هكذا على بُعد بضعة أسابيع من الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت مقررة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، دخلت بوركينا فاسو مجدداً أزمة خطيرة وضعت حدّاً للمرحلة الانتقالية الهشة التي تلت انهيار حكم كامبواري في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بعد انتفاضة شعبية عارمة واجهت محاولته تمديد ولايته الرئاسية التي دامت زهاء 27 عاماً حكم خلالها البلاد بيد من حديد بعدما زرع الآلاف من رجاله الأوفياء في مختلف مرافق البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وكان خلافات عنيفة قد نشبت ثلاث مرات في السابق بين الكولونيل زيدا والحرس الرئاسي الذي يتزعمه الكولونيل سيليست كوليبالي والمكوّن من قوات النخبة التي أسسها الرئيس المخلوع، وكانت أداته الأساسية في السيطرة على مؤسسات البلاد العسكرية والسياسية. وتأجج التوتر الاثنين الماضي حين اقترحت "لجنة المصالحة والإصلاحات"، المكلفة بتقديم اقتراحات عملية للحكومة الانتقالية، حل الحرس الرئاسي، المكون من حوالي 1300 عنصر مدربين ومسلّحين بشكل جيد، والذي صار في نظرها عقبة أمام مسلسل الانتقال الديمقراطي.
وبلغ التوتر أوجه حين تم إبلاغ ستة من بين اثنين وعشرين مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة السبت الماضي برفض ترشيحاتهم من طرف المجلس الدستوري المشرف على الانتخابات نظراً لارتباطاتهم بالنظام السابق. ومن بين هؤلاء الشخصية المقربة من الجيش إيدي كونستانس كومبويغو، وهو مرشح حزب "التقدم والديمقراطية"، حزب الرئيس المخلوع الذي كان يسيطر لعدة عقود على مؤسسات الدولة، وهو القرار الذي صب النار على الزيت وزاد في شحن الأجواء وربما تسريع المحاولة الانقلابية.
وبحسب المراقبين المتخصصين في الشأن الأفريقي، فإن الأزمة في بوركينا فاسو تكرست غداة هرب الرئيس المخلوع وانهيار نظامه بعدما تم الاتفاق على منح العسكر دوراً سياسياً وإشراكهم في الحكومة الانتقالية وتعيين الكولونيل زيدا الذي كان يشغل منصب الرجل الثاني في قوات الحرس الرئاسي، رئيساً للوزراء بدلاً من اختيار شخصيات مدنية وسياسية لقيادة هذه المرحلة.
واستفحلت الأزمة بعد إعلان زيدا عزمه حلّ الحرس الرئاسي، وهو ما اعتبره ضباط هذه القوة خيانة في حقهم ومساساً بالامتيازات التي كان يوفرها لهم النظام السابق، بحيث كان يعتبرهم جيشاً داخل الجيش.
هكذا صارت واغادوغو مسرحاً لصراع علني بين الكولونيل زيدا، الذي استعمل هيئات وجمعيات المجتمع المدني لتكوين قاعدة سياسية وبين فريق مقرّب من النظام السابق ومن الجيش كان يريد ربح الوقت للتحضير لانقلاب يعيد الجيش للسلطة.
وتنذر الأوضاع في بوركينا فاسو بالتفاقم في ظل معارضة الهيئات المدنية والأسرة الدولية للانقلاب الذي قوض عملية التحول الديمقراطي في البلاد. وفور الإعلان عن الانقلاب دعا رئيس المجلس الوطني الانتقالي شريف سي، الشعب إلى "الوحدة ومعارضة الانقلاب ضد الشرعية". كما ندّد الزعيم المعارض، سيمون كومبواري، ورئيس حزب "الحركة الشعبية من أجل التقدّم" بالانقلاب. ودعا إلى مقاومته إسوة بالعديد من الشخصيات المعارضة الأخرى التي تخشى عودة النظام المخلوع إلى السلطة وانتقامه من المعارضين.
ومن المتوقع أن يواجه الانقلابيون في بوركينا فاسو عزلة دولية بعدما ندّد مجلس الأمن الدولي باقتراح فرنسي عاجل بهذا الانقلاب. ودعا إلى "الإفراج عن الشخصيات السياسية المعتقلة واحترام العملية الانتقالية والامتناع عن أي أعمال عنف". كذلك فعل الاتحاد الأفريقي الذي طالب الانقلابيين بالإفراج عن الوزراء المعتقلين والعودة إلى الثكنات. كما بادر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس الخميس في بيان صادر عن قصر الإليزيه إلى التنديد بشدة بالانقلاب العسكري، ودعا الانقلابين إلى الإفراج الفوري عن الرئيس بالوكالة كافاندو ومختلف الوزراء المعتقلين.
وكان هولاند استقبل كافاندو في يونيو/حزيران الماضي في باريس وثمن قيادته للمرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية في بوركينا فاسو، معتبراً إياها "نموذجاً ديمقراطياً" يجب الاحتذاء به في الدول الأفريقية. وتعتبر فرنسا الشريك التجاري والاقتصادي الأول لبوركينا فاسو المستعمرة الفرنسية السابقة، حيث تنشط العشرات من الشركات الفرنسية في مختلف المجالات. كما تحتضن واغادوغو قاعدة عسكرية فرنسية قوامها 220 جندياً من قوات النخبة الفرنسية التي تعمل ضمن عملية "برخان" لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل.
ونصحت الخارجية الفرنسية الرعايا الفرنسيين في واغادوغو بتفادي مغادرة منازلهم بسبب أعمال عنف محتملة قد تعصف بشوارع العاصمة.
اقرأ أيضاً: الاتهامات باعتداءات جنسية للجيش الفرنسي تنتقل إلى بوركينا فاسو