على أبواب التصويت وتصاعد حظوظ الشعبويين في أوروبا، "العربي الجديد" يستطلع آراء الشارع النمساوي، خصوصاً الشباب في ما يجري ببلدهم.
في فيينا العاصمة النمساوية، يتحدث "العربي الجديد" بعد جدال طويل مع من يختار أن يطلق فقط اسمه الأول لصحيفة عربية، مع رجل هو في الثلاثينيات من عمره، يقول "حين أريد التعبير عن رفضي لتحويل أوروبا إلى مجتمع متعدد الهويات والثقافات، فتجدني أرفض حتى التحدث مع أيّ كان من غير الأوروبيين".
يعترف كريستيان بميوله العنصرية وإن سماها "أنا وطني وثقافتي أوروبية، وعدا ذلك كل التسميات لا تعنيني".
ينتمي كريستيان إلى حركة يمينية متطرفة، مقرها فيينا، رفض أن ندخل معه ونقابل هؤلاء الذين حدثنا عنهم. وهذه الحركة هي "إيدينتيتاريان من النمسا"، مستوحاة من فكرة حركة فرنسية "كتلة الهوية" Le Bloc identitaire. تأسست الحركة من نشطاء أوروبيين في 2003 من قبل قوميين ومتعاطفين في مستويات متعددة، ثقافية وفنية وسياسية ومن "نخب المجتمعات" النافذة في عدد من دول أوروبا.
يضفي البعض على هذه الحركة بعض "السرية"، بينما هي حركة تتسع وتضم في صفوفها الكثير من الشباب والشابات الأوروبيين أباً عن جدّ، أو من يسمون أنفسهم "الأوروبيون الأنقياء بالدم".
يعترف كريستيان النمساوي بالصلات التي تجمع "بيننا وبين بقية الشباب الأوروبي. الفكرة الأساسية أننا ما عدنا نثق منذ سنوات في المؤسسات، ودعني أقول حتى الأحزاب المحافظة التقليدية". ويضيف "نحن ضد الإمبريالية". موضحاً أن "الإمبريالية قد تكون متأتية عن طريق أمركة مجتمعاتنا وجعلها تعددية عرقية وثقافية بغزونا، ونعتبر الإسلام إمبرياليا يرسل جيوشه من المهاجرين واللاجئين للاستيلاء على مدننا. إن ذهبت إلى برلين سترى إسطنبول وبيروت وفيينا. اذهب إلى الحي العاشر وسترى ما يحاول المهاجرون فعله، إنهم يتغلغلون ويكثرون الإنجاب لنصبح نحن الأوروبيبين الأقلية في بلادنا".
لفهم أعمق لـ"غضب" هذا الجيل وبحثه عن "تثبيت الهوية"، يقول كريستيان "تنتشر في أوروبا حالة تمييز وعنصرية، لكن بحق من؟ بحقنا نحن المواطنين الأصليين، انظر يأتي اللاجئون فيحصلون مثل المهاجرين الاقتصاديين على كل الامتيازات التي لا تتوفر لطالب جامعي لا يجد غرفة ليسكن فيها، بينما هؤلاء (اللاجئون) يستغلون النظام التمييزي ضدنا ويحصلون على كل ما يطلبون. هذا أمر لم يعد يطاق".
ويشير إلى أن "القضية في نظامنا كله، قيمنا الأوروبية باتت تتلاشى تحت ضغط ما يسمونه عولمة وتعددية ثقافية. كبار السن الذين على عاتقهم قامت حضارة أوروبا مهملون لأجل محتالين على النظام".
لكن لماذا تأييد حزب "الحرية" اليميني تحديداً، سؤال وجهه "العربي الجديد"، للشاب النمساوي الذي قال، إن "معارضة العولمة ضربت جذورها عميقا في بلدنا، ولم يعد من الممكن العودة إلى الوراء. هو أكثر حزب ناقش وبصراحة معارضته لسياسة الهجرة المتبعة داخلياً وخارجياً، وتحدث عن الخطر الإسلامي، ليس فقط حزب الحرية في بلدنا، بل كل تلك الأحزاب التي حاول اليسار قمعها وعزلها على مدى العقود الماضية". ويعدد كريستيان "صعود رصيد هذه الأحزاب". ويضيف "لقد نجحت في حصد أصوات الناخبين في البرلمانات".
