"المستثمر الميمون واللاجئ الملعون": دراسة ترصد اللجوء السوري بالأردن

07 ديسمبر 2018
ظلت الحدود الأردنية مفتوحة للسوريين لفترة بعد الثورة(فرانس برس)
+ الخط -
ترصد الباحثة في "مبادرة الإصلاح العربي" هناء جابر، في ورقة بحثية بعنوان "المستثمر الميمون واللاجئ الملعون"، مراحل نزوح السوريين إلى الأردن منذ 2011، التي مرت بتحولات عدة اعتمدت على مواقف سياسية وأمنية واقتصادية.

ووفق جابر، فقد تدفق نحو 673 ألف سوريّ على الأردن هرباً من بطش النظام، فضلاً عن تدهور الوضع الأمني والمعيشي في بلادهم مع انزلاق الصراع إلى حرب أهلية، ورغم الوجود السوري القديم في شرق الأردن ودوره التاريخي في الإدارة والسياسة والاقتصاد؛ إلا أن بروز فئة اللاجئين أدّت دوراً ملحوظاً في المعادلات السياسية والاجتماعية، كما ساهمت في وصمها سياسات الاستقبال والخطابات العامة الرافضة، رغم أن من بينهم كثيراً من المستثمرين وأصحاب المهارات وأيد عاملة محترفة.

وتؤكد الدراسة أن الهجرة السورية ليست مستحدثة على منطقة بلاد الشام، ولطالما كرّس تداخل العلاقات العائلية والاجتماعية والاقتصادية تاريخياً سردية سياسية، تجعل من "سورية الكبرى" ركيزة لفكر قومي عربي يلغي حدود الدول القومية في المنطقة، ويعتبرها نتاجاً افتعلته السياسات الاستعمارية، ويتوجب دحضه، قبل أن تأتي النكبة الفلسطينية عام 1948 لتشير إلى هشاشة هذه السردية، إذ تعامل لبنان وسورية والأردن مع اللجوء الفلسطيني وفقاً لمصالح وحسابات تؤطرها حدود الدولة، مكرسة بذلك وجود مجتمعات تَعتبر اللاجئين الفلسطينيين دخلاء.

بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، أجهزت هجرة ملايين السوريين على ما تبقى من ذلك الخطاب العروبي، بحسب الدراسة، ورغم أن حصّة الأردن من السوريين ظلت أقل من حصة تركيا ولبنان، لكن وفود السوريين أفواجاً على مراحل متفاوِتة، ترتبت عليه معطيات اجتماعية واقتصادية وسياسية ذات ثقل في التوازنات الداخلية والإقليمية.

لا يمكن في عرض القضية تجاهل التاريخ الاجتماعيّ المشترَك، الذي يشير إليه توارد أسماء القرى والنواحي على جانبي الحدود (الطيبة، الكرك، وغيرهما)، وانشطار بعض العشائر بين مدينتي درعا السورية والرمثا الأردنية، كما أن العشائر والعائلات تتشارك وتتوارث أسماءً وألقاباً تعيد إلى حاضر وماض مشتركين، فنجد على جانبي الحدود آل الزعبي وآل الرفاعي وأبو قوره والشرع والسرحان والبطاينة والعلاونة والشريدة والأسود والمقداد، وغيرهم.


وتتوقف الدراسة عند قول رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة، في 30 إبريل/ نيسان 2012، إن الربيع الأردني "لن يكون أحمر أبداً"، مشيراً إلى قمع النظام السوري وانزلاق الثورة إلى صراع أهلي ينذر بالأسوأ، قبل أن يحاول تهدئة الاحتجاجات المتصاعدة في معظم المناطق الأردنية بمطالب نقابية، ومطالب بالمساهمة السياسية، وتظاهرات ضد الغلاء وضد الفساد، التي وصلت ذروَتها في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، معتبرة أن الشأن السوري تغلغل إلى الخطاب العام الأردني، وتحوّل شأناً داخلياً.

وتقول: "في بداية الأزمة السورية، لم يتغير تعامل الدوائر الأردنية تجاه السوريين الوافدين. لم يكن عبور الحدود يحتاج حينها إلى أكثر من وثيقة هوية. واعتبر السوريون الوافدون أهلاً وضيوفاً على أهلهم في الأردن. هذا التعبير الذي استعمله الإعلام والسياسيون بداية، لم يكن من باب المجاملة السياسية أمام الرأي المحلي والدولي وحسب، بل أتى ليترجم واقعاً اجتماعياً فتحت فيه بيوت إربد والرمثا والمفرق والقرى الأردنية الشماليّة، أمام الأقارب والمعارف الهاربين من الجهة الأخرى من الحدود".

بدأت الأمور تتغير منتصف 2012، بعد الانفجار في دمشق الذي أودى بخلية الأزمة، حين لجأ النظام السوري بشكل ممنهج إلى الطيران الحربي والبراميل المتفجرة، متسبباً بهروب سكان الأحياء المقصوفة أفواجاً إلى أقرب نقاط حدودية.

اعتمدت الأوساط الرسمية الأردنية حينها، موقفاً يحاول إمساك العصا من الوسط: تندد بموقف النظام السوري دون أن تقطع التواصل مع ممثليه؛ تتكيف مع حاجات المجتمع الدولي في إدارة الأزمة، من وساطاتٍ ومؤتمرات للدول المعنية وقوى المعارضة السورية، دون أن تمنع أنصار النظام من إعلاميين أو ناشطين أو حتى نواب من تشكيل وفود لدعمه؛ تقبل بتشكيل قاعدة عسكرية خلفية بدعم أميركي لتدريب الجيش الحر، دون أن تكف عن إشهارِ حيادها تجاه "المسألة السورية". كما أنه ليس من العبث القول إن النظام الأردني استعمل الوضع في سورية كفزاعة تجاه المجتمعين المحلي والدولي على حد سواء، لتبرير تلكئه في عملية إصلاح سياسي عميقة.


وترصد الباحثة صنفين من السوريين في الأردن، أولهما اللاجئ السوري، وتعتبره شخصاً ملعوناً، مرجعة ذلك إلى غياب رؤية وطنية واضحة للتعامل مع اللجوء الكثيف، ما جعل من اللاجئين ذريعة سهلة لتبرير قصور السياسات في المدن والقرى حيث يحلّون، ولما بدأ ظهور مخيمات اللاجئين السوريين تم التعامل معها على أنها "بؤر أمنية" تَستدعي إدارتها تدابير خاصة في إطار مكافحة الإرهاب، ولا سيّما إرهاب تنظيم الدولة الإسلامي، ثم انعكست هذه الصورة النمطية على سائر السوريّين في الإعلام والشبكات الاجتماعية.


في البرلمان، ذهبت نائب عام 2013، إلى تصوير اللاجئين السوريّين على أنهم غزاة يهددون أهل البلد سكانياً واقتصادياً وأخلاقياً، إذ إنهم يسرقون خبز الأردنيين، وينشرون بينهم المخدرات والدعارة.

أما الصنف الثاني من السوريين فهم المستثمرون، وهؤلاء على عكس اللاجئين الملعونين تصنّفهم الدراسة على أنهم فئة ميمونة، وواقع الأمر أنّ جزءاً لا يستهان به من المنتجات الموجودة في السوق الأردني مستورد من سورية، أو يمر عبر أراضيها قدوماً من تركيا. وأنتج تدهور الوضع في سورية مفارقة، إذ حال دون التبادل التجاري مع تركيا، وأغلق السوق أمام المنتجات السورية، ولكنه فتح شبكات للاستثمار استفاد منها سوريون وأردنيون على السواء، فازدهر البناء في الشمال الأردني وفي عمّان، ومعه الصناعات التي يحتاج إليها قطاع البناء، كما تكاثرت المطاعم ومحالّ الصرافة ومحالّ الملابس والأقمشة والأحذية والأثاث والأغذية، وغيرها.

ويؤكد مستثمرون سوريون قابلتهم معدّة الدراسة، أنهم يحاولون قدر الإمكان النأي بأنفسهم عن الشأن السياسي، ووضعوا تضامنهم مع بقية السوريين في إطار العمل الخيري، بيد أنهم أشاروا إلى عوائق إدارية جمة مع دوائر التراخيص التجارية والصناعية ودائرة الجمارك، تَحول دون تحفيزهم على البقاء في الأردن، وذهب أحدهم إلى القول: "لو أن السلطات الأردنية ليّنت سياستها الضريبية تجاه المستثمرين السوريين، لما احتاج سوري واحد للبحث عن عمل في الأردن".

ولا تتجاهل الدراسة العطاءات والمعونات الدولية والإقليمية التي تتلقاها الحكومة الأردنية مقابل استقبال اللاجئين السوريين، وهي مبالغ تقدر بمئات ملايين الدولارات سنوياً وتشكل اقتصاداً قائماً بحد ذاته.

(العربي الجديد)