01 نوفمبر 2024
"السماسرة" المتمجّدين وتمكين المستبدّين
تعد شبكة أعوان المستبد المتمثلة في أدوات القوة الخشنة الباطشة، أو بالقوة الخبيثة الخادعة الناعمة من المتمجّدين الذين يشتقون سلطانهم من بطشه، ويستندون في تمجدهم إلى أن يكونوا سندا للمستبد، ممكّنين لطغيانه؛ شبكة التمجّد التي تخص النظم الطغيانية المستبدَّة هم "القربى من المستبدِّ بالفعل كالأعوان والعمال.. ينال المرء (منهم) جذوة نار من جهنم كبرياء المستبدِّ ليحرق بها شرف المساواة في الإنسانية"؛ والمتمجّد منهم "أن يتقلّد الرّجل سيفاً من قِبَل الجبارين يبرهن به على أنَّه جلاد في دولة الاستبداد.. هو أن يصير الإنسان (منهم) مستبدّاً صغيراً في كنف المستبدِّ الأعظم"؛ المتمجِّدون في أدوارهم وصنيعهم "يريدون أن يخدعوا العامة.. بأنهم كبار العقول؛ كبار النفوس؛ أحرار في شؤونهم.. فيحوجهم هذا المظهر الكاذب لتحمُّل الإساءات والإهانات التي تقع عليهم من المستبدّ، بل تحوجهم للحرص على كتمها، بل على إظهار عكسها، بل على مقاومة من يدّعي خلافها، بل على تغليط أفكار النّاس في حقِّ المستبدِّ وإبعادهم عن اعتقاد أنَّ من شأنه الظلم".. إنها في واقع الأمر صناعةٌ متكاملةٌ لمجتمع الزيف والخداع، وهم أداته كذلك في صناعة الزيف والكذب، فيمهدون الطريق للمستبد بصناعتهم الخادعة القائمة على التغرير والتزوير وصناعة الصورة بالإفك والبهتان، لخدمة صاحب السلطة والسلطان من صناعة الرضا الكاذب، والتمويه على عموم الناس.
يحاول المتمجّدون، ولمصلحة المستبد، أن يشكلوا أمةً تقنع وتقتنع بالضرر، وتجعله منفعة وقيمة ومصلحة؛ وهم إذا يعتبرون الكبراء، فإنهم يطيعونهم الطاعة العمياء الخرقاء، فيصنعون مجتمع الظلم والجور، ومجتمع الكذب والخداع والزور، ومجتمعا يتعايش مع الضرر والخطر، "وهكذا
يكون المتمجّدون أعداء للعدل أنصاراً للجور، لا دين ولا وجدان ولا شرف ولا رحمة، وهذا ما يقصده المستبدُّ من إيجادهم والإكثار منهم ليتمكَّن بواسطتهم من أن يغرِّر الأمة على إضرار نفسها تحت اسم منفعتها، فيسوقها مثلاً لحرب اقتضاها محض التجبُّر والعدوان على الجيران، فيوهمها أنَّه يريد نصرة الدين، أو يُسرف بالملايين من أموال الأمة في ملذاته وتأييد استبداده باسم حفظ شرف الأمة وأبهة المملكة، أو يستخدم الأمة في التنكيل بأعداء ظلمه باسم أنهم أعداء لها، أو يتصرَّف في حقوق المملكة والأمة كما يشاء هواه باسم أنَّ ذلك من مقتضى الحكمة والسياسة.. المستبد مدّعي الحكمة والرشد والوطنية والإخلاص والشرف والنزاهة والصدق والهمة هو أكبر المدّعين تساعده في ذلك شبكة الإفك والزور من المخادعين الخبثاء الذين يستخدمون كل أداة لتمرير إفكهم وزورهم، وغاية اطمئنانهم أن يشكّلوا بالتبعية شعبا مذعنا أشبه بالقطيع، صناعة القطيع من أخطر الأمور التي تضطلع بها تلك الشبكة الخطيرة من الخداع والتغرير والتمرير؛ "إنا أطعنا كبراءنا وساداتنا فأضلونا السبيلا".
نحن أمام أخطر فئة من شبكة المتمجدّين، وهم "سماسرة السياسة" الذين يموهون على جوهرها بخبث خطابهم وسوء صنيعهم، ويزوّرون حال الأمة من خلال أدواتهم، فهذا يشكل ظهيرا دينيا لحال الاستبداد وتمكين المستبدّين. يطلقون خطاب الوطنية الزاعق بتزوير معنى الوطنية ذاته وحب الوطن. يحترفون إطلاق فائض الكلام عن مكانة الدولة ومسؤوليتها وعنوان هيبتها في حديث مفتعل عن الدولة وحماية استقرارها من عبث العابثين والحفاظ على استقلالها من الأشرار الطامعين؛ بلغةٍ إنشائيةٍ لا بمعنى حقيقي ينشد معنى الدولة الحقيقية والقيام بوظائفها الجوهرية في خدمة مواطنيها ورعاية شؤون معاشهم؛ دواعٍ فخيمة كاذبة تستخدم من زخرف القول، غرورا لغسيل مخ جماعي وتدشين عقلية القطيع أنَّ المستبد يتّخذ المتمجّدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين، أو حبّ الوطن، أو توسيع المملكة، أو تحصيل منافع عامة، أو مسؤولية الدولة، أو الدفاع عن الاستقلال. والحقيقة أنَّ كلّ هذه الدواعي الفخيمة العنوان في الأسماع والأذهان ما هي إلا تخييل وإيهام، يقصد بها رجال الحكومة تهييج الأمة وتضليلها، حتى إنَّه لا يُستثنى منها الدّفاع عن الاستقلال. وكأن الأمر يتعلق بصناعة كبرى لخطابات الزيف، منها الخطاب الإعلامي من المطبلين والمنافقين؛ ومنها الخطاب الديني الذي تحرّكه جوقة علماء السلاطين، ومنها خطاب خيانة المثقفين والأكاديميين من حملة المباخر من المبررين لأهل السلطة من المستبدين.
وفي إطار تشكيل دولة الخداع والتزوير؛ فإن عبد الرحمن الكواكبي يشير إلى تشييد المستبد الطاغية دولة الزينة أو شبه الدولة أو دولة كأن، بمؤسساتها الزائفة ونخبتها المزيفة، المستبد في استناده لهذا الصنف من المتمجدين هو كما سماه الكواكبي بمثابة "البائع الغشّاش" الذي يسوق البضاعة السياسية المغشوشة ويروّجها، فقد اعتاد أن يمارس الغش في الشأن السياسي كحالة تزويرية عامة "المستبدُّ لا يستغني عن أن يستمجد بعض أفراد من ضعاف القلوب الذين هم كبقر
الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتّخذهم كأنموذج البائع الغشاش، على أنّه لا يستعملهم في شيء من مهامه، فيكونون لديه كمصحف في خمّارة أو سبحة في يد زنديق". إنها أمور للتمويه والغش بما وصفناه من قبل بـ"دولة كأن" التي تملك الأشكال، لكنها لا تقوم بوظائفها وأدوارها الحقة والمعتبرة، وهو أمر أشار إليه تيموثي ميتشيل في كتابه القيم "استعمار مصر"، حينما يتحدث عن "عمليات تتعلق بفكرتي التمثيل والمعرض لمحاكاة زائفة أو للعرض الإعلاني والترويج؛ لا ترجمة حقيقية للمؤسسات جوهرا ووظيفة وأدوارا"... ولهذا يُقال: دولة الاستبداد دولة بُلهٍ وأوغاد". وفي السياق، "المستبدُّ يجرِّب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغترارا منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد"، وغاية الأمر في هذا السياق وضمن هذه المحاولات للتشكيل الزائف والكاذب؛ محاولات التشكيل الاستبدادي لأهل السلطة والأعوان، فإنه "لهذا لا يستقرّ عند المستبدّ إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله".
وضمن مجتمع الزيف والخداع والخوف والفرقة الذي يشيده الطاغية على قاعدة تخدم استبداده المقيم وطغيانه العميم؛ فإنه يحاول تطبيع مجتمع الأصلاء، في محاولة منه لسد كل ما يتصوّره تهديدا لكرسيه وسلطانه، فـ "يستعمل المستبدُّ أيضاً مع الأصلاء سياسة الشدّ والرّخاء، والمنع والإعطاء، والالتفات والإغضاء كي لا يبطروا، وسياسة إلقاء الفساد وإثارة الشحناء في ما بينهم كي لا يتفقوا عليه، وتارّة يعاقب عقاباً شديداً باسم العدالة إرضاءً للعوام، وأخرى يقرنهم بأفراد كانوا يقبِّلون أذيالهم استكباراً فيجعلهم سادة عليهم يفركون آذانهم استحقاراً، يقصد بذلك كسر شوكتهم أمام الناس وعصر أنوفهم أمام عظمتهم. والحاصل أنَّ المستبدّ يذلل الأصلاء بكلِّ وسيلة حتى يجعلهم مترامين بين رجليه كي يتَّخذهم لجاماً لتذليل الرعية، ويستعمل عين هذه السياسة مع العلماء ورؤساء الأديان الذين متى شمَّ من أحدهم رائحة الغرور بعقله أو علمه ينكل به أو يستبدله بالأحمق الجاهل إيقاظاً له ولأمثاله من كلِّ ظانٍّ من أن إدارة الظلم محتاجة إلى شيء من العقل أو الاقتدار فوق مشيئة المستبدِّ. وبهذه السياسة ونحوها يخلو الجوّ فيعصف وينسف ويتصرَّف في الرعية كريشٍ يقلبه الصرصر في جوٍّ محرق". إنها إدارة الظلم التي تهندسها للمستبد مؤسسات من الأعوان وسماسرة السياسة الذين يشكلون قوة المستبد ضمن سياسة تطويع وتطبيع وصناعة حالة القطيع الخادم لسياساته، وتمكين حال طغيانه، وفي إطار شبكة المتمجدين.
نحن أمام أخطر فئة من شبكة المتمجدّين، وهم "سماسرة السياسة" الذين يموهون على جوهرها بخبث خطابهم وسوء صنيعهم، ويزوّرون حال الأمة من خلال أدواتهم، فهذا يشكل ظهيرا دينيا لحال الاستبداد وتمكين المستبدّين. يطلقون خطاب الوطنية الزاعق بتزوير معنى الوطنية ذاته وحب الوطن. يحترفون إطلاق فائض الكلام عن مكانة الدولة ومسؤوليتها وعنوان هيبتها في حديث مفتعل عن الدولة وحماية استقرارها من عبث العابثين والحفاظ على استقلالها من الأشرار الطامعين؛ بلغةٍ إنشائيةٍ لا بمعنى حقيقي ينشد معنى الدولة الحقيقية والقيام بوظائفها الجوهرية في خدمة مواطنيها ورعاية شؤون معاشهم؛ دواعٍ فخيمة كاذبة تستخدم من زخرف القول، غرورا لغسيل مخ جماعي وتدشين عقلية القطيع أنَّ المستبد يتّخذ المتمجّدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين، أو حبّ الوطن، أو توسيع المملكة، أو تحصيل منافع عامة، أو مسؤولية الدولة، أو الدفاع عن الاستقلال. والحقيقة أنَّ كلّ هذه الدواعي الفخيمة العنوان في الأسماع والأذهان ما هي إلا تخييل وإيهام، يقصد بها رجال الحكومة تهييج الأمة وتضليلها، حتى إنَّه لا يُستثنى منها الدّفاع عن الاستقلال. وكأن الأمر يتعلق بصناعة كبرى لخطابات الزيف، منها الخطاب الإعلامي من المطبلين والمنافقين؛ ومنها الخطاب الديني الذي تحرّكه جوقة علماء السلاطين، ومنها خطاب خيانة المثقفين والأكاديميين من حملة المباخر من المبررين لأهل السلطة من المستبدين.
وفي إطار تشكيل دولة الخداع والتزوير؛ فإن عبد الرحمن الكواكبي يشير إلى تشييد المستبد الطاغية دولة الزينة أو شبه الدولة أو دولة كأن، بمؤسساتها الزائفة ونخبتها المزيفة، المستبد في استناده لهذا الصنف من المتمجدين هو كما سماه الكواكبي بمثابة "البائع الغشّاش" الذي يسوق البضاعة السياسية المغشوشة ويروّجها، فقد اعتاد أن يمارس الغش في الشأن السياسي كحالة تزويرية عامة "المستبدُّ لا يستغني عن أن يستمجد بعض أفراد من ضعاف القلوب الذين هم كبقر
وضمن مجتمع الزيف والخداع والخوف والفرقة الذي يشيده الطاغية على قاعدة تخدم استبداده المقيم وطغيانه العميم؛ فإنه يحاول تطبيع مجتمع الأصلاء، في محاولة منه لسد كل ما يتصوّره تهديدا لكرسيه وسلطانه، فـ "يستعمل المستبدُّ أيضاً مع الأصلاء سياسة الشدّ والرّخاء، والمنع والإعطاء، والالتفات والإغضاء كي لا يبطروا، وسياسة إلقاء الفساد وإثارة الشحناء في ما بينهم كي لا يتفقوا عليه، وتارّة يعاقب عقاباً شديداً باسم العدالة إرضاءً للعوام، وأخرى يقرنهم بأفراد كانوا يقبِّلون أذيالهم استكباراً فيجعلهم سادة عليهم يفركون آذانهم استحقاراً، يقصد بذلك كسر شوكتهم أمام الناس وعصر أنوفهم أمام عظمتهم. والحاصل أنَّ المستبدّ يذلل الأصلاء بكلِّ وسيلة حتى يجعلهم مترامين بين رجليه كي يتَّخذهم لجاماً لتذليل الرعية، ويستعمل عين هذه السياسة مع العلماء ورؤساء الأديان الذين متى شمَّ من أحدهم رائحة الغرور بعقله أو علمه ينكل به أو يستبدله بالأحمق الجاهل إيقاظاً له ولأمثاله من كلِّ ظانٍّ من أن إدارة الظلم محتاجة إلى شيء من العقل أو الاقتدار فوق مشيئة المستبدِّ. وبهذه السياسة ونحوها يخلو الجوّ فيعصف وينسف ويتصرَّف في الرعية كريشٍ يقلبه الصرصر في جوٍّ محرق". إنها إدارة الظلم التي تهندسها للمستبد مؤسسات من الأعوان وسماسرة السياسة الذين يشكلون قوة المستبد ضمن سياسة تطويع وتطبيع وصناعة حالة القطيع الخادم لسياساته، وتمكين حال طغيانه، وفي إطار شبكة المتمجدين.