"المعدة القطرية" وانحدار الإعلام

14 يونيو 2017
+ الخط -

لعمري أنا مندهش. وأعترف بصدمتي. بعد عقود من مشهد الإعلام العربي، مضطر للمقارنة بين خلافات غيرنا السياسية وخلافاتـ"نا".

حتى في وقوف الصحافيين الأوروبيين، وما أكثرهم، ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مرشحاً ورئيساً، وقبله رؤساء ووزراء دفاع واشنطن في ارتكاب ما ارتكبوه من جرائم الحروب، لم يبلغ الأمر لا بصحافة اليسار المتشدد، ولا تلك التي تعارض جشع الرأسمالية، أن وصل التخاطب الصحافي والإعلامي إلى ما نطلق عليه في المشرق العربي "تحت الزنار" أو "المعدة القطرية"، كما يحلو لمسؤول تحرير بصحيفة سعودية، في كشف آخر عن كيفية إدارة  عملية "كسب العقول"، بعقلية أخرى غير ما تعلمناه من مهنية.

في أزمات كهذه، يمكن لأي منا تكوين موقف، ولا يعني الحياد الصمت عن حق بين، وخصوصاً إن كان الفعل والقول يدمران مشروعاً، وحلماً عربياً، شهدتُ فجر انطلاق "الحزم" كيف أيقظني فجراً صديقي حمزة ليخبرني وبحماسة انطلاق عاصفتها.

وحتى لو تغلبت المشاعر على تفوهاتنا فإني مندهش منذ فجر الـ24 من مايو/أيار الماضي، وأشعر كعربي بخجل لمستوى الكذب، والجرأة على الأم والأب والنسب والأصل. أمور تدفع بالشك، ألمسه حتى بين جيل ولد في الغرب ويتابع بحماسة أخباره العربية، عن أخلاقنا وعن الجسد الواحد... لعمري إنه مشهد مؤذ للعين والسمع.
 
في مشرقنا العربي نقولها: جاء ليكحلها فعماها... و"بق البحصة يا منصور" لا تعني بق الوقاحة.

هل يفرح صاحب القرار لزرع الأكاذيب وحصاد الكراهية؟ أشك بذلك... فالتملق والنفاق والانتهازية والوصولية سمات مدمرة في الإعلام والصحافة. فهل أسواق الخليج فارغة من بضائع إيران تركيا؟ وخصوصا محور الحصار المتفاخر في إعلامه بمدى شدته/ وتهديد آخر ومتوال/ وأنه يُأتي أكله؟ ما الهدف من فبركة صور لما قيل سوق قطري فارغ؟ وتحريض شعب قطر، فهل في كل ذلك وغيره غير التشفي، والرغبات الدفينة في إخراج حقد وغل على لسان "إعلاميين وصحافيين"؟
هل في وصول الصحافة والإعلام إلى ما تحت الزنار "إنتصار"؟ وخصوصا حين يحدثنا "رئيس تحرير" عن "معدة القطريين"؟
أمر يذكرنا بوليد المعلم بأدوات الردح الإعلامي يغوص في معدة الخليجيين وتعودها على الغنم السوري، لم أعد أذكر نوعه. فهل كان ذلك انطلاقاً لدروس يتعلم منها اليوم إعلام خليجي دأب على ترداد "الرد الأخلاقي، والتربية والعادات والتقاليد". وهل سنسمع قريبا عن "حبوب هلوسة الجزيرة"؟


بالفعل ينقص أن يستعينوا اليوم بما ذخرت به بروباغندا نظام الأسد والمدافعين عنهم في كذبة "جهاد النكاح" ليغرفوا منها بعض "الأخلاق".

ما يغيب بحق، في هذا الانحدار، هو الحقيقة. وحجة الضعيف هي "الحجب والمنع"، والأدوات "الصحافية" هي من مدرسة أحمد موسى والرقص على جراح الآخرين وتمنّ، على طريقة قبضايات الحارة، بأن يصيب الله بالمحق والكوارث من يتفوه بكلمة عن "انقلاب".

عجبا يا سادة، يغيب العقل ليحل محله إسفاف دون رمشة عين، فيما يذكر تيلرسون، من شهر رمضان المبارك، "شهر الخير"؟
إني لمتخيل بأن تندلق هذه النعوت والتوصيفات على شاشات وأوراق الصحف مترجمة إلى لغات أوروبا، وغيرها، فكم من السخرية والقرف منا نحن العرب؟
أوتزعلون من رسم كاريكاتوري مسيء للنبي صلى الله عليه وسلم في كوبنهاغن؟ هل حقا أنتم هكذا؟

لا يمكن أن تكون الحقيقة موجعة إلى هذه الدرجة، ولا أن تخرج تعابير كتلك، سوى أن الأمر دفين، أومأ أحدهم لنبشه... وهنا الكارثة، أن نعود إلى ما كانت تصفنا به كعرب صحف الغرب وقواميسه في القرن الماضي... وصورتنا الهوليودية، بعينين جاحظتين وخناجر مسمومة ليقول: انبشوا فنحن حقا كما صورتمونا... وماذا في جعبة هؤلاء؟ أهي سبة أن تسأل مهنيا عن اضطرار القطريين، وقبلهم الغزيين، والعراقيين في 12 عام حصار، البحث عن أسواق أخرى غير أسواق "الجسد الواحد"؟

مهنيا، كنت أتوقع أن تذهب وسائل الإعلام إلى كشف الحقيقة، رميها أمام ناظرينا، لنفهم ونسأل ونناقش... لا أن توضع رؤوس البشر تحت مبضع الاستخفاف لتوافق على كل شيء، كما نوافق الحلاق على سرده وذقوننا ورؤوسنا تحت موسه ومقصاته.

هنا أسئلة للسيد "مسؤول تحرير" المنشغل  بمعدة القطريين ودمج صورة الأب والابن وتناول الأم والأصل والفصل: هل منعتم طائرات إيران من أن تحط في مطاراتكم، ومطارات حلفائكم؟ ألا ناقشتنا بما اتخذته مؤسساتكم الإعلامية عن التسريب الحقيقي لإعلام الرز؟ وتسريبات سفير حليفكم وهو يستهزئ بكم وبمنظومتكم؟ وغير ذلك، هل اتخذتم خطوة واحدة مثيلة بالمقاطعة بحق من تخوضون حربا بسبب التهم الموجهة إليه بالتلاعب بأمنكم؟... نعم أقصد طهران وتوابعها، من حزب الله إلى عشرات المليشيات التي تهددكم صباح مساء بالوصول إلى الرياض وجدة واحتلال مكة؟

سيادة "مسؤول التحرير"، ما تركتم لغيركم، بانحدار مستوى التخاطب، سوى إعادة تسويق الروايات عن "تآمر الخليج" على "نظام الممانعة في دمشق"، وللأسف "مسؤول تحرير" آخر في لندن سيكون عليه لعق كل ما كتب منذ 2011. فهل سنرى إعادة سرد رواية "مجسمات قطر"؟

أيها السادة، معركتكم الإعلامية ليست بخير. منذ فجر الانتحال والتزوير والقرصنة، شاءت مشيئة الخالق هنا أن تكشف مرة أخرى بأننا بحق أمام أبهى صور الثورات المضادة... وكل حديث سابق عن ثورة الشعب السوري مشكوك فيه الآن... وكل حديث عن مشروع مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة بات محل تهكم... ومثلما سأل سائل ذات يوم يعاد ألف مرة: أليس فيكم رجل رشيد ليوقف هذه المهزلة؟




دلالات