وسجلت معارك "النصرة" وفصائل المعارضة المسلحة تراجعاً للطرف الثاني في الكثير من المناطق. وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام" سيطرت خلال معارك أمس على عدة قرى جنوب محافظة إدلب شمالي سورية، مثل قرى أرينبة وترملا والنقير وسفوهن، بينما انسحب عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير" باتجاه منطقة سهل الغاب غرب محافظة حماة المجاورة. كما سيطرت "هيئة تحرير الشام" على قرية شير مغار والحواجز التابعة إلى "الجبهة الوطنية للتحرير" والمخصصة لحماية النقطة التركية داخل القرية في جبل شحشبو غرب حماة، بالإضافة إلى قرى الديرونة، وشولين، وقرة جرن، وشهرناز، وميدان غزال بعد اشتباكات مع "الجبهة الوطنية للتحرير"، فيما دارت اشتباكات بالرشاشات الثقيلة بين الطرفين في قرية المستريحة في جبل شحشبو.
وأدت الاشتباكات إلى سقوط جرحى من النازحين في مخيم قرب قرية الغدفة جنوبي محافظة إدلب، فيما قتل 10 من أبناء ريف حماة في نقطة المركزية بمنطقة ترملا، وهم عناصر من فصيل "حركة أحرار الشام". كما قتل 12 عنصراً من "هيئة تحرير الشام" نتيجة استهدافهم بصاروخ موجه من قبل "الجبهة الوطنية للتحرير" قرب قرية بلنتا غرب مدينة حلب، وفق مصادر محلية. كما استهدف عناصر "الجبهة الوطنية" رتلاً تابعاً إلى "هيئة تحرير الشام" على طريق الغدفة - معرشورين في ريف إدلب الجنوبي ما أدى إلى تراجعه، فيما اعتقل حاجز تابع إلى "الجبهة" خمسة عناصر من "تحرير الشام" عند مرورهم في قرية معرشورين شرق معرة النعمان. وكانت رقعة المواجهات بين الطرفين توسعت الأربعاء الماضي، لتشمل أطراف محافظة إدلب الشرقية والجنوبية، عقب إعلان "الجبهة الوطنية" النفير العام لمواجهة "تحرير الشام". وبدأ القتال بين الطرفين، قبل أيام، على خلفية مقتل أربعة عناصر من "تحرير الشام" برصاص مقاتلي حركة "نور الدين زنكي" المنضوية في "الجبهة الوطنية" في قرية تلعادة بمحافظة إدلب. وتوصل الطرفان بعدها إلى اتفاق ينهي القضية بينهما، لكن "الهيئة" شنت هجوماً على مواقع "الزنكي" غرب حلب، متهمة إياها بخرق الاتفاق، وسيطرت على مناطق واسعة هناك، أبرزها مدينة دارة عزة.
وتشهد جميع المناطق في محافظة إدلب استنفاراً أمنياً وانتشاراً لعشرات الحواجز الجديدة على الطرقات العامة والفرعية، فيما انقطعت العديد من الطرق الرئيسية في منطقة الأتارب غرب حلب نتيجة الاشتباكات. وعن النفير العام الذي أعلنته "الجبهة الوطنية" ضد "جبهة النصرة" وحلفائها، أوضح بيان الفصائل المسلحة أن الهدف منه هو "رد ظلم تحرير الشام واسترداد جميع المناطق التي اغتصبتها من فصائل الجيش الحر". ودعت "الجبهة الوطنية"، في بيانها، "عناصر تحرير الشام، خصوصاً المهاجرين منهم، إلى مناصرتها في القتال أو اعتزال المعارك"، واعدة "بعدم التعرض لكل من يعتزل القتال منهم، وعصمة دمه". وفي هذا السياق، أعلن تجمع "أحرار عندان"، في بيان، الانشقاق عن "هيئة تحرير الشام" وانضمامه إلى "الجبهة الوطنية للتحرير"، معللاً ذلك "بهجوم هيئة تحرير الشام على دارة عزة وتنفيذها اعتقالات وإعدامات ميدانية فيها، ورفض قيادة الهيئة لكل الدعوات لوقف الهجوم وتحكيم العقل والقضاء". من جهته، أصدر مجلس الشورى والمجلس المحلي في قرية حيش في ريف إدلب الجنوبي بياناً مشتركاً مع الهيئات المدنية والاجتماعية في البلدة يعلن تحييدها عن المواجهات، مطالباً الفصائل أن تلتزم بالبيان وتمتنع عن العبور في القرية حفاظاً على حياة المدنيين. كما طلب "المجلس الإسلامي السوري" من فصائل الجيش السوري الحر مقاتلة "هيئة تحرير الشام".
