في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ينتخب الأميركيون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدّة الأميركية، في ظلّ صراعٍ بين صورتين متناقضتين، من الناحية الشكليَّة على الأقل. الخبث والحيلة وحرفية التقليد السياسي، ممثّلةً كلّها بهيلاري كلينتون ( مرشّحة الحزب الديمقراطي)، والعنصرية الفاقعة المتجسّدة في شخص دونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهوري)، "نجم تلفزيون الواقع"، كما يصفه الممثّل الأميركي، جيمس فرانكو.
ربما لهذا السبب، تهتمّ "السينماتيك" البلجيكية (أي المكتبة السينمائية) في بروكسل بالموضوع على مستوى السينما. فبين الثاني من سبتمبر/ أيلول الجاري، والخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، سيعرَض تسعة عشر فيلماً أميركياً طويلاً وقصيراً، روائياً ووثائقياً، مُنتجة كلّها بين عامي 1930 و2011، لمخرجين مختلفي الأساليب والهموم، يلتقون جميعهم في إطار واحد: انتقاد السلطة السياسية الحاكمة. تروي هذه الأعمال سِيَر بعض الرؤساء أو الشخصيات المرشّحة للرئاسة، من خلال الغوص في كواليس الحملات الانتخابية، والتوغّل في شؤون الإدارة الأميركية وآليات اشتغالها.
التقديم الرسمي لتظاهرة "نجوم، شرائط وسياسات"، يقول إن لحظة الانتخابات المقبلة، سببٌ يدفع "السينماتيك" إلى التوغّل عبر الأفلام المختارة في كواليس العملية الانتخابية ذات الصدى الأكبر إعلاميّاً في الكوكب. وتوزّع الأفلام على أصناف سينمائية عديدة، كالـ "ثريلر" السياسي والوثائقي والروائي المتخيّل الخاص بالحملات الانتخابية (والمتخيّل يستقي مادته السينمائية من وقائع وحقائق)، وبسِيَر رؤساء ومرشّحين "يَسِمُون" تاريخ الولايات المتحدة بشخصياتهم وأعمالهم، وأساليب اشتغالهم وأفكارهم وأنماطِ حياتهم. وذلك لأنّ السينما الأميركية، الهوليوودية والمستقلّة على حدّ سواء، مهتمّة كثيراً بشكل فعّال ومباشر ودقيق، بـ "السياسة الوطنية". علماً أن لهوليوود، والشركات الإنتاجية الأساسية فيها ("كولومبيا"، "يونيفرسال"، "أم. جي. أم."، وغيرها)، مواقف سياسية تميل غالباً إلى الجانب المحافظ في الاشتغال السياسي العام. وذلك في مقابل وجود "صناعة" سينمائية، متكاملة أيضاً، تلتزم منهجاً نقدياً وسجالياً حادّاً في معظم الأحيان، وتكون دوماً في مواجهة نقدية لأساليب ممارسة الحكم، أو للأدوات والحِيَل المعتَمَدة في المراحل المختلفة للحملات الانتخابية.
الأفلام المختارة للتظاهرة البلجيكية دليلٌ كافٍ على جمالية السينما الأميركية في نقدها وطرحها الأسئلة السياسية كلّها، وفي عدم وقوعها في فخّ الرقابة الذاتية المسبقة، وفي منع أي تدخّل خارجيّ في شؤونها ونتاجاتها، حتى وإنْ تناول بعضها سِيَر شخصيات حقيقية حكمت البلاد، كالرؤساء أبراهام لينكولن وريتشارد نيكسون وجورج دبليو بوش.
وإذْ اختارت "السينماتيك" البلجيكية فيلماً قديماً عن الرئيس، لينكولن، أنجزه ديفيد وارك غريفيث عام 1930، لسرد حكاية المحامي الشاب الملتزم إنسانياً بقضايا مصيرية، ساهمت لاحقاً في اغتياله على يدي جون ويلكس بووث عام 1865؛ فإن مسؤولي التظاهرة انتقوا واحداً من أجمل أعمال السينمائي الأميركي المشاغب، أوليفر ستون، عن الرئيس السابع والثلاثين، نيكسون (1995)، وذلك في محاولة سينمائية لافتة للانتباه في تعرية الذات المضطربة للرئيس، الظاهر أمام الكاميرا بملامح الممثل، أنتوني هوبكنز. كما أضافوا فيلماً ثانياً لستون إلى برمجتهم، يتناول فيه المسار الحياتي والرئاسي لبوش الابن، بعنوان "دبليو" (2008)، في عمل لا يقلُّ أهميَّة عن سابقه من النواحي البصرية والانتقادية والساخرة.
