حين تسافر إلى مدن مغربية، وتحديداً إلى مدينة الرياح والنوارس (الصويرة)، أو إلى عروس الشرق (وجدة)، أو حتى جوهرة الصحراء (العيون)، فلا شك أنك ستصادف في أحد شوارعها ودروبها نساء يرتدين غطاء أبيض يلفّ الجسد، أو "ملحفة" عليها خطوط ملونة ورموز، أو ما يسمى "الحايك"، علماً أن تسميته تختلف من منطقة إلى أخرى.
على مدى قرون من الزمن، عدّ لباساً تقليدياً بسيطاً للرجال والنساء. فما هي حكاية هذا الزيّ التقليدي الضارب بجذوره في عمق التاريخ؟
عُرف "الحايك المغربي" قبل الجلباب كغطاء طبيعي كان سائداً في القرى وبعدها المدن المغربية، كأحد أهم الملابس التقليدية، وتساوى في ارتدائه النساء والرجال على حد سواء، قبل أن يتخلّى عنه الرجال لصالح النساء. ووصفه كثيرون بأنه "أكثر أنواع الملابس عراقة"، في وقت قال عنه آخرون إنه "لباس الأجداد الذي جمع بين الستر والوقار". ويرى باحثون أنه أصل كل الملابس الخارجية العالمية، وقد شبه برداء الرومان القدامى المعروف بالتوجا، في حين أفرد له الشاعر والزجّال المغربي مصطفى سلوي قصيدة زجلية تغزّل فيها بأيام مجد الحايك المغربي: "الحايك زين الكسوة، تلحيفة الهمة والشان، وسعد كل عروس من وجدة لتلمسان".
وبالعودة إلى تعريف الحايك، كما جاء على لسان باحثين، فهو ثوب أبيض اللون غير مخيط، عبارة عن قطعة مستطيلة من النسيج تنجز دفعة واحدة، يتراوح طولها ما بين خمسة وستة أمتار، ولا يقل عرضها عن المتر ونصف المتر. وكان الشخص يلفّه حول جسمه ليغطيه كاملاً من قمة رأسه إلى قدميه. ويختلف قياسه بحسب الذوق وبنية الجسد، ويتنوع نسجه باختلاف الفصول. في الصيف، يصنع من الحرير، والقطن، والكتان، والصوف الرقيق. أما في الشتاء، فيصنع من قماش سميك.
وشكل الحايك أحد أهم السلع التي تاجر بها البرتغاليون في المغرب، وكان يصنع بكثرة في بادية دكالة، وفي آسفي. ويميل العديد من الباحثين إلى اعتباره أصل كل الملابس الخارجية العالمية. ولم يكن ارتداؤه يقتصر على المغرب وحده، بل كان منتشراً في بلدان شمال أفريقيا وبعض بلدان الحوض المتوسطي منذ زمن، ويشبه إلى حد كبير الرداء الروماني القديم المقتبس بدوره عن الإغريق (toge).
يحكي الكاتب محمد بوسلام في كتابه "اللباس التقليدي في المغرب، الجذور والإنتاج والأصناف والتطور" أن تداول "الحايك" أو "الكسا" ظل حاضراً في المدن المغربية إلى ما بعد منتصف القرن العشرين. وحافظ الناس على ارتدائه في مدن وبوادي الغرب وعبدة والشياظمة والحوز والسراغنة وتادلة ودكالة والشاوية.
ويقول بوسلام إن الحايك قد يصنع من صوف متين تتخلله حبيبات منسوج ناتئة يسمى كسا "المحربل" أو "المحبب" أو "بوحبة". وإن كان من صوف خفيف ودقيق ولم تستعمل في نسجه غير الخيوط الدقيقة سمي "السوسدي". وإن كان من صوف رقيق سمي "كسا الشعرة" أو "البزيوي" نسبة إلى قرية بزو الكائنة بين مدينتي بني ملال ومراكش.
ويتّفق باحثون في أنّ "الحايك" و"الكساء" و"الملحفة" هي ألفاظ لمعنى واحد، مع فارق بسيط يحدده الكاتب محمد مقر في مؤلفه "اللباس المغربي، من بداية الدولة المرينية إلى العصر السعدي". ويقول إن الحايك خشن وغليظ والملحفة نوع من الكساء الرقيق، وهي شائعة الاستعمال في الصحراء المغربية وتتميز بطولها الذي يصل إلى عشرة أمتار، وتعقد في الأعلى لتأمين دائرتين يطلق عليهما لفظ "حلالين"، يمكنان المرأة من إخراج رأسها ويديها وإحاطة رأسها بجزء من الثوب ولف جسمها بالباقي.
