"الشهيد شهاب"، "سيسي قاتل"، "الشهيد محمد حسني"، "الداخلية بلطجية".. جمل مدونة على الجدران، بجوار قسم الشرطة المحترق تماما.
مشاهد تؤكد أن بقايا ثورة مرت من هناك في مدينة السويس المصرية، التي شهدت سقوط أول شهيد، وحرق أول قسم، في أحداث ثورة 25 يناير 2011، السيناريو نفسه الذي تكرر بعدها في عدد من المحافظات المصرية.
في الشارع المطل على ميدان الأربعين -ميدان الثورة بالسويس- يطل قسم الشرطة الأسود بتراكم رماد النيران التي أشعلته يوم الخميس 27 يناير/كانون الثاني 2011 خلال مظاهرة غاضبة لأهالي السويس، عقب مقتل الشاب مصطفى رجبو واعتقال العشرات في تظاهرات يومي 25 و26 من الشهر نفسه.
رغم حرص الحكومات المتعاقبة على إصلاح وترميم أقسام الشرطة التي تم اقتحامها وحرقها في أحداث الثورة، بقي قسم شرطة الأربعين وحده في الميدان بدون أن تقترب منه جهود الترميم، يُذكِر الجميع أن ثورة مرت من هنا وسقط فيها عشرات القتلى.
فيما تم تخصيص مبنى آخر بمجلس المدينة على بعد 300 متر تقريبا من القسم المحترق، ليكون مقرا لقسم شرطة الأربعين.
اللافت أن قسم الشرطة المحترق، بجواره مسجد يبدو حديث البناء، حمل اسم "مسجد شهداء الثورة"، وقد أضيفت إليه مؤخرا كلمة "الشرطة" بخط اليد"، ليصبح اسمه "مسجد شهداء الثورة والشرطة".
وعلى ذكر الشهداء، فمصطفى رجب محمود (21 عاما)، هو الشهيد الأول في الثورة، سقط برصاص الأمن يوم 25 يناير/كانون الثاني، وكان السبب في تأجج مشاعر الغضب لدى أهل السويس لاستكمال مظاهراتهم يومي 26 و27 من نفس الشهر وحتى جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني، التي خرج بها الملايين في عدد من المحافظات المصرية.
مصطفى كان شقيقا لأربع بنات، وهو معيل الأسرة بعد وفاه والده. رحل عنهم تاركا خلفه صورة أخيرة له مدونا عليها الآية القرآنية "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون".
ولاحقا صدر حكم من محكمة جنايات السويس ببراءة 14 شخصا، بينهم مدير أمن السويس الأسبق، و9 من ضباط وأفراد شرطة آخرين، ورجل الأعمال إبراهيم فرج، و3 من أبنائه في قضية مقتل متظاهري السويس.
التفاصيل لا تختلف كثيرا بين أول شهيد وشهداء آخرين ما زالوا يسقطون في السويس. باسم محسن، سقط برصاص الجيش في 23 ديسمبر/كانون الأول 2013، في مسيرة مناهضة للانقلاب العسكري بالسويس، رغم ادعاء أصدقائه أنه منسق حركة تمرد التي دعت لفعاليات 30 يونيو/حزيران، التي أعقبها الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وكان أحد مصابي الثورة في 28 يناير/كانون الثاني، برصاصة في عينه اليسرى، كما كان أحد ضحايا المحاكمات العسكرية للمدنيين.
رحل باسم تاركا وراءه والدة مريضة، تعيش وحدها في شقة متواضعة، بعد انفصالها عن زوجها منذ أن كان باسم طفلا، وشقيقة كبرى متزوجة وتسكن بعيدا عن والدتها، وصورة له معلقة على البناية التي كان يسكن فيها، تحمل عبارة "شهيد السويس.. باسم محسن".
رحل الشهداء، واكتست الجدران على جانبي الشوارع المحيطة بميدان الأربعين وتحديدا في شارع "الجيش العمومي"، بعبارات دونها المتظاهرون خلال مسيراتهم على مدى ثلاثة أعوام، غلبت عليها التدوينات المناهضة للانقلاب والمؤيدة للشرعية وجماعة الإخوان، والرئيس المعزول محمد مرسي، نظرا لأن معظم المسيرات التي تخرج منذ أشهر إن لم يكن كلها، هي مظاهرات ضد الانقلاب.