من العناوين الأخرى، هناك فيلمان لفرانك كابرا، أوّلهما معبّأ بحسّ ساخر وحاد، بعنوان "السيّد سميث يذهب إلى واشنطن" (1939)، وثانيهما محمّل بكمّ هائل من التشاؤم، بعنوان "حال الاتحاد" (1948). يروي الأول حكاية سيناتور شاب مثالي، يريد إقرار قانونٍ يجيز تأسيس مخيّم عطلات يجمع فيه أولاد أميركا جميعهم، في حين أن سياسياً آخر، يعمل في خدمة رجل أعمال، يسعى إلى التلاعب به لإبعاده عن هذا المخطط. أما الثاني، فيتوغل في عالم الصحافة وعلاقتها بالسياسة، من خلال حكاية صاحب جريدة يريد إنقاذها من الإفلاس، ومواجهة العاملين على تحطيمه، فيعمد إلى اختراع رؤساء للولايات المتحدة.
اقــرأ أيضاً
التنويع كبيرٌ. السخرية والواقعية السياسية وكشف وقائع حقيقية، أمورٌ تجمع غالبية الأفلام الأخرى، كـ "بولوورث" (1998) لوران بيتي، الذي يمثل فيه دور سيناتور يستعين بقاتل مأجور لتصفيته هو نفسه، لكنه يقع في غرام شابة أفروأميركية. أو كـ "منتصف آذار" (2011) لجورج كلوني، الذي يمثّل فيه أيضاً، وهو فيلم عن كواليس الحملات الانتخابية، يكشف بعض الفضائح الحقيقية في عالم السياسة. أو كـ "ألوان أولى" (1997) لمايك نيكولز (مع جون ترافولتا وإيما تومبسون)، وهي كوميديا ساخرة تتناول حكاية حاكم تقدمي يسعى إلى البيت الأبيض، ويضمّ في فريق العمل الخاص بحملته الانتخابية شاباً أسود، هو حفيد مناضل سابق للحقوق المدنية للسود.
من إيليا كازان إلى جون فرانكنهايمر، ومن أوتو برامينغر إلى فرانكلين جي. شافنر، ومن أروقة التاريخ القديم إلى "أزمنة حديثة"، ومن الكوميديا الساخرة إلى النقد اليساري، هكذا تُختزل تظاهرة "المكتبة السينمائية" في بروكسل، التي تشهد حراكاً سينمائياً، يواكب صخب الانتخابات الأميركية المقبلة، علماً أن الحراك نفسه لن يكون أقلّ صخباً من حملتي كلينتون وترامب، لشدّة ما تحمله الأفلام المختارة من حِرفية سينمائية تُقدِّم نظرات سياسية مختلفة.
ربما لهذا السبب، تهتمّ "السينماتيك" البلجيكية (أي المكتبة السينمائية) في بروكسل بالموضوع على مستوى السينما. فبين الثاني من سبتمبر/ أيلول الجاري، والخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، سيعرَض تسعة عشر فيلماً أميركياً طويلاً وقصيراً، روائياً ووثائقياً، مُنتجة كلّها بين عامي 1930 و2011، لمخرجين مختلفي الأساليب والهموم، يلتقون جميعهم في إطار واحد: انتقاد السلطة السياسية الحاكمة. تروي هذه الأعمال سِيَر بعض الرؤساء أو الشخصيات المرشّحة للرئاسة، من خلال الغوص في كواليس الحملات الانتخابية، والتوغّل في شؤون الإدارة الأميركية وآليات اشتغالها.
التقديم الرسمي لتظاهرة "نجوم، شرائط وسياسات"، يقول إن لحظة الانتخابات المقبلة، سببٌ يدفع "السينماتيك" إلى التوغّل عبر الأفلام المختارة في كواليس العملية الانتخابية ذات الصدى الأكبر إعلاميّاً في الكوكب. وتوزّع الأفلام على أصناف سينمائية عديدة، كالـ "ثريلر" السياسي والوثائقي والروائي المتخيّل الخاص بالحملات الانتخابية (والمتخيّل يستقي مادته السينمائية من وقائع وحقائق)، وبسِيَر رؤساء ومرشّحين "يَسِمُون" تاريخ الولايات المتحدة بشخصياتهم وأعمالهم، وأساليب اشتغالهم وأفكارهم وأنماطِ حياتهم. وذلك لأنّ السينما الأميركية، الهوليوودية والمستقلّة على حدّ سواء، مهتمّة كثيراً بشكل فعّال ومباشر ودقيق، بـ "السياسة الوطنية". علماً أن لهوليوود، والشركات الإنتاجية الأساسية فيها ("كولومبيا"، "يونيفرسال"، "أم. جي. أم."، وغيرها)، مواقف سياسية تميل غالباً إلى الجانب المحافظ في الاشتغال السياسي العام. وذلك في مقابل وجود "صناعة" سينمائية، متكاملة أيضاً، تلتزم منهجاً نقدياً وسجالياً حادّاً في معظم الأحيان، وتكون دوماً في مواجهة نقدية لأساليب ممارسة الحكم، أو للأدوات والحِيَل المعتَمَدة في المراحل المختلفة للحملات الانتخابية.