أما السيناريو الذي يؤمن للانتخابات النمساوية، هو "فوز نوربرت هوفر بالرئاسة، وبعد عامين ستكون المستشارية بيد هاينز كريستيان شتراخا". ويعتبر شتراخا زعيما شعبويا في النمسا يملك شعبية كبيرة، وكان قد صرح قبل أيام بكلام قاس عن مسلمي بلده لم يسبقه إليه أي سياسي نمساوي، وهو يحذر الأتراك، الجالية الأكبر والأكثر اندماجاً ونفوذاً من مسألة الجنسية المزدوجة.
في كل الأحوال، لا يبدو كلام الإحباط الذي يعبر عنه شبان أوروبيون مقتصراً على كريستيان. ففي رأي شباب آخرين ومراجع سياسية حزبية فإن أزمة الهوية والأزمات الاقتصادية وسوء تقدير الاتحاد الأوروبي لمسؤولية توزع اللاجئين تلعب أدوارها في تقوية الأحزاب الشعبوية.
وفي انتخابات 2008، قفز حزب "الحرية" النمساوي إلى حصد 17.5 بالمائة. التقديرات اليوم لا تعطيه أقل من 30 في المائة، على الرغم من أن هذا الحزب جرى تأسيسه من النازيين القدماء في 1951، ويقدم نفسه على أنه قومي محافظ مع بعض العناصر الليبرالية في أطروحاته.
الاحباطات التي يتحدث عنها كريستيان ومؤيدو أحزاب اليمين لا حل لها، برأيهم، سوى "بوصول نوربرت هوفر لكي نقوم بإصلاحات مطلوبة مع أحزاب حليفة. لدينا بطالة مرتفعة حوالي 10 في المائة وقطاع صحي وتعليمي بحاجة لهزة كي نخرجهما من سياسات الاجتماعيين الديمقراطيين واليساريين الذين ورطوا بلدنا في برامج سيئة".
ثمة نوع من الفراغ السياسي يشعر به شباب النمسا، إذ يتهم المحافظون التقليديون والاجتماعيون الديمقراطيون بأن لا فروق في برامجهم وخطاباتهم. ويرد البعض ازدهار الخطاب الشعبوي وتفشيه بين جيل الشباب إلى غياب تلك الفروق الواضحة.
سياسة اللجوء والحدود المفتوحة غذت وبشكل كبير العودة إلى الشعبوية والمطالبة بسياسة بناء جدران وحدود تمتد من أقصى الجنوب الأوروبي، وفقاً لكريستيان. بل يعترف هذا الشخص بأن "العام الماضي عندما دخل مئات الآلاف عبر بلدنا أفادنا كثيراً في إعطاء نموذج بسيط عما ينتظر أوروبا وبلدنا".
مهما يكن، حصول هوفر في الانتخابات السابقة على 49.9 في المائة يعني لكثيرين "انقساما واستقطابا حادّين" لا تعيشهما النمسا وحدها، بل كل أوروبا العجوز، إذ إن النمسا خفضت سن التصويت حتى الـ16 سنة، بسبب ارتفاع نسبة الشيخوخة وانخفاض الإنجاب. الأمر الأخير مقلق، ولكن لهؤلاء الشعبويين "حلول لكل شيء"، على ما يختم به هذا المتحدث بتلميح مخيف عن المهاجرين واللاجئين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن للشارع النمساوي رأيه أيضاً الذي رصده "العربي الجديد"، خصوصا عند فئة الشباب الذين عبر بعضهم بصراحة عن دعمه لهوفر، من دون موافقة على التصوير، بل وغضب من الأسئلة، وبعضهم الآخر عبر بصراحة عن خوفه من مستقبل الانقسام وصورة بلدهم في الخارج.