قبل عامين بدأت السعودية تتودد لشركة تويوتا بغية بناء مصنع كبير للسيارات في إطار خطة ولي العهد محمد بن سلمان لتخليص المملكة من الاعتماد على إيرادات النفط وخلق فرص عمل للشباب السعودي.
غير أن 4 مصادر قالت إن الشركة اليابانية أعرضت عن المساعي السعودية في أعقاب محادثات طالت دون الوصول لنتائج ملموسة بسبب ارتفاع كلفة العمالة وصغر حجم السوق المحلية وعدم وجود صناعة محلية لمكونات السيارات.
ويمثل التوصل لاتفاق مع إحدى شركات صناعة السيارات الكبرى بحلول 2020 لإقامة مصنع للسيارات هدفا رئيسيا في الاستراتيجية الصناعية السعودية التي تمثل جزءا من برنامج أوسع نطاقا لتنويع موارد الاقتصاد في أكبر دول العالم المصدرة للنفط.
وسيمثل الإخفاق في تحقيق ذلك انتكاسة للأمير محمد بعد أن ألقى تأجيل طرح أسهم شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو ومقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بظلاله على صورة المملكة.
وقالت تويوتا إنها لا تعقب على المباحثات الداخلية الجارية وعلى الاتصالات مع الحكومة السعودية، فيما لم تستجب وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية ومركز التواصل الحكومي لطلبات للتعليق على الأمر.
وفي إطار الإجراءات الرامية لخلق 1.6 مليون فرصة عمل في قطاعي التصنيع واللوجيستيات بحلول العام 2030 يريد محمد بن سلمان أن يمثل المحتوى المحلي إنتاج نصف السيارات والأسلحة المستوردة التي يُتوقع أن تمثل ما يصل إلى 100 مليار دولار من إنفاق الهيئات الحكومية السعودية والمستهلكين في المملكة بحلول 2030. (الدولار= 3.7504 ريالات سعودية).
وبمقتضى اتفاق وقعته تويوتا في مارس/ آذار 2017، وافقت الشركة اليابانية على إجراء دراسة جدوى لمشروع لتصنيع السيارات ومكوناتها في المملكة.
وقال مصدران مطلعان على المسألة إن تويوتا خلصت بعد الدراسة والمفاوضات إلى أن السعودية ستحتاج لتقديم دعم هائل للمشروع لكي يحقق النجاح.
مصدر مطلع على المفاوضات قال: "وجدوا أن تكاليف الإنتاج لن تكون مماثلة لدول أخرى إلا إذا كان هناك حافز حكومي بنسبة 50%. ولكن حتى في تلك الحالة لم يكونوا واثقين أن المشروع سيدر الربح".
مهمّة صعبة
في ما يتعلق بإقامة صناعات تحويلية فإن الرياض تأمل أن تكرر ما حققته في الثمانينيات في قطاع البتروكيماويات الذي يمثل حجر الزاوية في حملة صناعية حولت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) إلى رابع أكبر شركة للبتروكيماويات على مستوى العالم.
ويعمل مئات الآلاف من السعوديين في صناعة البتروكيماويات التي تعد ثاني أكبر الروافد للاقتصاد السعودي بعد النفط. لكن قيام هذه الصناعة استغرق عشرات السنين بتمويل ضخم من الحكومة مع توفر المواد الخام الرخيصة.
وتقود الشركة السعودية للصناعات العسكرية المملوكة لصندوق الثروة السيادية في المملكة حملة لتوطين الإنفاق العسكري. وهي تهدف إلى تحقيق إيرادات قدرها 10 مليارات دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة وتأمل تحقيق 30% من الإيرادات من التصدير لأسواق في الخارج بحلول 2030.
أما بالنسبة للسيارات، فإن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية يريد أن يمثل المحتوى المحلي إنتاج نصف السيارات المشتراة في المملكة كل عام والتي يبلغ عددها نحو 400 ألف سيارة.
