"جمعة النذير"... بروفة فلسطينية أخيرة تحضيراً لمليونية النكبة

12 مايو 2018
من تظاهرات "جمعة النذير" في غزة أمس(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة تجهيزاتهم تحضيراً لمليونية الرابع عشر والخامس عشر من شهر مايو/أيار الحالي، والتي تصادف ذكرى النكبة الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948. وشكلت "جُمعة النذير"، في هذا الإطار، أمس الجمعة، نموذجاً يُحاكي بروفات التحضيرات لمليونية الغضب، والتي ستشهد ذروة مسيرات العودة الكُبرى، التي اندلعت شرارتها قبل شهر ونصف الشهر، ويرغب المشاركون فيها في العودة إلى مدنهم وقراهم التي هُجّر منها آباؤهم وأجدادهم عنوة، عبر تظاهرات وأنشطة احتجاجية سلمية. وجدد آلاف الفلسطينيين للجمعة السابعة على التوالي، هبّتهم الشعبية في مسيرات العودة الكبرى، على طول الشريط الحدودي الفاصل بين غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1948، على الرغم من مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدام القوة المفرطة والمميتة، في مواجهة المتظاهرين العُزل، ما أوقع شهداء وعشرات الجرحى، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، التي أحصت حتى عصر أمس مقتل جبر سالم أبو مصطفى (40 عاماً) بطلق ناري في القلب، وجرح ١٦٧ آخرين بينهم ٧ بجراح خطرة.

وشهدت "جمعة النذير" نشاطاً واضحاً للوحدات الشبابية الميدانية المُشاركة في التظاهرات على طول الشريط الحدودي الفاصل، وهي "وحدة الكوتشوك"، "وحدة المقلاع"، "وحدة القواطع"، "وحدة الأطباق الطائرة" و"وحدة الليزر" التي انتشرت أخيراً، في محاولة من تلك المجموعات الشبابية، للضغط على قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل استهداف المدنيين العُزل بمختلف أنواع الأسلحة.

ويهدف أعضاء "وحدة الكوتشوك" إلى التأثير في رؤية القناصة الإسرائيليين بهدف منعهم من التصويب على المتظاهرين وحمايتهم، كذلك تفعل "وحدة الليزر"، بينما يهدف أعضاء "وحدة الأطباق الطائرة" إلى إلحاق الأضرار الاقتصادية بالاحتلال الإسرائيلي، عبر حرق المحاصيل الزراعية المتاخمة للمواقع العسكرية المحيطة بقطاع غزة. أمّا أفراد "وحدة القواطع"، فيواجهون أي وقائع جديدة يحاول الاحتلال فرضها، إذ يقومون بقطع الأسلاك الشائكة التي يتم نصبها على طول الشريط الحدودي، في حين تهدف بقية الوحدات إلى الضغط على قوات الاحتلال لوقف ممارساتها بحق المتظاهرين.

ولوحِظ في جمعة الحادي عشر من مايو، وجود مكثّف للكوادر الصحافية، ووكالات الأنباء المحلية والدولية والعالمية وسيارات البث المباشر، بهدف تغطية الجمعة الأخيرة، والتي يتحضر فيها المتظاهرون لمليونية النكبة، إلى جانب وجود عشرات الناشطين الشباب، الذين ينقلون مجريات الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة.

وبدت سيارات الإسعاف المنتشرة في النقاط الخمس (رفح، خان يونس، البريج، غزة وجباليا)، أكثر جاهزية وعدداً واستعداداً، إلى جانب نقاط الإسعاف الميداني، والتي تم نشرها في مخيمات العودة الخمسة، حيث تم تجهيزها بمختلف الأدوية والمعدات الطبية، بهدف التعامل المباشر مع الإصابات الطفيفة أو تقديم الإسعافات الأولية للمصابين، تمهيداً لنقلهم إلى المستشفيات.

وكانت ملامح الغضب والإصرار على مواصلة الفعاليات الاحتجاجية، وصولاً إلى ذروتها المقررة، واضحة على وجوه آلاف المتظاهرين الفلسطينيين على طول الشريط الحدودي ونقاط التماس الخمس، رغم سقوط آلاف الضحايا الفلسطينيين شهداء وجرحى منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية على المتظاهرين المدنيين.