اقــرأ أيضاً
وكان الرجال والنساء بدواً وحضراً يرتدونه بحسب أساليب الشد واللف العتيقة الموروثة. ولم يكن يستعان في ارتدائه بأي مشد أو مشبك، باستثناء عقدة واحدة من نفس ثوبه كانت تعقف عند أسفل الكتف، بالطريقة نفسها التي ما زال الليبيون وبعض سكان جنوب تونس يرتدونه حتى اليوم، مع الطربوش المستدير الأحمر أو الأسود، حين يلبسون الزي الوطني. لكنّ بعض أهالي المدن لا يرون مانعاً بشده عند الخصر بحزام من صوف ومشابك خفيفة غير مرئية توخياً لعدم سقوطه المفاجئ.
وكان رجال المغرب يلبسون الحايك، بإلقاء أحد طرفيه على الكتف الأيسر وشد حاشيته باليد اليسرى، ثم رميه خلف الظهر وتمريره من تحت الإبط حتى يغطي به الصدر. وبعدما يكمل دورة أولى بالرجوع إلى الكتف الذي انطلق منه، يبادر إلى تغطية رأسه بطرف منه مرة أو اثنتين، ثم يستأنف عملية اللف حول الظهر والصدر، وما إن ينتهي من تغطية الجزء الأعلى من الجسم والرأس حتى ينتقل إلى القسم الأسفل ليلفه به طبقا للطريقة نفسها، وفي اللفة الأخيرة يغطي رأسه.
أما النسوة، فيلتحفن بحائكهن عبر تركيزه عند الخصر بواسطة عقدة تسمى "المشموم"، أو بربطه إلى الحزام بشريط إضافي يمرّرنه خلف عنقهن ليشددن به حائكهن شداً محكماً، بعد ذلك تسحبن طرفاً منه على قامتهن مبتدئات من الكتف الأيسر حتى تغطية كل الجسم. وبعد الانتهاء من الالتحاف بالحائك تبادر المرأة إلى وضع اللثام أو النقاب أو الحجاب على وجهها، ثم تسحب الجزء الأعلى من الحائك على رأسها وتشد حواشيه عند صدرها، فتكون بذلك قد غطت كل جسمها. وتمسك المرأة الحائك وتحركه كما تشاء بيديها اللتين تظلان مختفيتين للحفاظ على التحكم في طرفيه من الداخل.
ونظراً للتحولات في المجتمع المغربي، تخلّى الرجال عن الحايك بشكل نهائي لصالح النساء. ثمّ تراجع بين النساء في القرى والمدن، وبات ارتداؤه يقتصر على فئة قليلة من النساء في بعض القرى المغربية. وفي بادرة لإعادة الاعتبار لهذا الزي التقليدي، أطلق مجموعة من الشباب المغاربة، في الآونة الأخيرة، تحدياً للتشجيع على ارتداء الحايك في الحياة اليومية، ودعوة الناس إلى إحياء لباس الأجداد.
إلا أن هذه المبادرة لم تدم طويلاً، وسرعان ما عرفت طريقها إلى النسيان، وعاد الشباب إلى لباس العصر. ولا بد من الاعتراف بأنه حتى لو حاولت حركة قادها مجموعة من الشباب رد بعض الاعتبار للحايك، إلا أنها تظل محاولات فردية وسط ثورة الموضة الجارفة التي يسخّر العاملون فيها أموالاً طائلة بين الإعلانات والتسويق لها.
على مدى قرون من الزمن، عدّ لباساً تقليدياً بسيطاً للرجال والنساء. فما هي حكاية هذا الزيّ التقليدي الضارب بجذوره في عمق التاريخ؟
عُرف "الحايك المغربي" قبل الجلباب كغطاء طبيعي كان سائداً في القرى وبعدها المدن المغربية، كأحد أهم الملابس التقليدية، وتساوى في ارتدائه النساء والرجال على حد سواء، قبل أن يتخلّى عنه الرجال لصالح النساء. ووصفه كثيرون بأنه "أكثر أنواع الملابس عراقة"، في وقت قال عنه آخرون إنه "لباس الأجداد الذي جمع بين الستر والوقار". ويرى باحثون أنه أصل كل الملابس الخارجية العالمية، وقد شبه برداء الرومان القدامى المعروف بالتوجا، في حين أفرد له الشاعر والزجّال المغربي مصطفى سلوي قصيدة زجلية تغزّل فيها بأيام مجد الحايك المغربي: "الحايك زين الكسوة، تلحيفة الهمة والشان، وسعد كل عروس من وجدة لتلمسان".
وبالعودة إلى تعريف الحايك، كما جاء على لسان باحثين، فهو ثوب أبيض اللون غير مخيط، عبارة عن قطعة مستطيلة من النسيج تنجز دفعة واحدة، يتراوح طولها ما بين خمسة وستة أمتار، ولا يقل عرضها عن المتر ونصف المتر. وكان الشخص يلفّه حول جسمه ليغطيه كاملاً من قمة رأسه إلى قدميه. ويختلف قياسه بحسب الذوق وبنية الجسد، ويتنوع نسجه باختلاف الفصول. في الصيف، يصنع من الحرير، والقطن، والكتان، والصوف الرقيق. أما في الشتاء، فيصنع من قماش سميك.
