بعد أفلامه الأخيرة التي لم يحقّق في بعضها نجاحات بحجم اسمه، يعود المخرج البريطاني ريدلي سكوت (1937)، في فيلمه الأحدث "المرّيخي"، إلى الخيال العلمي؛ الموضوع الثاني الذي برع فيه إلى جانب قصص التاريخ.
لأسباب كثيرة، كانت هناك منافسة شرسة وخفيّة بين صانعي أفلام الخيال العلمي، إذ لا يقبل العرف السينمائي أي تراجع لا يتماشى مع التطوّر التقني المتسارع.
من هنا، حقّقت سينما الخيال العلمي تراكمات كبيرة، كان أولها مع فيلم "رحلة إلى القمر" لجورج ميلييه (1902)، وصولاً إلى رائعة "أوديسا الفضاء" لـ ستانلي كوبريك (2001)، و"جاذبية" لـ ألفونسو كوران (2013)، وبين هذه الأفلام هناك لائحة طويلة.
سكوت نفسه أحد المتنافسين في حلبة الخيال العلمي، بل يعتبر مرجعاً مهمّاً فيها أيضاً، فقد أخرج في فترة مبكرة من مسيرته فيلم "إليانز" (1979)، الذي يعتبره كثيرون أحد أهم الأفلام في هذا المجال، كما أخرج أيضا فيلم "بليد رانر" (1982)، ثم "بروموثيوس" (2012).
في فيلم "المريخي"، سعى المخرج إلى تعزيز مكانته المميّزة في أفلام الفضاء وأن يقرنها بإيرادات ضخمة، ويبدو أنه نجح في المسعى الثاني، فقد حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، واعتلى شبّاك التذاكر الأميركي لأسابيع.
يؤدي الممثّل الأميركي مات دايمن دور رائد الفضاء مارك وايتني، الذي تركه طاقمه عالقاً على سطح المريخ، بعد مرور عاصفة قوية جعلتهم يسرعون إلى مغادرة الكوكب؛ فبعد إصابته وتخلّفه عن رفاقه، قرّرت قائدة المجموعة مليسا لويس (جيسيكا شاستاين)، المغادرة من دونه بعد تأخّره في اللحاق بالسفينة.
ينجو مارك وسط ذهول الجميع، وينجح في التواصل مع "ناسا" التي تحاول الإسراع في إرسال مؤن تمكّنه من الصمود حتى تتم عملية انتشاله، لكن المركبة ستنفجر بعد ارتفاعها بقليل، فيضطر مارك إلى الاعتماد على نفسه وعلى تجربته في علم النباتات، ويلجأ إلى أقسى درجات التقشّف، ثم يحوّل قلب المركبة إلى حقل صغير لزراعة البطاطا. وبالفعل، يتمكّن من النجاة ويستطيع الوصول عبر مركبته إلى أقرب خط تمر منه مركبة طاقمه الذي عاد لالتقاطه.
رغم الميزات الفنية الكثيرة لفيلم "المرّيخي"، خصوصاً تركيزه على البناء الواقعي للأحداث واهتمامه الزائد بالتفاصيل الدقيقة، متجاوزاً أفلاماً كثيرة في هذا الجانب، لكن الأحداث سارت بشكل بطيء ورتيب وغير مفاجئ مقيّدة بأحداث رواية أندي وير، التي تحمل الاسم نفسه، والتي اقتُبس العمل عنها.
لم يُظهر المخرج أي اجتهادات تُذكر، حيث وقف "المرّيخي" خلف فيلم "جاذبية" ولم يستطع تجاوزه فنياً، بل إنه يدين له بكثير من الأمور، كفكرة الانطلاق من العاصفة كحدث محرّك للسّرد، ثم التحليق بواسطة كرسي طائر موصول بالمركبة، وبذلك يبقى "جاذبية" الفيلم الذي جعل الجمهور يشعر وكأنه يلبس بزة ويحلّق في الفضاء.
عاد صاحب "المصارع" للعمل في صحراء الأردن، وبالتحديد في وادي رم، حيث سبق لسكوت أن أدار هناك فيلمي "إكسيدوس" و"كيان من الأكاذيب". المكان كان مناسباً وقريباً من تضاريس المريخ.
ووفاءً لعادته في العمل مع أسماء بارزة، أسند سكوت الدور الرئيسي لـ دايمونز، لكن دور الأخير هو أشبه بشخصيته في فيلم "بين المجرّات" لكريستوفر نولان؛ حيث ظلّ منسياً في كوكب إلى حين وصول طاقم من الأرض. الفرق بين الشخصيتين، أن رائد الفضاء في "المرّيخي" حاول ابتكار طرق للنجاة، بينما فعّل خاصية السبات في فيلم "بين المجرّات".
صورة التعاون العالمي في انتشال مارك وتحوّل قضيته إلى حدث كوني، أدخلت الفيلم في حالة من السذاجة تتناقض مع حرصه على نقل تفاصيل واقعية عن الفضاء، ولا سيما أن المعروف عن وكالة "ناسا" تحفّظها على ملفاتها وإحاطتها بالسرية، وعدم الكشف عنها أبداً، على نحو لا يمتّ بأية صلة للصورة التي ظهرت عليها في الفيلم.
اقرأ أيضاً: أوسكار 88: أعيدوا المشهد