وعادت تركيا مرة أخرى لترتبط بالوطن العربي، بعد ان توجهت كلياًّ إلى القارة الأوروبية كشريك اقتصادي مهم منذ تأسيس الجمهورية عام 1923.
وعودة تركيا الى الوطن العربي هذه المرة لم يكن عبر لواء الامبراطورية العثمانية ولكن عبر ثورات الربيع العربي.
ولم تعد أوروبا الخيار الوحيد أمام أنقرة، بل أصبح العالم العربي هو الآخر ينافس بقوة على الشراكة مع تركيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
ويشكّل العالم العربي مركز جذب مهم للغاية بالنسبة لتركيا، نظراً لدخله القومي الذي يصل إلى 2.7 تريليون دولار، وحجم تجارته الخارجية بواقع تريليوني دولار، وعدد سكانه الذي يبلغ 400 مليون نسمة.
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن حجم التجارة المتبادلة بين تركيا والدول العربية ارتفع من 5 مليارات دولار عام 2002، إلى 55 مليار دولار عام 2013، أي بمعدل خمسة أضعاف، بعد 11 عاماً من تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا.
تبلغ حصة الدول العربية من صادرات تركيا 25%، وينخفض نصيب تركيا من الواردات العربية إلى 8% .
وتأتي العراق في المرتبة الثانية في قائمة أكثر البلدان استيراداً للبضائع التركية، بعد ألمانيا، بحيث وصلت صادرات تركيا إلى هذه الدولة العربية إلى 12 مليار دولار العام الماضي.
وتهدف تركيا الى تفعيل اتفاقية مماثلة لاتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، مع الدول العربية بغية زيادة حجم التجارة المتبادلة معها.
وتناول الجانبان هذه المسألة في خلال مؤتمر وزراء الاقتصاد والتجارة والاستثمار التركي – العربي الذي استضافته مدينة "مرسين" التركية في أيلول الماضي/سبتمبر. وتباحث الطرفان حول تشكيل سوق مشتركة بينهما، ثم إلغاء الجمارك بشكل كامل على البضائع المتبادلة.
وأما فيما يتعلق بمجال المقاولات والإنشاءات، فيعتبر العالم العربي من المناطق التي يستهدفها القطاع في تركيا. وقد بلغ حجم مشروعات شركات البناء التركية في الدول العربية 103.4 مليار دولار عام 2012، وتشكّل المشروعات الخاصة بالشركات التركية في الدول العربية حوالي نصف هذا الرقم تقريباً.
وتتميز البلدان العربية بفرص استثمارية جذابة لرجال الأعمال الأتراك، وتعتبر استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم عام 2022 إحدى هذه الفرص السانحة.
العقارات
أسهم القانون الذي أصدرته تركيا في صيف عام 2012، والذي يسمح بتمليك الأجانب عقارات من دون شروط مقيدة؛ بشكل كبير في زيادة شريحة الزبائن العرب لدى شركات العقارات التركية.
وتؤكد الدراسات في هذا الإطار أن التقارب الديني والثقافي بين تركيا والدول العربية، وانتشار مسلسلات الدراما التركية تقريباً في كل بلدان الوطن العربي؛ لعبا دوراً فعالاً في زيادة أعداد العرب الذين اشتروا عقارات في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية.
وعقد أثرياء العرب صفقات مع أشهر شركات العقارات في تركيا لشراء مساكن فاخرة بملايين الدولارات خلال معرض "Emlak 2013" الذي احتضنته إسطنبول العام المنصرم.
ويسعى أغنياء العرب الى شراء المنازل الفاخرة في مدن تركيا مثل بورصا وطرابزون، ويرجحوا عادة شراء المساحات الواسعة التي تبلغ 250 متراً وما فوقها بالنسبة لأماكن الإقامة والسكن، بينما يفضلون المساحات الأصغر في العقارات التي يشترونها بغرض الاستثمار.
ويتربع السعوديون على رأس أكثر المواطنين العرب شراءً للعقارات في تركيا خلال عام 2013 ؛ إذ اشتروا 773 عقاراً، يليهم العراقيون 770 عقاراً، فالكويتيون 725 عقاراً، ثم الإماراتيون 250 عقاراً، والأردنيون بـ 179 عقاراً.
المسلسلات التركية
وأصبح للمسلسلات التليفزيونية التركية أثر كبير في زيادة إقبال العرب على المنتجات التركية.
وتشير تقارير إلى أن صادرات تركيا من المسلسلات تبلغ 150 مليون دولار سنوياً، وسط توقعات بارتفاعها إلى مليار دولار بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية عام 2023، وتشاهَد المسلسلات التركية في أكثر من 50 بلداً حول العالم.
وقد انعكست هذه الشهرة كذلك على أسعار هذه المسلسلات، ويتراوح سعر الحلقة الواحدة من المسلسل التركى حاليا بين60 ألف دولار و200 الف دولار.
وعلى الرغم من حالة التوتر، التي سيطرت على العلاقات التركية – المصرية مؤخراً، على خلفية اعتراض أنقرة على إطاحة الرئيس "محمد مرسي" عبر انقلاب نفذه الجيش؛ فإنها لم تؤد الى قطع بثّ الدراما التركية في مصر.
بل بدأت قناة "إم بي سي مصر" إذاعة مسلسلين تركيين بعد شهر رمضان الماضى.
سياحة واستثمارات
وشهدت السنوات القليلة الماضية ارتفاعاً مطرداً في أعداد السائحين العرب المتوافدين على تركيا، بحيث ارتفع عددهم من 700 ألف سائح قبل عشر سنوات إلى 3 ملايين سائح في عام 2013 حسب أحدث إحصائية رسمية.
وجاءت العراق في المرتبة الأولى بين أكثر البلدان العربية إيفاداً للسائحين إلى تركيا العام الماضي بـ 730 ألف سائح، ثم ليبيا بـ 264 ألف سائح، فالمملكة العربية السعودية بـ 234 ألف سائح. وتشير تقارير وزارة الثقافة والسياحة التركية إلى أن أعداد السائحين الوافدين إلى تركيا من دول الشرق الأوسط ارتفعت بنسبة 42% عام 2013 مقارنة بالعام الذي سبقه.
ومن اللافت للانتباه أن الاستثمارات المتبادلة بين تركيا والدول العربية تتضاعف بمرور السنين، فقد ارتفعت الاستثمارات التركية في البلدان العربية، وعلى رأسها العراق وليبيا ومصر، إلى 4 مليارات دولار حتى منتصف العام الماضي، فيما تبلغ قيمة الاستثمارات العربية في تركيا 8.8 مليار دولار.
الدولار = 2.18