كذلك، بدت الجُمعة السابعة، "جمعة النذير"، والمتممة لجُمع الغضب الفلسطيني، مختلفة، على الرغم من بدء إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار مبكراً فيها، إذ كان الحشد لافتاً مقارنة بالجُمع الماضية، كذلك تحلّى الشبان المشاركون بروح معنوية عالية، استعداداً لمسيرات مليونية في الرابع عشر والخامس عشر، والتي يرغب المشاركون فيها في إيصال رسائلهم إلى العالم، من أجل مساندتهم لتحقيق حلمهم في العودة.

ويُصرّ المتظاهرون منذ بداية حراكهم السلمي على تحقيق أهدافهم التي أعلنوها منذ بداية الأنشطة، والمتمثلة في العودة إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم وأراضيهم ومزارعهم التي هُجروا منها، وإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على الامتثال لقوانين وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتنفيذها، ولا سيما القرار رقم 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

في المُقابل، ضربت قوات الاحتلال الإسرائيلي المُدججة بالأسلحة، والمحتمية بالأرتال العسكرية، للجمعة السابعة على التوالي، الأصوات والنداءات الدولية كافة المُطالبة بالكف عن استخدام القوة المفرطة والعنف بحق المدنيين الفلسطينيين العُزل، عرض الحائط، حيث واصلت استهداف المتظاهرين بمختلف أنواع الأسلحة، ما أدى إلى تزايد أعداد الجرحى بشكل ملحوظ.

وتواصل التحريض الإسرائيلي ضد المسيرات والتجمعات السلمية، والذي يعتبر امتداداً لتصريحات عدد من قادة الاحتلال الإسرائيلي، الذين هددوا فيها باستخدام القوة، وإيقاع القتلى والإصابات في صفوف المتظاهرين. وهذا ما حصل فعلاً، إذ فاقمت قوات الاحتلال المنتشرة على طول الحدود استخدامها القوة، وإطلاقها النيران والرصاص الحي وقنابل الغاز السام والغاز المسيل للدموع، والتي تم رجم المتظاهرين بها عبر الطائرات المسيرة، وطائرات التصوير، والراجمات.

وتستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء اعتداءاتها على المتظاهرين العُزل الرصاص الحي والرصاص المغلف بالمطاط. وأظهرت الإحصائيات الطبية في غزة أن إصابات المتظاهرين تركزت في الأطراف العلوية والرقبة والرأس، كذلك في الظهر والصدر والبطن والحوض والأطراف السفلية، فضلاً عن حالات بتر عدة.

وتتزايد أعداد الإصابات جُمعة بعد الأخرى، نتيجة مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدامها القوة المفرطة في ظل ضعف قدرة المشافي في قطاع غزة على التعامل مع هذه الحالات، ونفاد عشرات أصناف الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، جراء استمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع، للعام الحادي عشر على التوالي.

كذلك، تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي بأسلحتها، الأطفال والنساء والطواقم الطبية والصحافية والمتظاهرين العُزل بشكل مباشر، من دون أي تمييز، بهدف القتل العمد، على الرغم من عدم تشكيل المتظاهرين أي خطر أو تهديد على الجنود المتمركزين على طول الشريط الحدودي. وقالت مؤسسات حقوقية عدة في بيانات منفصلة، إنّ إجراءات وممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي ترقى لجرائم حرب بموجب القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، خصوصاً المتعلّقة باتفاقية جنيف الرابعة، وقوانين محكمة الجنايات الدولية.

وتسبب استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي، وقناصته المنتشرين على طول الشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزة، منذ الثلاثين من مارس الماضي، بقتل العشرات وإصابة الآلاف من المتظاهرين بإصابات مختلفة، تنوّعت بين الإصابات الخطرة، المتوسطة والطفيفة، إلى جانب إصابات بالاختناق بالغاز السام وغاز الأعصاب والغاز المسيل للدموع.

ورغم ذلك، يتطلّع مئات آلاف الفلسطينيين للانضمام إلى مليونية النكبة المُتممة لمسيرات العودة الكبرى، وتلبية النداءات للمشاركة فيها، دفاعاً عن حقوقهم الوطنية، وتأكيداً لحقهم في العودة، والذي كفلته لهم القوانين الدولية، وسط مطالبات لأحرار العالم والجهات كافة، بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وحماية المتظاهرين العُزّل من تواصل التهديدات والممارسات الإسرائيلية العدائية.

المساهمون