وشكل الحايك أحد أهم السلع التي تاجر بها البرتغاليون في المغرب، وكان يصنع بكثرة في بادية دكالة، وفي آسفي. ويميل العديد من الباحثين إلى اعتباره أصل كل الملابس الخارجية العالمية. ولم يكن ارتداؤه يقتصر على المغرب وحده، بل كان منتشراً في بلدان شمال أفريقيا وبعض بلدان الحوض المتوسطي منذ زمن، ويشبه إلى حد كبير الرداء الروماني القديم المقتبس بدوره عن الإغريق (toge).
يحكي الكاتب محمد بوسلام في كتابه "اللباس التقليدي في المغرب، الجذور والإنتاج والأصناف والتطور" أن تداول "الحايك" أو "الكسا" ظل حاضراً في المدن المغربية إلى ما بعد منتصف القرن العشرين. وحافظ الناس على ارتدائه في مدن وبوادي الغرب وعبدة والشياظمة والحوز والسراغنة وتادلة ودكالة والشاوية.
ويقول بوسلام إن الحايك قد يصنع من صوف متين تتخلله حبيبات منسوج ناتئة يسمى كسا "المحربل" أو "المحبب" أو "بوحبة". وإن كان من صوف خفيف ودقيق ولم تستعمل في نسجه غير الخيوط الدقيقة سمي "السوسدي". وإن كان من صوف رقيق سمي "كسا الشعرة" أو "البزيوي" نسبة إلى قرية بزو الكائنة بين مدينتي بني ملال ومراكش.
ويتّفق باحثون في أنّ "الحايك" و"الكساء" و"الملحفة" هي ألفاظ لمعنى واحد، مع فارق بسيط يحدده الكاتب محمد مقر في مؤلفه "اللباس المغربي، من بداية الدولة المرينية إلى العصر السعدي". ويقول إن الحايك خشن وغليظ والملحفة نوع من الكساء الرقيق، وهي شائعة الاستعمال في الصحراء المغربية وتتميز بطولها الذي يصل إلى عشرة أمتار، وتعقد في الأعلى لتأمين دائرتين يطلق عليهما لفظ "حلالين"، يمكنان المرأة من إخراج رأسها ويديها وإحاطة رأسها بجزء من الثوب ولف جسمها بالباقي.
وكان رجال المغرب يلبسون الحايك، بإلقاء أحد طرفيه على الكتف الأيسر وشد حاشيته باليد اليسرى، ثم رميه خلف الظهر وتمريره من تحت الإبط حتى يغطي به الصدر. وبعدما يكمل دورة أولى بالرجوع إلى الكتف الذي انطلق منه، يبادر إلى تغطية رأسه بطرف منه مرة أو اثنتين، ثم يستأنف عملية اللف حول الظهر والصدر، وما إن ينتهي من تغطية الجزء الأعلى من الجسم والرأس حتى ينتقل إلى القسم الأسفل ليلفه به طبقا للطريقة نفسها، وفي اللفة الأخيرة يغطي رأسه.
أما النسوة، فيلتحفن بحائكهن عبر تركيزه عند الخصر بواسطة عقدة تسمى "المشموم"، أو بربطه إلى الحزام بشريط إضافي يمرّرنه خلف عنقهن ليشددن به حائكهن شداً محكماً، بعد ذلك تسحبن طرفاً منه على قامتهن مبتدئات من الكتف الأيسر حتى تغطية كل الجسم. وبعد الانتهاء من الالتحاف بالحائك تبادر المرأة إلى وضع اللثام أو النقاب أو الحجاب على وجهها، ثم تسحب الجزء الأعلى من الحائك على رأسها وتشد حواشيه عند صدرها، فتكون بذلك قد غطت كل جسمها. وتمسك المرأة الحائك وتحركه كما تشاء بيديها اللتين تظلان مختفيتين للحفاظ على التحكم في طرفيه من الداخل.
ونظراً للتحولات في المجتمع المغربي، تخلّى الرجال عن الحايك بشكل نهائي لصالح النساء. ثمّ تراجع بين النساء في القرى والمدن، وبات ارتداؤه يقتصر على فئة قليلة من النساء في بعض القرى المغربية. وفي بادرة لإعادة الاعتبار لهذا الزي التقليدي، أطلق مجموعة من الشباب المغاربة، في الآونة الأخيرة، تحدياً للتشجيع على ارتداء الحايك في الحياة اليومية، ودعوة الناس إلى إحياء لباس الأجداد.
إلا أن هذه المبادرة لم تدم طويلاً، وسرعان ما عرفت طريقها إلى النسيان، وعاد الشباب إلى لباس العصر. ولا بد من الاعتراف بأنه حتى لو حاولت حركة قادها مجموعة من الشباب رد بعض الاعتبار للحايك، إلا أنها تظل محاولات فردية وسط ثورة الموضة الجارفة التي يسخّر العاملون فيها أموالاً طائلة بين الإعلانات والتسويق لها.