"داعش" بعد تدمر باتجاه مناطق المعارضة السورية المسلحة

26 مايو 2015
"داعش" يسيطر على مناطق تمركز الثروات الطبيعية (فرانس برس)
+ الخط -

بات نحو نصف مساحة سورية في قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بعد احتلاله الأخير مدينة تدمر الأثرية. وإن كانت غالبية هذه المساحة مناطق صحراوية، غير أن نفوذه الأساسي يكمن في سيطرته على القسم الأكبر من مناطق تمركز ثروات سورية من نفط وغاز وفوسفات، وأراضٍ زراعية، إضافة إلى محاصرته المناطق ذات الكثافة السكانية وتلك التي تخضع لنفوذ النظام. وفي ظل هذا الواقع، بدأت الأنظار تتجه نحو المعارك التالية لهذا التنظيم، والتي ستكون المعارضة هدفاً لبعضها.

اقرأ أيضاً: هكذا تخلّى النظام السوري عن جيشه في تدمر

وأصبح التنظيم على تماس مباشر مع خط تمركز الكتلة البشرية، في سورية والتي تشكّل أكثر من 90 في المائة من السكان، وتتمركز على خط شمال جنوب بدءاً من درعا والسويداء وصولاً إلى حلب، بالإضافة إلى تواجد المؤسسات الفعلية للسلطة في هذا القسم بمختلف نشاطاتها الاقتصادية والصناعية والخدمية، الأمر الذي يطرح العديد من السيناريوهات حول الوجهة المقبلة للتنظيم الذي لا يمتلك استراتيجية واضحة لمعاركه، بل تقوم على الاستيلاء على مصادر الثروات والطاقة، وإيجاد مبرر شرعي للمعركة.

ومع سيطرة "داعش" على مدينة تدمر، وقبلها السخنة، يكون قد أطبق الحصار البرّي بشكل تام على قوات النظام في محافظة دير الزور، والتي بدأت فعلياً خلال اليومين الماضيين، بحسب مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، بنقل محتويات متحف دير الزور، ونقل الأسلحة جوّاً عبر مطار دير الزور العسكري إلى جهة مجهولة خارج المحافظة، في خطوة يعتقد أنها نية لتخلي النظام عن مواقعه في محافظة دير الزور لصالح التنظيم.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يُفرغ دير الزور تمهيداً لسقوطها

ويتوافق توجه التنظيم حالياً نحو منطقة خنيفس التي تحتوي على مناجم فوسفات مع استراتيجيته القائمة على التوجه نحو مصادر الثروة ومصادر الطاقة، والتي يرجح أن يسيطر عليها بسهولة.

 وفي حال اختار التنظيم أن يتابع معاركه في ريف حمص الشرقي، فمن المرجح أن تكون وجهته المقبلة حقل الشاعر النفطي ومصفاة الفرقلس النفطية، وهي منطقة محصنة عسكرياً بمجموعة من قطع النظام العسكرية ومطاراته مثل مطار الضبعة العسكري، التي تشكل خط الدفاع الأول عن مدينة حمص. ويتوقع أن يستميت النظام في منع التنظيم من السيطرة عليها. فيما لا يرجح أن يدخل "داعش" في معارك صعبة كمعركة حمص على سبيل المثال، وقد يُبقي خطوط اشتباكه مع قوات النظام في ريف حمص الشرقي عند حدود مدينتي القريتين وجب الجراح.

وفي حال اختار التنظيم التوسع بمعاركه جنوباً، عندها سيكون أمامه  خياران: الأول التوجه نحو القلمون الشرقي والوصول إما إلى الفصيل التابع له في القلمون الغربي، حيث يوجد فصيل يعد بضع مئات من العناصر، وإما الوصول إلى الغوطة الشرقية. وفي كلا الحالتين، يستلزم الأمر صداماً حتمياً مع فصائل المعارضة المسلحة في القلمون الشرقي، حيث يوجد فيها كل من "جيش الإسلام" و"جيش أسود الشرقية"، وهما الفصيلين الأكثر عداوة مع التنظيم، بالإضافة إلى "جيش تحرير الشام"، ومواجهة حتمية في القلمون الغربي مع "جبهة النصرة".

ويخشى "جيش الإسلام"، من  توجه "داعش" نحو الغوطة الشرقية، وهو ما تبين من خلال زيارة قائده زهران علوش الأخيرة إلى الأردن بهدف تقوية علاقته بالجبهة الجنوبية في مواجهة خطر التنظيم. ويبقى احتمال أن يختار "داعش" التوجه نحو الغوطة الشرقية قوياً، على الرغم من عدم وجود فصائل موالية له فيها. ومما يقوي هذا الاحتمال ترجيح إغراء التنظيم من قبل النظام السوري بهذه المعركة من خلال تسهيل مروره، ومساندته جوياً ضد فصائل المعارضة هناك كون المعركة تشكل مصلحة كبرى للنظام في هذه المرحلة.

أما السيناريو الثاني المحتمل لتوجه تنظيم "داعش"، فهو تعزيز قواته في بير القصب واستخدام السويداء كطريق عبور إلى محافظة درعا.

في غضون ذلك، لم يعد بمقدور النظام أن يتاجر بقضايا الأقليات ويغامر باستغلال وجود "داعش" على حدود محافظة السويداء، خصوصاً بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها أمام التنظيم، وبالتالي فإن أي خسارة جديدة تبدو كأنها بداية النهاية للنظام. لذلك، يُلحظ أن أصوات مشايخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، خصوصاً المحسوبين على النظام، بدأت تعلو وتدعو إلى ضرورة تسليح أبناء المحافظة للدفاع عن الأرض ضد "داعش".

في ظل مخططات "داعش" والوضع السيئ لجيش النظام، يبقى الخيار الأفضل للمعارضة أن تشاغل النظام في جبهاته المنهارة على أطراف إدلب وفي حلب ودرعا، وأن تعزز من  وجودها في الجبهات التي يحتمل أن تكون وجهة لتنظيم "داعش"، لأن المعركة الحاسمة ستكون بين المعارضة والتنظيم.

المساهمون