جلبير الأشقر: العدوان على غزّة في معناه التاريخي

08 نوفمبر 2024
جلبير الأشقر
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جلبير الأشقر يسلط الضوء على مأساة غزّة، مشيرًا إلى أن جذور الأزمة تعود إلى تأسيس "دولة" الاحتلال عام 1948 بدعم من قرارات الأمم المتحدة، مما عزز سيطرة اليمين المتطرف في إسرائيل.

- الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو تضم وزراء نازيين جدد، مما يساهم في تصعيد المجازر في غزّة ولبنان، ويكشف عن المعايير المزدوجة في المواقف الغربية، خاصة مع دعم الولايات المتحدة.

- حرب الإبادة في غزّة تعيد العالم إلى ثنائية "الخير" و"الشر"، وتبرز التناقضات في المواقف الدولية، مما يؤثر على مصداقية الليبرالية الأطلسية ويعيد تشكيل العلاقات الدولية.

"إنّها اللحظة الأكثر تراجيدية في تاريخ المنطقة. لا الحرب السورية، ولا حرب اليمن، ولا حرب لبيبا، ولا ما يحدث في السودان، يمكن مقارنتها بالمأساة والمجزرة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في غزّة. حتى ما يحدث الآن في بلدي، لبنان، لا يمكن مقارنته بالإبادة التي تقوم بها حكومة اليمين المتطرّف النيونازية في إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر".

بهذه المقدّمة، استهلّ جلبير الأشقر، الأكاديمي والكاتب اللبناني، محاضرته "معنى الحرب على غزّة في التاريخ"، التي ألقاها في "البيت العربي" بمدريد، مساء الأربعاء الماضي.

تبعاً لأستاذ التنمية والعلاقات الدولية في "جامعة لندن"، لا بدّ من العودة إلى التاريخ لفهم بعض المفارقات اللامنطقية التي تنهض عليها "دولة" الاحتلال لفهم سلوكها ضدّ العقل وضدّ الإنسان اليوم: أوّلاً، كان قيامها على أساس نكبة شعب كامل في عام 1948. هذا التأسيس القائم على أساس نكبة وتهجير وقتل شعب آخر، شرّعت له الأمم المتّحدة في قرار عام 1947؛ تلك المنظّمة التي تأسّست عام 1945 بهدف منح الشعوب حقّها في تقرير مصيرها والقضاء على الاستعمارية. كلُّ شيء يبدأ من هذه المفارقة. وبمراجعة بسيطة للتاريخ الحديث، يستطرد المتحدّث، يمكن ملاحظة أنّ كلّ القرارات التي أصدرتها المنظّمات المعنيّة بالحفاظ على الأمن كانت دعماً لسياسة "إسرائيل" التوسّيعية، والاستيطانية، والاحتلالية، والعدوانية، وهذا ما عزّز استلام اليمين المتطرّف دائماً زمام الحكم.

هذا التراكم التاريخي من الدعم اللاعقلاني لكيان الاحتلال التقى، وفقاً للأشقر، في السابع من أكتوبر مع حكومة يمينية متطرّفة، يقودها نتنياهو. لكنّ هذه الحكومة تختلف عن سابقاتها في أنّها، مثلما ذكر دانييل بلاك مان أستاذ الهولوكوست في "الجامعة العبرية" بالقدس، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، تحتوي على وزراء نازيّين جدد، وبالتالي فإنّ ما يحدث في غزّة يذكّرنا بشكل أو بآخر بممارسات ألمانيا النازية عام 1933، وهذا، في حقيقة الأمر، سبب من أسباب هذه المجازر والإبادات الحاصلة الآن على الأرض في كلّ من غزّة ولبنان.

الإبادة نتاج تراكُم تاريخي من الدعم اللاعقلاني للاحتلال

وفق الأشقر، لا يمكن فصل ما يحدث في الشرق الأوسط عمّا يحدث في العالم، وبطبيعة الحال، هو يشكّل نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ فلسطين، ذلك أنّ الحديث عن أيّ "سلام" عربي أو فلسطيني مع هذا النظام الإسرائيلي المُجرم أصبح شيئاً غير معقول، وهذا سيؤثّر على أوروبا المجاورة بشكل مباشر.

لكنّ معاني حرب الإبادة لا تتوقّف عند هذا الحدّ، بل ستؤثّر على تاريخ العلاقات الدولية، مثلما يضيف صاحب كتاب "الشرق الملتهب: الشرق الأوسط في المنظور الماركسي" (2004)، موضّحاً: "كشفت تزامن الإبادة مع الحرب في أوكرانيا على نحو لا يمكن إصلاحه عن المعايير المزدوجة في المواقف الغربية. ومن خلال التغاضي عن الإبادة الجماعية ضدّ السكّان الضعفاء في غزّة، مع مشاركة الولايات المتّحدة بشكل كامل فيه، فقدت الليبرالية الأطلسية المصداقية الضئيلة التي ما زالت تحتفظ بها".

ويقول الأشقر إنّ من المعاني الأُخرى التي رسّختها حرب الإبادة فكرة أنّ العالم بدأ يعود إلى ثنائية "الخير" و"الشرّ"، وما تقرّره "إسرائيل" بأنّه "الشرّ"، سيكون "الشرّ" وما تقرّره بأنّه الخير سيكون هو "الخير". "إنّه احتكار للوعي بالخطر واحتكار لحقّ القتال"، يعقّب أستاذ العلاقات الدولية. 

ويرى صاحب "الحرب الباردة الجديدة: العالم بعد حرب كوسوفو" (2000) أنّ الحرب على غزّة أكّدت التناقُض بين الديمقراطية والشمولية، إذ صار هذا التناقض واضحاً، ليس من الناحية النظرية فحسب، بل والتطبيقية أيضاً. والديمقراطية الآن صارت مجرّد شعار لا معنى له بالنسبة إلى العديد من بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية، التي رأت خلال حرب الإبادة ممارسات متحيّزة تنتهك حقوق الإنسان والحرّيات، فضلاً عن مبادئ العدالة والمساواة.

المساهمون