"العدالة والتنمية" المغربي.. تكتيك انتخابي أم تطبيع سياسي

11 سبتمبر 2016

بنكيران في حملة الانتخابات المحلية في طنجة (2/9/2015/فرانس برس)

+ الخط -
تشتد في المغرب وتيرة الاستعداد لانتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بعدما شهد المشهد الحزبي المغربي اصطفافاً لم يسبق له نظير في التاريخ السياسي المغربي بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، أي بين فريقي الأغلبية والمعارضة. وعلى لسان أهل الحزبين، بين أنصار مواصلة مسلسل الإصلاح الذي قاده الإسلاميون في المغرب بعد دستور 2011، ودعاة الإنقاذ والعودة إلى ما قبل الربيع العربي، بإغلاق هذا القوس الذي ما يزال مفتوحاً في المغرب، في وقت أُغلِق فيه مبكرا في بلدان عرفت ثوراتٍ وأسقطت أنظمة وقدمت شهداء.
ينظر حزب العدالة والتنمية، القائد للتحالف الحكومي الحالي، إلى هذا النزال الانتخابي بغير العين التي يراه بها باقي الفرقاء السياسيين، فغزوة أكتوبر معركة مصيرية بالنسبة لرئيس الحكومة وزعيم الحزب، عبد الإله بنكيران، وإخوانه، من أجل إتمام بقية مشاريع الإصلاح، وجني ثمار خمس سنوات عجاف، بقراراتٍ أغلبها غير شعبية أولا، وإبقاء قوس الاستثناء المغربي بشعار الإصلاح في ظل الاستقرار مفتوحاً في العالم العربي ثانياً، وأخيرا تقديم نموذج وتجربة لفصيل إسلامي عربي ناجح في الممارسة الحكومية.
تحديات كبرى، إذن، فرضت على حزب العدالة والتنمية تجهيز الفريق، ورسم الخطة وبلورة التكتيك من أجل الظفر بالمرتبة الأولى، وبأكبر عدد من المقاعد تُمكّنه من التفاوض، وبأريحية، عند تشكيل الحكومة، فالاستقطاب الحاد حالياً سوف تكون له تبعاته في تلك المرحلة.
في غمرة تلك الاستعدادات، شابت مسلسل التحضير لثاني استحقاق انتخابي بعد دستور 2011، من جهة الإسلاميين، ممارسات جرت العادة أن تنتشر في صفوف الأحزاب الإدارية (أحزاب الدولة) ممن لا مرجعية ولا مبادئ ولا مشروع لديها، سوى أنها تجمع مصالح يقصده الأعيان ورجال الأعمال وأصحاب الحظوة... قبيل أي كرنفال انتخابي، برلمانياً كان أو محليا.
قبل الاسترسال في تحليل تلك الشوائب، ننبِه إلى أنها لم تصل بعد، في درجة حضورها في صفوف التنظيم الإسلامي، إلى ما يجري عليه الحال عند بعض الأحزاب السياسية، فهي عندهم جزء أصيل من أجندة العمل عند كل استحقاق انتخابي، بيد أن مجرد ظهورها في تنظيم حزبي شكل استثناءً في مشهدٍ تحولت فيه الأحزاب إلى محلات تجاريةٍ، لها سماسرة وزبناء وعرض وطلب، يثير أكثر من استفهام حول ما التغيرات التي تلحق بالحزب رويدا.
الترحال السياسي: اعتمد حزب العدالة والتنمية؛ ولأول مرة في تاريخه، على ترشيح أسماء
خارج قواعده. ليس مجرد أسماء، بل منها من لها انتماء سياسي، فهي وجوه حزبية معروفة قبل أن تلتحق به وتعزّز صفوفه وتنال تزكيته، ومن مشارب سياسية مختلفة (حزب العهد، حزب الاتحاد الدستوري، حزب الأصالة والمعاصرة...) وغير حزبية أحيانا (التيار السلفي). ويبرّر الحزب ذلك بحجة أن ما يقْدِم عليه ليس ترحالاً سياسيا، بقدر ما هو توسيع لجبهة الحزب، وانفتاح على الكفاءات الوطنية؛ خصوصا التي تتقاسم مع "العدالة والتنمية" الرؤية الإصلاحية نفسها، وكذلك النفس التغييري والشعار المناهض لقوى التحكم، وأبعد ما يكون عن الاستقطاب السياسي غير الأخلاقي والمصلحي القائم على تبادل المنافع والمصالح بين أصحابه.
