واستمروا في العمل مع التنظيم هناك لأكثر من خمسة أشهر، قبل أن تندلع انتفاضة العشائر ضد سياسة نوري المالكي، ورفع بعض العشائر السلاح، خصوصاً في الأنبار، ما شكل غطاءً مناسباً لمهاجمة المدن الحدودية، التي سهلت التوغل إلى الموصل شمالاً والرمادي غرباً، عاصمتي نينوى والأنبار. وتابع "بحسب اعترافات التركماني فإنه كان على رأس قوة تبلغ أكثر من 200 مسلح دخلت الأنبار من البوكمال السورية، بصفة مقاتلين من عشائر الدليم، ورفعوا أعلام تلك العشائر، ولم يرفعوا علم داعش في البداية. وبحسب اعترافات التركماني، فقد تمت تصفية زعماء قبليين ورجال دين سنة بارزين في الفلوجة والموصل والرمادي والقائم، قبل اجتياح التنظيم للمدن العراقية بأيام، بسبب اعتقادهم أنهم سيواجهون التنظيم ويرفضون وجوده في العراق".
وتتطابق اعترافات التركماني مع ما أعلنته الشرطة العراقية، في ديسمبر/كانون الأول 2013، وذلك قبل اجتياح "داعش" للأنبار بأيام قليلة، إذ وقعت في تلك الفترة 11 حالة اغتيال، طاولت رجال دين وزعماء قبائل ووجهاء لهم ثقلهم في المجتمع الأنباري، أعقبتها عمليات اغتيال مماثلة في الموصل وضواحيها طاولت أيضاً ضباطا في الجيش العراقي السابق. ويخضع التركماني للتحقيق مع قيادات أخرى في التنظيم في سجن الكاظمية العراقي شديد التحصين على نهر دجلة شمال بغداد، ويتناوب على التحقيق معهم ضباط عراقيون وآخرون من الجيش الأميركي. ويرى المصدر، وهو أحد ضباط فريق التحقيق مع المعتقلين، أن "اعترافات التركماني وغيره من القيادات قد لا تكون صالحة للإعلان عنها من قبل الحكومة، أو الكشف عن أجواء محاكمتهم، بسبب الشق السياسي الذي يدين الحكومة السابقة، ويؤكد أن سياستها الطائفية جلبت الدمار إلى العراق"، مستدركاً "لكنها قد تستخدم في التسقيط السياسي الحالي، خصوصاً أنها تتزامن مع حمى الاستعداد للانتخابات".