"بوشميلز": حين ترتبط المهن بالأساطير في إيرلندا

10 يناير 2018
يستضيف المعمل 120 ألف زائر سنوياً (العربي الجديد)
+ الخط -
قد يفاجأ البعض منّا حين يدرك أنّ المشروبات الروحية تلعب دوراً رئيسياً في دعم اقتصاد بلد ما. بيد أنّه يعتبر ركنّاً مهمّاً في العديد منها، مثال النبيذ في فرنسا والويسكي في اسكتلندا، فضلاً عن إيرلندا حيث توفّر صناعة الويسكي العمل لعشرات الآلاف من السكّان. هؤلاء الذين عانت بلادهم من حروب عديدة أدّت إلى فقر ومجاعات. وتشكّل هذه الصناعة جزءاً هاماً في الاقتصاد الإيرلندي منذ مئات السنين ولغاية يومنا هذا. ذلك على الرغم من احتلالها المركز الخامس بين أكبر المناطق المنتجة لمشروب الويسكي في العالم. وتعتبر إسكتلندا اللاعب الأكبر، وتساهم بما يقارب خمسة مليارات جنيه إسترليني سنوياً في اقتصاد بريطانيا.
لكن ما يميّز إيرلندا هو التقليد القديم والطويل مع عمليات التقطير، التي يعود تاريخها إلى عام 1276 كما تحكي إحدى الروايات، عن مستوطن يدعى السير روبرت سافاج. تقول القصّة، إنّه حصّن قواته بمشروب "ماء الحياة" الذي تطاير في الهواء بشكل سحري، قبل أن يهزم الإيرلنديين في المعركة.
وتأتي كلمة ويسكي من اللغة الإيرلندية المحلية (الغيلية)، وتعني "ماء الحياة". وتعتبر واحدة من أقدم المشروبات المقطرة في أوروبا. ويعتقد أنّ الرهبان الإيرلنديين جلبوا تقنية تقطير العطور مرة أخرى إلى إيرلندا في رحلاتهم إلى البحر الأبيض المتوسط حوالي عام 1000 ميلادية، ثمّ عدّلوا التقنية لتقطير المشروبات.
أمّا الواقع البعيد عن القصص، فيقول إنّ معمل بوشميلز لإنتاج الويسكي في مقاطعة أنتريم في إيرلندا، هو أقدم معمل مرخّص في العالم، بعد أن منح الملك جيمس الأوّل الرخصة في عام 1608، للمغامر الإيرلندي، السير توماس فيليبس.
وكانت الويسكي الإيرلندية الأكثر شعبية في العالم، على الرّغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت بهذه الصناعة في أواخر القرن التاسع عشر. ما أدّى إلى إغلاق 27 معمل تقطير، ليبقى ثلاثة فقط. وما لبثت أن عادت الويسكي الإيرلندية لتشهد ازدهاراً كبيراً مع أواخر القرن العشرين، ولتنمو في العالم مع عام 1990. وعادت معامل التقطير لتزداد في إيرلندا التي تضم اليوم 17 منها، مع ما لا يقل عن 14 معملا لا تزال في مراحل التخطيط.
إلى ذلك، يستقطب بوشميلز، الذي نصل إليه بعد عبور طريق ضيّق، حوالي 120 ألف زائر سنوياً. وتبدو مبانيه قديمة على الرغم من إعادة تشييدها بعد الحريق الذي لحق بها في عام 1885.
يبقى للتجوّل في الداخل سحره الخاص، خاصّة حين نشعر بجميع حواسنا تنشط أثناء التنقّل بين طوابقه للتعرّف على كيفية تصنيع الويسكي الذي قد يستغرق سنوات تمتدّ أحياناً إلى 21 عاما أو أكثر، قبل أن تصبح في متناول المستهلك. وتمرّ هذه العملية بمراحل مختلفة، وهي التخمير الذي كان يحدث في الماضي في أوعية نحاسية كبيرة، لكن تمّ استبدالها اليوم بأخرى مصنوعة من الألمنيوم، كونها أرخص وتأتي بالنتيجة ذاتها. والتخزين في براميل خشبية صُفت بالقرب من المباني... تليها عمليات تقطير.
واللافت أنّه لا لون للويسكي حين يتم تقطيرها للمرّة الأولى، وهي تكتسب لونها وطعمها خلال تلك السنوات التي تقضيها في البراميل الخشبية لتتعرّض للحرارة والبرد. يسحب الجو الحار الكحول إلى الخشب، في حين يدفعه البرد إلى الخارج، حاملاً نكهات جديدة من البلوط والكراميل والفانيليا. وبعد مضي سنوات من تكرار هذه الدورات، نحصل على هذا المشروب البنّي.
يتزايد الطلب على الويسكي الإيرلندية، خاصّة بوشميلز، التي تستغرق سنوات في تصنيعها، لذلك، لفت المرشد السياحي أثناء الجولة، إلى أنّ أسعارها سترتفع بشكل كبير مع العام الجديد، بسبب الوقت الذي تتطلّبه قبل أن تصبح جاهزة، وتهافت الناس لشرائها.
وبما أنّ الولايات المتحدة كانت سوقاً مهمة جداً لـ بوشميلز في أوائل القرن العشرين، قبل أن يأتي الحظر الأميركي المؤقت للمشروبات الكحولية في عام 1920 ويضرب صناعة الويسكي الإيرلندية، يخبرنا المرشد السياحي أنّهم أصدروا حديثاً، ويسكي بوشميلز الحمراء الخاصّة بالسوق الأميركية فقط والتي تتناسب وأذواق الأميركيين.
تجدر الإشارة إلى أنّ شركة بوشميلز بنيت في عام 1784، على الرّغم من طباعة تاريخ 1608 على العلامة التجارية، دليلاً على أنّ استخراج الويسكي في المنطقة بدأ منذ الترخيص بها من قبل الملكية.
ومن الصعب معرفة تاريخ الويسكي في إيرلندا، وأقدم سجل مكتوب يعود إلى عام 1405 في الأناشيد الإيرلندية.



دلالات
المساهمون