"الحرب الأهلية الإسبانية": دروس زمن فرانكو

25 اغسطس 2017
("لن يمروا"، من أبرز شعارات الحرب الإسبانية)
+ الخط -

تعدّ المنطقة العربية اليوم أكثر مناطق العالم جذباً للعنف والحروب، وقد شهدت في عقودها الأخيرة الكثير من الحروب بالإضافة إلى كونها مرشّحة إلى حروب أخرى، بعضها حروب أهلية، وهو الخطر الذي تعيش على حافته بلدان عدّة مثل العراق واليمن وسورية ولبنان وليبيا والسودان.

في مثل هذا المناخ قد يكون من المفيد العودة إلى تاريخ الحروب الأهلية في العالم، ومن أبرزها "الحرب الأهلية الإسبانية"، وهو عنوان الكتاب الذي صدر مؤخراً ضمن سلسلة "ترجمان" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للمؤرخ الإسباني خوليان كازانوفا ونقله إلى العربية عمر التل.

ينطلق العمل من تساؤل وجيه: لماذا اندلعت حرب أهلية في إسبانيا في النصف الأول من القرن العشرين؟ من أجل ذلك لا يقتصر المؤلف على فترة الحرب وحدها (1936 – 1939)، بل يعود إلى عام 1931 حين وصل الجمهوريون للحكم، ومن ثم حاول العسكريون من جهتهم الاستيلاء على السلطة، فلما نالوا مبتغاهم فشلوا في تهدئة البلد الذي ظهرت انقساماته بشكل حاد معهم، ثم سرعان ما ظهرت عوامل خارجية ما لبثت أن ذهبت بالأمور إلى خياراتها الأكثر دموية، وهو ما يفصّله المؤرّخ الإسباني بشكل كبير في الفصل الثالث من العمل حين يبرز تناقض الاتفاقيات الرسمية الأوروبية بعدم التدخل في الشأن الداخلي الإسباني مع ما حدث على أرض الواقع حيث كان يقف وراء كل طرف في النزاع أحد البدان الأوروبية المجاورة، وبالخصوص نظاما هتلر وموسولوني في ألمانيا وإيطاليا وهو ما سرّع نجاح حليفهما الجنرال فرانكو في حسم معاركه وبلوغ السلطة في نهاية الحرب.

في معرض تقديمه لهذه الفترة التاريخية، يشير كازانوفا إلى التغافل عن المعطى الديني، فالحرب الأهلية الإسبانية ضربت نظرية استقرار المجتمعات ذات الانتماء الديني الموحّد، إذ لم يمنع كون إسبانيا لا تحتوي على أقليات دينية فاعلة من أن يتقاتل "الإخوة الكاثوليك" تحت رايات انتماءات أخرى (جمهوريون، ملكيون، شيوعيون..).

يهتم الكتاب أيضاً بمخرجات الحرب، حين آلت الأمور إلى الجنرال فرانكو والذي حاول بناء دولة على أنقاض الحرب الأهلية، ويعتبر المؤلف أنها كانت تقوم بالأساس على العسكريتاريا والفاشية والكاثوليكية وتمجيد "الكوديو" (القائد فرانكو)، وبذلك جرى قتل الحياة السياسية الثرية التي كانت تعرفها إسبانيا، حتى رحيل فرانكو في 1976 هذه الوضعية التي يعبّر عليها عنوان خاتمة الكتاب "سلام همجي".

المساهمون