"الإصلاح التشريعي".. برلمان مصر الموازي

11 نوفمبر 2014
العمل التشريعي مهدّد في مصر (جيان لويجي غيرسيا/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل النظام المصري الحاكم تمرير التشريعات المرتبطة بمصالحه بمعزل عن أي مجلس نيابي واستحواذ الرئيس عبد الفتاح السيسي،على السلطة التشريعية بجانب السلطة التنفيذية. ولم تفلح التصريحات الكاذبة التي يطلقها السيسي ورئيس حكومته إبراهيم محلب، بين الحين والآخر، في شأن إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام الجاري، في خداع المصريين، بعد تأكد عدم إجراء انتخابات البرلمان خلال الشهرين المقبلين، ورغبة النظام الحاكم في ترحيلها إلى منتصف العام المقبل.

ويعتمد السيسي على لجنة "الإصلاح التشريعي" الصورية التي عينها، وجعل البرلمان مقرها، لتمرير القوانين التي تثبت حكمه، وتُقصي معارضيه، وذلك في شكل برلمان موازٍ تابع للسلطة، بعد أن أصدر قرارا بتشكيلها في 15 يونيو/حزيران الماضي برئاسة رئيس الحكومة، وعضوية عدد من أساتذة القانون والقضاة.

وتتولى اللجنة مهمة تعديل القوانين الحالية، وتقديم مشاريع قوانين جديدة إلى رئيس الجمهورية ليصدرها بقرار منه، وانبثقت منها 8 لجان فرعية هي: التشريعات الاجتماعية، والتشريعات الاقتصادية، وتشريعات الأمن القومي، وتشريعات التقاضي والعدالة، وتشريعات التعليم، والتشريعات الإدارية، وتشريعات الاتحادات والنقابات، ودراسة توافق التشريعات الوطنية مع الاتفاقات الدولية.

وانتقد عضو اللجنة التشريعية بمجلس الشعب السابق، سعد عبود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أداء اللجنة المعينة، ووصفه بـ"السلبي والسيئ"، مؤكداً أن "تشكيل لجنة تحلّ محل البرلمان أو تعمل معه بالتوازي، سابقة في تاريخ مصر التشريعي".

وقال إن "هناك نحو 200 تشريع في حاجة إلى التعديل وفقاً للدستور الأخير. ولا يُمكن تعديل كل هذا الكمّ من القوانين بلجنة معينة، لأنها مُشكّلة من السلطة، وستعدّلها بما يتوافق مع أهدافها". وتابع "لا بد من أن يشارك المصريون جميعاً في صياغة تلك القوانين، وذلك من خلال برلمان منتخب يعبر عن الشعب المصري، فهو القناة الشرعية الوحيدة للتشريع".

وكان السيسي قد تحايل على التعديلات الدستورية الأخيرة، التي تنصّ في مادتها رقم 230، على البدء في إجراءات الانتخابات البرلمانية قبل مرور ٦ أشهر من تاريخ العمل بالدستور، وهي المدة التي انتهت في 18 يوليو/تموز الماضي. إلا أن سلطة الانقلاب زعمت أن قرار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، عُدّ بمثابة البدء في إجراءات الانتخابات دون سند قانوني، في انتهاك ليس الأول للدستور.

ويقول البرلماني السابق، وأستاذ القانون بجامعة حلوان، جمال جبريل، لـ"العربي الجديد"، إن "الإصلاح التشريعي يقوم بدور قسم التشريع بوزارة العدل، التي كانت تُعدّ مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة للبرلمان". وأكد أنه "لا يُمكن أن تأخذ دور المجلس النيابي، لأنها لجنة معينة، وستعبر بالضرورة عن وجهة نظر الحكومة والنظام الذي عينها". ويضيف "البرلمان منتخب، ويعبر عن وجهة نظر أطياف الشعب مجتمعة، ومن غير المقبول استمرار عمل اللجنة المعينة في ظل انعقاد مجلس النواب المقبل".

ويأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه مصدر مطلع، رفض الكشف عن اسمه، في لجنة الإصلاح التشريعي، لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة لن تنهي عملها بانعقاد مجلس النواب الجديد، وأنها ستواصل اجتماعاتها وأعمالها بمقرها الحالي بمجلس الشورى (الذي أُلغي بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة)".

