"خمسة طوابق إلى الأعلى": لا نعرف ما نريد

03 يوليو 2015
(من الفيلم)
+ الخط -

لم تكن الكاتبة الكندية، جيل سيمانت، تتوقع أن تحظى روايتها الخامسة "تدابير بطولية"، بنجاح كبير يصل حد دخولها "نادي أوبرا وينفري للقراءة"، أو أن تكون ضمن قائمة الكتب النهائية المتنافسة على جائزة لوس أنجلوس تايمز للكتاب، ولا أن تشاهد مورغان فريمان وديان كيتون يؤديان الدورين الرئيسيين في روايتها التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي يحمل عنوان "خمسة طوابق إلى الأعلى".

قصة الفيلم عن علاقة فريدة تجمع بين أليكس (فريمان) وزوجته روث (كيتون) يعيشان في شقتهما في بروكلين منذ أكثر من أربعين عاماً، ويخططان لتركها والبحث عن أخرى في مكان آخر أفضل في مبنى يتوفر فيه مصعد؛ لأن سنهما لم يعد يحتمل صعود خمسة طوابق من السلالم إلى شقتهما في الطابق الأخير.

لا يبدي أليكس رغبة كبيرة في مغادرة شقته، التي يوفر له علوّها منظراً جميلاً، يلائم عمله كفنان تشكيلي، لكنه لم يبح برغبته لزوجته التي اجتاحتها حماسة بالغة لتغيير الشقة والحي، بل المدينة أيضاً التي تغيّرت بشكل كلّي منذ أن قدِما إليها في مقتبل العمر؛ فظهرت فيها بنايات جديدة، ورحل جيران وآخرون قدموا، واكتسح المكان ضجيج كثير.

كل شيء من حولهما تغيّر وأشعرهما بالرغبة في التغيّر أيضاً، فشرعا في البحث عن شقة جديدة بمساعدة وكيلة العقارات ليلي بورتما (سينثيا نيكسون). لكن، عليهما قبل ذلك، بيع منزلهما، ثم اقتناء منزل جديد.

مخرج الفيلم، ريتشارد لونكرين، عرف كيف يستل حبكات جانبية من القصة المأخوذة عن رواية سيمانت، بحيث تصير أحداث بحث الزوجين عن سكن، غطاءً لتحريك قضايا أخرى -ربما أكثر أهمية- جعلت الحكي يتسع لمسارات جديدة؛ بداية باختيار العودة في الزمن، إلى نقطة لقاء أليكس وروث التي أصرت على الزواج من أليكس رغم رفض مجتمعها زواج البيض من السود في ذلك الوقت.

كما يعرّج الفيلم على حادثة احتجاز شاب لأحد المباني من أجل سرقة 300 دولار فقط، لكن الإعلام لم يتأخر في تقديم الخبر ضمن دائرة أخبار الإرهاب. هذا الحدث ساهم في عرقلة حركة المرور وأثّر ظهوره على سوق العقار، وعندما ألقي القبض عليه فرح الكل باستثناء أليكس الذي كانت له رؤية مخالفة، واعتبر هذا الشاب "مجرّد ولد صغير لا يعرف ما يريد"، وستؤثر ملامح البراءة على وجهه في قرار أليكس الذي كان على وشك توقيع عقد شراء شقة جديدة، وعدل عن ذلك، مخبراً زوجته بنفس هدوئه المعتاد: "ليس هناك داع لكل هذه العجلة".

ومع تناسل الحبكات شيئاً فشيئاً، يجد المخرج مدخلاً مناسباً للحديث عن تلقي الفن لدى الجمهور، عندما سيخبر أحد مدراء المعارض أليكس بأن بضاعته لم تعد تثير اهتمام المشترين، وأن عليه إن أراد أن يبيع لوحاته أن يتخلى عن ولعه بالبورتريه، وأن يضيف لمحات شبابية على رسوماته. بهذا السرد المتشابك، وجد الفيلم طريقه إلى الجمهور، وخرجت القصة عن مسار واحد كان سيحدّ من جاذبية الفيلم.

رغم محدودية المكان والزمان في العمل، إلا أنه استطاع نحت المتعة والتشويق من مصادر فيلمية أخرى، ونقل الأهمية إلى تحريك الأحداث بفضل الحضور اللافت للثنائي فريمان وكايتون، اللذين ظهرا وكأنهما يمرحان في دوريهما. إضافة إلى قوّة التعبير البصري وتناسق الألوان، حيث كانت الكاميرا تلائم بين مضمون الحوار وتنوع الألوان داخل الفضاء، خصوصاً عبر الاعتماد على اللوحات الفنية كمصدر لهذه الألوان.

قد لا يضعنا فيلم "خمسة طوابق إلى الأعلى" أمام قصة ضخمة ومعقدة، فهو لا يعرض سوى حكاية بسيطة عن التقدّم في السن وتفاصيله اليومية، لكن المعالجة التي يقترحها جعلت رواية سيمانت تبدو جديرة بالشاشة الكبيرة.

دلالات
المساهمون