وليس غريبا عندما تفتش في أوراق ثورة يناير، أن تكتشف أن الثورة بدأت من المدينة الباسلة منذ 21 يناير/كانون الثاني، وليس 25 من نفس الشهر، كما كان مقررا لها.
"في يوم 21 يناير/كانون الثاني، خرجنا في السويس لنحتفل بنجاح الثورة في تونس، وهتفنا وقتها يا جمال قول لأبوك.. السوايسة بيكرهوك"، يقول الناشط السويسي، محمد غريب، الذي يروي أحداث الثورة في السويس وكل ما تلاها من أحداث.
"مثلما سبقت تونس مصر في الثورة وفي بقية الأحداث التي تلتها، سبقت السويس بقية مدن مصر في إشعال الأوضاع والاشتباكات خلال الثورة"، يقول غريب ويضيف "يوم 25 يناير تجمعنا في ميدان الأربعين وحاصرنا الأمن من كل الجهات، وفجأة بدأت المناوشات مبكرا، وأطلقت الشرطة النيران علينا وسقط أول شهيد في الثورة وهو مصطفى رجب، وتم اعتقال مجموعة كبيرة".
سريعا تطور الأمر واشتدت الاشتباكات "حصلت اشتباكات شديدة وتجمع عدد كبير من المتظاهرين، وتوجهنا لمديرية الأمن للتظاهر أمامها ومن بعدها لجنازة أول شهيد سقط من أمام المشرحة".
يتذكر غريب تلك الأيام التي مرت عليها أربعة أعوام قائلا "منذ تشييعنا جنازة مصطفى، والاشتباكات بدأت ولم تنتهِ إلا ظهر يوم 28 يناير/كانون الثاني، ففي يوم 26 يناير/كانون الثاني 2011، تم حرق الحزب الوطني وبعده بعض المؤسسات الحكومية".
استمرت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، وتم حرق أكثر من قسم شرطة في المدينة، وفقا لغريب "من يوم 26 إلى 28 يناير كانت المظاهرات تمر من أمام قسم الأربعين، ويتم حرق أجزاء منه وإلقاء الطوب عليه بدون أن يحرق كاملا".
يوم 28 يناير تبدل الحال قليلا وفق رواية غريب "حاصرنا قوات الأمن المركزي وأخرجنا من العربات العساكر بصعوبة، وبعدها تم حرق مبنى المحافظة"، وفقا لغريب تطور الأمر بعد أن مرت إحدى المسيرات من أمام محل بيع سيارات يملكه تاجر كبير يدعى إبراهيم فرج، بعدما خرج حراسه الشخصيون وأطلقوا النار على المتظاهرين وقتلوا 18 شخصا، لكن في النهاية حصل فرج على البراءة".
تواصلت المسيرات يوم 29 يناير، لكن هذه المرة حاصر المتظاهرون قسم شرطة الأربعين الذي كان يحميه وقتها قوات الجيش، يقول غريب "حاصرنا القسم وهددنا بإحراقه ما لم يتم إخراج أحد المخبرين الذي يدعى قنديل، والذي كان يمارس أعمال بلطجة على أهل المدينة".
ويضيف "منذ إخراج قنديل من القسم وإحراقه والمسيرات والمظاهرات مستمرة طوال 18 يوما حتى تنحى الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومن بعدها كنا ننزل للتحرير في الأحداث التي تلت الثورة".
يصف غريب الأيام التي تلت الثورة قائلا "بعد الثورة وأيام المجلس العسكري كنا نتجمع في مظاهرات على هدف واحد، لكن بدأنا نتفرق منذ أحداث العباسية. الآن وصلنا لأسوأ فترة بعد الثورة، لم أكن أتخيل أن الناس تتصالح مع الفلول وتخرج معهم في مظاهرات 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013"، ويضيف "الفلول بعد الثورة كانوا مختفين وظهروا بعد 30 يونيو 2013".
وحول موقفه الشخصي يضيف "كنا جميعا ضد مرسي لكن هذا لا يعني أن أنزل مع الفلول، رغم أنني ومجموعة من النشطاء رُفعت علينا قضايا من الإخوان المسلمين واتهمونا بحرق مقرات حزبهم في السويس".
لا يبدي غريب ندمه على مشاركته في الثورة وما تلاها من أحداث "كل ما أحزن عليه هو أننا لم نحقق شيئا مما كنا نأمل، فجميع المتهمين حصلوا على براءات ولم يحاكم منهم أحد".
تابعونا على #ثورات_تتجدد