هذا قول مردود عليه لجهتين: تتصل الأولى بظرفية هذه العملية بالذات؛ أي أنها جاءت في عز الاستعداد للمعركة الانتخابية، ما يعني أن تزكية هذا الاسم أو ذاك تأخذ بالاعتبار وزنه الانتخابي. وعليه، حسابات السياسية حاضرة وراء ذلك بلا شك. ثم لماذا لا يدع الحزب هذا الأمر إلى ما بعد الانتخابات، كي يـبعد عنه أي شبهات أو تأويل غير سليم لهذه الأمر؟ وتتعلق الثانية بأن تزكية هؤلاء ومنحهم صدارة اللوائح، تأتي على حساب مناضلين أوفياء ترعرعوا داخل الحزب، وحملوا رسالته وتشبعوا بمشروعه، وتدرّجوا داخل هياكله التنظيمية، على أمل أن تُتاح له مثل هذه الفرصة التي قُدمت على طبق من ذهب لأناس خارج المؤسسة الحزبية.
تكريس الزعامات: قرّر الإسلاميون دخول النزاع الانتخابي بكل الوزراء الممثلين في الحكومة، بما في ذلك رئيس الحكومة نفسه، باستثناء وحيد لوزير العدل، خشي وقوعه في حالة التنافس بين المشاركة في الانتخابات والإشراف الفعلي عليها بمعية وزير الداخلية. يضاف إلى ذلك أن فحصا دقيقا لما يفوق 80 دائرة (من مجموع 92) المعلن عن أسماء مرشحيها حتى الآن، يكشف أنها تضم أسماء كل أفراد كتيبة "العدالة والتنمية" في البرلمان حاليا. بل ومنهم وكلاء لوائح تتم تزكيتهم للمرة الثالثة أو الرابعة، ضدا على إرادة القواعد الحزبية في بعض المواقع (الجديدة، تطوان...).
يرى أنصار هذا الخيار أن له علاقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يستوجب عرض الوزراء والنواب على المواطنين لتقييم أدائهم. وبذلك، ينضبط الحزب ضمنياً لمبدأ أساسي، أقره دستور 2011، غير أن هذا الانضباط يمكن أن يكون بوسائل أخرى، على حساب تجديد النخب وتأهيل الأطر وتشبيب القيادات، ويكرّس منطق القيادات التاريخية وعقلية الزعامات، إذ لا يُعقل لحزبٍ يفتخر بديمقراطيته الداخلية بين أحزاب تكرس منطق الولاء للزعامات، أن يسمح بولاية ثالثة أو رابعة لنوابه داخل قبة البرلمان.
الدعوي والسياسي: من نقاط القوة في سيرة إسلاميي المغرب، قياساً إلى أشقائهم في باقي البلدان العربية، تلك القطيعة التنظيمية بين حزب العدالة والتنمية والجناح الدعوي له أو حركته الأم التوحيد والإصلاح، فعلى مدار قرابة العقدين كانت مسافة الأمان بين التنظيمين محترمة من كلا الطرفين. لكن إقدام الأمانة العامة للحزب على تزكية المهندس محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، وكيلاً للائحة في دائرة العرائش، يعلن عن خرق تلك المسافة، علماً أن الرجل عبّر أكثر من مرة، حتى بعد مغادرته قيادة الحركة، عن عدم رغبة في دخول العمل السياسي. وبهذا القرار، يكون الحزب قد فتح الطريق للهجرة والهجرة المضادة بين الحزب إلى الحركة.
شوائب يرى كثيرون أنها حالات معدودة لا تستحق كل ذاك السجال حولها، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كما يقول المناضلون، لكن عين المتابع الموضوعي لن تخطئ مثل هذه الممارسات الدخيلة على تنظيمٍ يحرص على نقائه الداخلي، ويستند في جزءٍ كبير من مشروعيته على خطاب أخلاقي.
بتكبير زاوية النظر وربط ما يجري اليوم مع الانتخابات المحلية للسنة الماضية، وقراءة الكل ضمن نسقٍ أكبر ندرك أن الأمر، وكما يؤكد أحد الباحثين، مرتبط بأزمة كفاءاتٍ في صفوف الإسلاميين، فالتدبير على المستويين الحكومي والمحلي استنزفا الحزب، ما فرضت عليه إعادة تدوير قيادات الصفين، الأول والثاني، وتقديمها إلى الواجهة مجدّداً.
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري