"السلام مقابل السلام" شعار ليكودي بتنفيذ إماراتي
المحلل الساذج وحده الذي يربط "اتفاق السلام!" الإماراتي ـ الإسرائيلي بما يجري في الأراضي الفلسطينية، لأن السياسات والإجراءات الإسرائيلية، ومن ورائها الأميركية، تدفع المنطقة باتجاه التصعيد، وليس باتجاه السلام. إذا كان السلام هو الرد على الاستيطان الإسرائيلي المكثف، واعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، بما يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، ما فتح الباب أمام إسرائيل لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية ضمن "صفقة القرن" الأميركية التي يمكن القول كل شيء فيها إلا أنها مبادرة سلام، فإن توقيع اتفاق سلام من دون تغيير في أوضاع المحتل والواقع تحت الاحتلال، هو مكافأة للمحتل على اعتداءاته، وبذلك يحقّ لكل معتدٍ ومحتل الحصول على جائزة نوبل للسلام.
أعطت "صفقة القرن" المحتل الإسرائيلي أكثر مما طلب، وبذلك أصبح غير قادر على بلع الخطوة التي أعلن نتنياهو أنه سيضم أراضي فلسطينية، وذلك لأسباب داخلية إسرائيلية. ويأتي "اتفاق السلام!" مع الإمارات بمثابة حبل إنقاذ للرجل ومكافأة له. على الرغم من ذلك، قال نتنياهو إنه "يؤجل الضم" ولا يلغيه، وهو السبب الوحيد الذي حاولت الإمارات تبرير موقفها به، على اعتبار أنه اتفاقٌ يخدم القضية الفلسطينية، فهو معادلة "السلام مقابل إلغاء الضم". وعلى فرض صحة الادعاء الإماراتي، فهل من المناسب مكافأة اللص لأنه امتنع عن السرقة؟ وإذا امتنع فعلًا عن هذه السرقة، ماذا بشأن السرقات والجرائم الأخرى، الاحتلال، الاستيطان، القدس، اللاجئون، تقرير المصير الفلسطيني، حصار غزة، الجولان، وغيرها من تبعات الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وشعوب المنطقة؟
أعطت "صفقة القرن" المحتل الإسرائيلي أكثر مما طلب، وبذلك أصبح غير قادر على بلع الخطوة التي أعلن نتنياهو أنه سيضم أراضي فلسطينية
يذكّر الدفاع الإماراتي التافه عن الاتفاق بقصة "الحاخام والعنزة" اليهودية، وملخصها: كان هناك يهودي فقير عنده أولاد كثيرون، ويعيشون جميعًا في غرفة ضيقة مع الجدّات، وكل يوم تزداد أوضاع الرجل سوءًا. وفي يوم، ضاق اليهودي الفقير ذرعًا بأوضاعه، فذهب إلى الحاخام (رجل الدين) يشكو له أوضاعه البائسة، وليقول له إنه لم يعد يستطيع العيش في هذه الظروف، وإن عليه (الحاخام) أن يجد له حلًا وإلا فقد إيمانه. سأله الحاخام عن عدد أولاده، فقال: عندي عشرة أولاد إضافة إلى أمي وأم زوجتي، ونسكن في غرفة واحدة. فسأله: ماذا تملك؟ فقال، لا أملك سوى عنزة أربطها أمام الغرفة. فقال الحاخام: مشكلتك بسيطة، أدخل العنزة لتعيش معكم في الغرفة وارجع عندي بعد عشرة أيام. ذهب اليهودي وأدخل العنزة لتعيش معهم في الغرفة، وبذلك تحولت حياتهم إلى جحيم، لم تنته الأيام العشرة حتى ازدادت شكاوى اليهودي عشرة أضعاف. عاد إلى الحاخام بقائمة شكوى أطول بكثير من السابقة، لكن كلها باتت تتمحور حول ما تفعله العنزة بهم عندما يريدون النوم، من صوتها وحركتها المزعجين ورائحة غائطها الذي تنشره في كل مكان في الغرفة، وحركتها الدائمة فوق أجسادهم، فقال له الحاخام: مشكلتك بسيطة، عد وأخرج العنزة من الغرفة، وارجع عندي بعد يومين. أخرج اليهودي العنزة من الغرفة، وذهب إلى الحاخام الذي سأله: كيف الوضع الآن؟ فقال اليهودي: إنه أفضل بكثير!
تعتقد الإمارات أن مالها وحده قادر على جعلها دولة عظمى في ظل الخراب المعمّم في المنطقة
ليست الإمارات في موقع اليهودي الفقير، إنما الفلسطينيون، والذين يريدون تبرير اتفاقهم مع جلاد الفلسطينيين، بأنهم سيؤخّرون إدخال العنزة إلى غرفة الفلسطينيين عدة أشهر. في تبريرهم ما أقدموا عليه، نسي الناطقون باسم الإمارات، أن هناك شروطا للسلام في المنطقة، وأن هناك "مبادرة سلام عربية"، تتحدث عن الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين للوصول إلى سلام، يفترض أنهم ملتزمون بها. عندما أعلنت الولايات المتحدة عن مؤتمر مدريد، قالت إنه يُعقد على أساس "الأرض مقابل السلام". وفي افتتاح المؤتمر، اقترح الليكودي ورئيس وزراء إسرائيل، إسحق شامير، صيغة بديلة مع العرب، تقوم على أساس "السلام مقابل السلام"، الصيغة الليكودية للسلام هي التي وقعتها الإمارات مع إسرائيل. لنترك القضية الفلسطينية جانبًا، لأنها في هذا المقام الإماراتي تستخدم مطيّة، كما استخدمها، في أوقات كثيرة، الطغاة في المنطقة. ولكنها كلمة تقال، كل الذين استخدموها لم يستخدموها بهذه الرداءة الإماراتية.
الإمارات الحمائمية أقرب إلى المهرّج، فكيف تكون قادرة على توقيع "اتفاق سلام!" مع إسرائيل المعتدية والبعيدة، وغير قادرة على التوصل إلى مصالحة مع الجارة والشقيقة القريبة قطر؟
إذا لم يكن هذا من أجل القضية الفلسطينية، لماذا السلام؟ أوجدت التغيرات في المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة أوهامًا عند بعض الدول الصغيرة، وفي مقدمتها الإمارات، فعلى مدى هذه العقود، انهارت الدول المركزية في المنطقة، مثل مصر، العراق وسورية والجزائر. بدأ ذلك مع حروب الخليج المتكرّرة، وقد ظهر هذا الضعف أكثر جلاء، وبشكل فج مع الثورات العربية التي كانت كاشفًا للخراب الذي تعاني منه هذه الدول، ما أوصل مصر عبد الفتاح السيسي إلى أن تأتمر بأمر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. هذا التراجع في هذه الدول، مقابل تراكم الثروات النفطية عند الإمارات التي لم تكن جزءًا من أي صراع مسلح في المنطقة جعلها تعتقد أنها قادرةٌ على التأثير في مصائر المنطقة ومستقبلها، معتقدة أن مالها وحده قادر على جعلها دولة عظمى في ظل الخراب المعمّم في المنطقة، التي ساهمت هي نفسها بفعالية في إنتاجه. وهذا ما أعطاها الوهم، ودفعها إلى التدخل في مصر واليمن وليبيا وسورية، متوهمةً أنها قادرة على صناعة مستقبل هذه البلدان، وبالتالي مستقبل المنطقة. ولأن الذين يديرون السلطة في الإمارات لا يريدون الإقرار بأن هذه الأوهام انهارت، وعليهم التواضع، وأن يكفّوا عن لعب دور أكبر منهم، وعليهم أن يعيدوا النظر في سياستهم التدخلية الخرقاء. هربوا إلى الأمام بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، معتقدين أنهم بثرواتهم يستطيعون استخدام إسرائيل وتوظيف تأثيرها في الولايات المتحدة لصالحهم، وهو هروبٌ إلى الأمام، من وهم إلى وهم أسوأ. لان حقيقة ميزان القوى بين الطرفين الموقعين على "السلام!" تقول إن إسرائيل هي التي ستوظف الإمارات عندها، ولن تستفيد الإمارات من هذه العلاقة سوى التبعية لطرفٍ لا يرى نفسه سوى القوة المطلقة في المنطقة كلها. لذلك، كانت أول هدية قدّمها نتنياهو إلى الإمارات، معارضته بيع الولايات المتحدة طائرة إف 35 لها، للحفاظ على التفوّق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. وبذلك لا ترى إسرائيل أن الإمارات تستحق الحصول على طائرة متقدّمة، مقابل اتفاق الذل المجاني.
الإمارات الحمائمية أقرب إلى المهرّج، فكيف تكون قادرة على توقيع "اتفاق سلام!" مع إسرائيل المعتدية والبعيدة، وغير قادرة على التوصل إلى مصالحة مع الجارة والشقيقة القريبة قطر؟ إنه سؤال مجاني، لأن الحمائمية الإماراتية انتقائية ومزاجية وشخصية، كما عدوانيتها، وليست سياسات دولة مسؤولة.