الأفلام المختارة للتظاهرة البلجيكية دليلٌ كافٍ على جمالية السينما الأميركية في نقدها وطرحها الأسئلة السياسية كلّها، وفي عدم وقوعها في فخّ الرقابة الذاتية المسبقة، وفي منع أي تدخّل خارجيّ في شؤونها ونتاجاتها، حتى وإنْ تناول بعضها سِيَر شخصيات حقيقية حكمت البلاد، كالرؤساء أبراهام لينكولن وريتشارد نيكسون وجورج دبليو بوش.
وإذْ اختارت "السينماتيك" البلجيكية فيلماً قديماً عن الرئيس، لينكولن، أنجزه ديفيد وارك غريفيث عام 1930، لسرد حكاية المحامي الشاب الملتزم إنسانياً بقضايا مصيرية، ساهمت لاحقاً في اغتياله على يدي جون ويلكس بووث عام 1865؛ فإن مسؤولي التظاهرة انتقوا واحداً من أجمل أعمال السينمائي الأميركي المشاغب، أوليفر ستون، عن الرئيس السابع والثلاثين، نيكسون (1995)، وذلك في محاولة سينمائية لافتة للانتباه في تعرية الذات المضطربة للرئيس، الظاهر أمام الكاميرا بملامح الممثل، أنتوني هوبكنز. كما أضافوا فيلماً ثانياً لستون إلى برمجتهم، يتناول فيه المسار الحياتي والرئاسي لبوش الابن، بعنوان "دبليو" (2008)، في عمل لا يقلُّ أهميَّة عن سابقه من النواحي البصرية والانتقادية والساخرة.
من العناوين الأخرى، هناك فيلمان لفرانك كابرا، أوّلهما معبّأ بحسّ ساخر وحاد، بعنوان "السيّد سميث يذهب إلى واشنطن" (1939)، وثانيهما محمّل بكمّ هائل من التشاؤم، بعنوان "حال الاتحاد" (1948). يروي الأول حكاية سيناتور شاب مثالي، يريد إقرار قانونٍ يجيز تأسيس مخيّم عطلات يجمع فيه أولاد أميركا جميعهم، في حين أن سياسياً آخر، يعمل في خدمة رجل أعمال، يسعى إلى التلاعب به لإبعاده عن هذا المخطط. أما الثاني، فيتوغل في عالم الصحافة وعلاقتها بالسياسة، من خلال حكاية صاحب جريدة يريد إنقاذها من الإفلاس، ومواجهة العاملين على تحطيمه، فيعمد إلى اختراع رؤساء للولايات المتحدة.
التنويع كبيرٌ. السخرية والواقعية السياسية وكشف وقائع حقيقية، أمورٌ تجمع غالبية الأفلام الأخرى، كـ "بولوورث" (1998) لوران بيتي، الذي يمثل فيه دور سيناتور يستعين بقاتل مأجور لتصفيته هو نفسه، لكنه يقع في غرام شابة أفروأميركية. أو كـ "منتصف آذار" (2011) لجورج كلوني، الذي يمثّل فيه أيضاً، وهو فيلم عن كواليس الحملات الانتخابية، يكشف بعض الفضائح الحقيقية في عالم السياسة. أو كـ "ألوان أولى" (1997) لمايك نيكولز (مع جون ترافولتا وإيما تومبسون)، وهي كوميديا ساخرة تتناول حكاية حاكم تقدمي يسعى إلى البيت الأبيض، ويضمّ في فريق العمل الخاص بحملته الانتخابية شاباً أسود، هو حفيد مناضل سابق للحقوق المدنية للسود.
من إيليا كازان إلى جون فرانكنهايمر، ومن أوتو برامينغر إلى فرانكلين جي. شافنر، ومن أروقة التاريخ القديم إلى "أزمنة حديثة"، ومن الكوميديا الساخرة إلى النقد اليساري، هكذا تُختزل تظاهرة "المكتبة السينمائية" في بروكسل، التي تشهد حراكاً سينمائياً، يواكب صخب الانتخابات الأميركية المقبلة، علماً أن الحراك نفسه لن يكون أقلّ صخباً من حملتي كلينتون وترامب، لشدّة ما تحمله الأفلام المختارة من حِرفية سينمائية تُقدِّم نظرات سياسية مختلفة.