وحول الأسباب الكامنة وراء اندلاع هذه المعارك في الشمال السوري، قال المحلل السياسي السوري والباحث في مركز جسور للدراسات، عبد الوهاب عاصي، إن الهيئة "أكدت خلال جلسات التحاكم مع الجبهة أنها تريد أن تشارك فصيل الزنكي نقاط السيطرة في جبل بركات، أعلى قمة بريف حلب وتحييد دارة عزة عن السيطرة، لكن الهيئة قالت إن الزنكي لم يلتزم بمتطلباتها حول هذه المنطقة، وبدورها تغاضت قيادة الجبهة عن ذلك". وأضاف "تكمن أهمية هذه المنطقة في ثلاث نواح، عسكرية، كونها طريق اتصال بين مكونات الجبهة الوطنية للتحرير وسيطرة الهيئة عليها تعني عزلها عن بعضها، وهي أيضاً طريق اتصال رئيسي بين منطقة خفض التصعيد (إدلب ومحيطها) ومنطقة عملية غصن الزيتون في عفرين. واقتصادية، باعتبارها قمة حاكمة تشرف على الطريق الدولي بين دمشق وحلب، وسيطرة الهيئة على جبل بركات تعني تعزيز موقفها التفاوضي مع تركيا خصوصاً. وإدارية، لأنها إحدى المدن الرئيسية التي تكتسب ثقلاً سكانياً وإدارياً، والسيطرة عليها تساهم في تعزيز تطبيق مشاريع الحكم، سواء من طرف الهيئة، عبر حكومة الإنقاذ، أو من طرف الجبهة عبر الحكومة المؤقتة". وأضاف عاصي أن "إخضاع حركة نور الدين الزنكي، وتحييد تأثيرها على الاتجاه العام لمصير الشمال السوري حيث تستند جبهة تحرير سورية على موقف الحركة، فيما تستند قيادة الجبهة الوطنية للتحرير على موقف جبهة تحرير سورية أحد مكوناتها الرئيسية، لإحداث توازن مقابل هيئة تحرير الشام وعدم تفردها بقرار السلم والحرب في محافظة إدلب ومحيطها".
وفي حين كان يمكن لهذه الأحداث أن توحي باحتمال تأجيل تركيا حملتها العسكرية شرقي الفرات، في حال اقترب عناصر "جبهة النصرة" من القوات التركية في المنطقة منزوعة السلاح بين إدلب وحماة وحلب، إلا أن المؤشرات أفادت بعكس ذلك، في ظل معلومات تناقلها الإعلام التركي عن موافقة روسيا على حملة أنقرة شرقي الفرات. كذلك نفى "الجيش الوطني" الأنباء التي وردت عن سحب قواته من محيط مدينة منبج شمال شرقي حلب. وقال الناطق باسم "الجيش الوطني"، يوسف حمود، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد أي انسحاب لقواتنا من محيط مدينة منبج كما نقلت وكالات إعلامية روسية"، مؤكداً أن "فصائل الجيش ما تزال بكامل مكوناتها في مواقعها وكامل جهوزيتها".
ونقلت قناة "هابر" التركية، أمس الخميس، عن مصادر دبلوماسية أن أنقرة تمكنت من إقناع موسكو بالعملية العسكرية التي ستشنها شرق الفرات، وحول منبج. وأشارت إلى أن موسكو حذرت النظام السوري من التقدم في هذه المناطق. وأوضحت القناة أن موسكو وأنقرة اتفقتا على شرق الفرات، وأن روسيا تفهمت مخاوف تركيا وطلبت من النظام عدم التقدم، وكان اللقاء الأخير قبل أيام في موسكو إيجابياً، وتم التوصل لنقاط إيجابية، خصوصاً ما يتعلق بموضوع دخول قوات النظام إلى منبج، والإعلان عن ذلك قبل اللقاء الأسبوع الماضي. وشددت القناة على أن "اللقاء في موسكو كان إيجابياً أكثر مما كان متوقعاً، إذ إن الجانب الروسي نظر بحرارة لخطة تركيا للدخول إلى شرق الفرات، من أجل إعادة الاستقرار للمنطقة، ومن ثم إعادة السوريين لهذه المناطق". ولخصت الموقف الروسي بأن "موسكو لا تعترض على العملية التركية المزمعة شرق الفرات، ولا توجد اعتراضات عليها مستقبلاً. وبعد اللقاء مباشرة، بدأت الاتصالات بين الجيشين التركي والروسي، وهي جارية حالياً، من أجل تنسيق العمليات المستقبلية في هذه المناطق، وهو تطور مهم". ونقلت القناة تفصيلاً اعتبرته مهماً، وهو أنه "أثناء جلوس الوفدين التركي والروسي للتفاوض في موسكو، اتصل الجانب الروسي بالنظام محذراً إياه بشكل قاطع من إمكانية التقدم ميدانياً، وبعدها لم تعد تأتي أي أخبار عن دخول النظام إلى تلك المنطقة".
وعن موعد العملية العسكرية، أفادت القناة أنه "مرتبط بزيارة وفد أميركي، برئاسة مستشار الأمن القومي جون بولتون، إلى تركيا، للحديث عن سورية، إذ سيلتقي الوفد مع الرئيس رجب طيب أردوغان، والمسؤولين الأتراك، وبعدها يذهب إلى موسكو ويلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتحدث هناك عن منبج وشرق الفرات، وبعد ستكون تركيا بانتظار الضوء الأخضر لبدء العملية العسكرية بعد استكمال الاستعدادات، وهو ما قد يمتد إلى منتصف يناير/كانون الثاني الحالي". ويوم السبت الماضي، عقدت في موسكو مباحثات تركية روسية، بمشاركة وزراء خارجية ودفاع البلدين ومسؤولين أمنيين، لمناقشة التطورات في سورية. وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بعد اللقاء، إن بلاده وروسيا تمتلكان إرادة مشتركة لتطهير الأراضي السورية من جميع التنظيمات الإرهابية. ولم تكشف الدولتان عن تفاصيل اللقاءات التي بقيت أسيرة القيادات العليا من البلاد، كما لم يتم الكشف عن أي خطة أو تحرك مقبل في المنطقة.