غير أن مصدر قطاع الصناعة والمصدر المطلع على سير المحادثات قالا إن تويوتا، التي تبلغ حصتها من السوق المحلية 30%، لم تقترح سوى إقامة مصنع صغير لإنتاج 10 آلاف سيارة باستخدام مكونات مستوردة في حين كان السعوديون يريدون مصنعا أكبر.
وتضمنت وثيقة عن الاستراتيجية منشورة على موقع برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية اعترافا بأن السعودية لديها عائق رئيسي في القدرة التنافسية وأنه سيكون من الضروري إيجاد مبررات تجارية كبيرة لجذب شركات صناعة السيارات.
ولم توضح الوثيقة تفاصيل عن هذا العائق أو حجم الحوافز الحكومية المطلوبة ونوعها. ولدى إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية في يناير/ كانون الثاني اعتمدت الدولة حوافز قدرها 45 مليار ريال (12 مليار دولار) لتطوير قطاع السيارات بما في ذلك تخفيضات في الرسوم ودعم للموارد البشرية وإعفاءات ضريبية لكن مصدر قطاع الصناعة قال إن ذلك لم يكن كافيا. ولم يستجب البرنامج لطلبات للتعليق على الأمر.
وردا على سؤال عما إذا كانت شركة تويوتا ستنظر في هذا المشروع إذا تغيرت الظروف الاقتصادية قالت الشركة "نحن لا نعلق على افتراضات عن الأوضاع الحالية أو المستقبلية".
حملة الوظائف
يهدف برنامج تطوير الصناعة الوطنية لخلق 27 ألف فرصة عمل في قطاع السيارات بحلول عام 2030، وذلك لجذب مصنعي المعدات الأصلية.
غير أن 3 مديرين بصناعة السيارات قالوا إن أحد العوائق يتمثل في غياب سلسلة إمداد محلية لمكونات السيارات.
وقال مدير كبير بشركة غربية للسيارات إن الرياض ستحتاج إلى بناء مناطق اقتصادية متكاملة تنتج مكونات مثل زجاج السيارات والبطاريات والدواليب (العجلات) لخفض التكاليف.
وأضاف: "إذا كان علي أن أبدأ عملية تصنيع في السعودية ثم استورد كل مكون من الخارج فليس لدي أي ميزة اقتصادية. المشكلة ليست حقا في إقامة المصنع بل في امتلاك سلسلة القيمة بكاملها".
كذلك، فإن السوق المحلية صغيرة نسبيا. فقد قال سوباش جوشي، المدير بشركة "فروست آند سوليفان" للأبحاث، إن الطلب على السيارات في السعودية انخفض بنحو 50% على مدار 3 سنوات ليصل إلى نحو 450 ألف سيارة في 2018 إذ كان لانخفاض أسعار النفط ورحيل أعداد من الوافدين أثره على الاستهلاك.
وقال جاستن كوكس مدير الإنتاج العالمي لدى شركة إل.إم.سي أوتوموتيف، إن "السعودية والدول (الخليجية) كانت مخيبة للآمال على الدوام من حيث المبيعات في السنوات الأخيرة لذا فليس الأمر وكأن مصنعي المعدات الأصلية سيدخلون سوقا مزدهرة".
وقال كوكس إن دولا مثل مصر وتركيا لديها مزايا أكبر لشركات السيارات.
ولشركة تويوتا مصنع باستثمارات تبلغ 1.2 مليار يورو تبلغ طاقته الإنتاجية السنوية 150 ألف سيارة في تركيا التي يربطها اتحاد جمركي بأوروبا. وسينتج مصنع أقامته نيسان في مصر عام 2005 باستثمارات قدرها 200 مليون دولار 28 ألف سيارة هذا العام.
تحفظ شركات صناعة السيارات
توفر تركيا ومصر أيضا الأيدي العاملة الرخيصة ذات الخبرة في الوقت الذي عمدت فيه الرياض إلى تقليص عدد العاملين الوافدين من أجل إتاحة فرص العمل للسعوديين الذين يفضلون الوظائف العامة ذات الرواتب المرتفعة.
ويعمل حوالي 10 ملايين أجنبي في الوظائف الشاقة ذات الأجور المنخفضة التي يتجنبها إلى حد كبير المواطنون السعوديون البالغ عددهم 20 مليون نسمة.
وقال خالد السالم الذي يشرف على تطوير المدن الصناعية إن السلطات تعمل على منح حوافز لجذب السعوديين للوظائف بقطاع الصناعة بدلا من قطاع تجارة التجزئة حيث المؤهلات المطلوبة أيسر والأجور أعلى. ولم يخض في التفاصيل.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها السعودية استمالة شركات صناعة السيارات.
ففي 2012، وقعت شركة جاغوار لاند روفر اتفاقا لاستكشاف إمكانية إنتاج 50 ألف سيارة لاند روفر كل عام في المملكة بكلفة تبلغ 4.5 مليارات ريال (1.2 مليار دولار) لكن هذا المشروع لم يحرز أي تقدم.
وقال المصدر في قطاع الصناعة إن جاغوار لاند روفر، الاسم التجاري البريطاني في عالم السيارات الفارهة والمملوكة لشركة تاتا موتورز الهندية، تلقت عرضا أفضل من دولة أوروبية.
جاغوار لاند روفر قالت في رد عبر البريد الإلكتروني على سؤال عن المشروع السعودي "نحن نراجع باستمرار حضورنا التصنيعي العالمي. وفي الوقت الحالي لا يزال تركيزنا على وجودنا التصنيعي في بريطانيا والصين والبرازيل والبر الأوروبي".
وقال مصدران إن الرياض أجرت اتصالات مع شركة نيسان موتور في السنوات الأخيرة. وأضافا أن الشركة اليابانية بحثت إمكانية التصنيع بالتعاقد من خلال مشروع مشترك تمثل الملكية السعودية فيه نسبة 75% دون أن يحمل اسم نيسان غير أن القبض على رئيس نيسان السابق كارلوس غصن في العام الماضي أدى إلى استبعاد المشروع في الوقت الراهن. وامتنعت نيسان عن التعليق.
التعدين والأدوية
في حين تواجه المملكة صعوبات في جذب شركات السيارات فإن لديها صناعة لتجميع الشاحنات. لكن محللين يقولون إن تجميع السيارات التي تُستورد أجزاؤها من الخارج يتطلب استثمارات أقل ولا يؤدي إلى إتاحة فرص عمل كثيرة مثل تصنيع السيارات بالكامل.
غير أن اقتصاديين يقولون إن السعودية تملك إمكانيات لإقامة صناعات تتمتع بالقدرة على المنافسة وخلق فرص العمل في قطاعي التعدين والأدوية.
وتتطلع الدولة لزيادة مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي لثلاثة أمثاله بحلول عام 2030 بالتركيز على الاحتياطيات غير المستغلة من البوكسيت والفوسفات والذهب والنحاس واليورانيوم.
وتقدر السلطات السعودية أن البلاد يوجد بها 500 مليون طن من خام الفوسفات أي حوالي 7% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة وتجري صياغة قانون جديد للتعدين لزيادة الاستثمارات الأجنبية.
كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، مونيكا مالك، رجحت أن يكون للاستثمار في البنية التحتية التعدينية أكبر أثر مباشر في تطوير الصناعات التحويلية الجديدة.
وصناعة الأدوية هي قطاع استراتيجي آخر لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية. وينتج نحو 25 مصنعا محليا 30% من الأدوية التي تُباع بوصفة طبية والتي تُستهلك حاليا، وترغب الحكومة في زيادة مساهمة القطاع إلى مثليها في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1.97% بحلول 2020.
مديرة البرامج بشركة فروست آند سوليفان، سهاسيني مولكوفان، قالت إن الهدف قريب من الوضع الحالي وذلك رغم أن نقص الاستثمارات في الأبحاث والتطوير والملكية الفكرية جعل الشركات المحلية معتمدة على الشركات متعددة الجنسيات.
وقال مصرفي كبير في الرياض "تنويع (الاقتصاد) أسهل قولا من الفعل... ربما يكون من الممكن تحقيقه خلال فترة من 15 إلى 20 عاما إذا واصلوا الحملة".
(رويترز)