وبحسب المصدر، ستستمر اللجنة في تقديم مشروعات القوانين التي ترغب الرئاسة في تعديلها أو إصدارها، وتقديمها الى مجلس النواب عن طريق الحكومة، خصوصاً أن قرار إنشائها لم يحدد عملها بمدة محددة.
وتابع "رئيس الوزراء أصدر قراراً من شأنه تهيئة المناخ لاستكمال أعمال اللجنة بعد انعقاد مجلس النواب المنتخب. ويقضي القرار بتخصيص مقار مجلس الشورى ومطبعته وأجهزته للجنة، دون أن يحدد القرار مدة لهذا التخصيص أو يذكر أنها ستكون مقار مؤقتة، مثلما ذكر في قرار انعقاد لجنة تقصي الحقائق المنعقدة حالياً بالبرلمان بشكل مؤقت".

وتوقع المصدر أن "يُحدث قرار التخصيص خلافاً بين اللجنة ورئيس مجلس النواب المقبل، باعتبار أن مباني وأملاك مجلس الشورى انتقلت لمجلس النواب عقب إلغائه في دستور 2014". أما القرار الثاني الذي أصدره رئيس الحكومة، فكان تولّي بعض العاملين بمجلسي الشعب والشورى سابقاً (مجلس النواب حالياً) أعمال الأمانة الفنية للجنة العليا للإصلاح التشريعي بجانب عملهم بمجلس النواب.

ويؤكد عضو مجلس الشورى السابق، والجمعية التأسيسية المنتخبة التي وضعت دستور 2012 (الذي عطّل عقب الانقلاب)، محمد محيي الدين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة لا تصلح أن تكون بديلاً لمجلس النواب، لأنها لجنة غير منتخبة، ولا تمثل الإرادة الشعبية، وإنما لجنة أتى بها السيسي، لتعمل وفقاً لرؤية ومصلحة الرئاسة والحكومة".

وأضاف أن "قيام اللجنة بأي دور تشريعي هو إهانة مباشرة للدستور الذي ينص على أن السلطة التشريعية في يد البرلمان". ولفت إلى "الانتهاكات المستمرة للدستور الحالي من قبل النظام الحاكم". وتناقضت تصريحات السيسي ومحلب بشأن عزم السلطة على إجراء الانتخابات في أسرع وقت مع الواقع على الأرض، خصوصاً أن الرئيس لم يصدر قانون تقسيم الدوائر الانتخابية حتى الآن، والذي تطالب الأحزاب بالكشف عنه وإصداره منذ أشهر، للانتهاء من تحالفاتها وقوائمها الانتخابية.

ومنذ بضعة أشهر، ظهر العديد من الدعوات المشبوهة من بعض الشخصيات العامة، والأحزاب المؤيدة للنظام، التي تطالب بتأجيل الانتخابات، بحجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية لإجرائها، أو بزعم الخوف من نجاح أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين"، في حال مشاركتهم، لإظهار أن هناك رغبة شعبية في تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى.

كما شرعت الحكومة في تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون تقسيم الدوائر لتقديمه للسيسي، وذلك في إطار المماطلة المتعمدة، وكسب مزيد من الوقت لتأجيل الانتخابات، في ظلّ وجود اللجنة التي تشكلت منذ 3 أسابيع، ولم يظهر لها أي نتاج فعلي حتى الآن.

وتصرّ اللجنة المعينة لتقسيم الدوائر، برئاسة وزير العدالة الانتقالية المستشار إبراهيم الهنيدي، على الانتهاء من القانون قبل ترسيم المحافظات الجديد الذي أعلنت حكومة محلب عنه، ما قد ينذر ببطلان البرلمان المقبل، والطعن بعدم دستوريته.

ويؤكد رئيس وحدة الدراسات البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد"، أن "كل همّ السلطة الحالية أن يأتي شهر فبراير/شباط المقبل (الذي سينعقد فيه المؤتمر الاقتصادي بمدينة شرم الشيخ)، في ظل إجراءات، ولو شكلية، تدل على البدء في إجراء الانتخابات، حتى يظهر أمام المانحين أن خارطة الطريق ستنتهي بوجود برلمان منتخب".

وأضاف ربيع أن المصريين "أمام حالة من الغش والخداع، ومخالفات دستورية بالجملة، تحديداً في نصوص قانوني انتخابات مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، وأن السلطة القائمة تخطط لكل ما يحدث عن عمد، وهدفها برلمان مطعون في دستوريته، حتى تكون ورقة في يدها لحل البرلمان إذا لم ينل رضاها".

وتابع "السلطة تتخوف من إتيان الانتخابات بنواب معارضين يعملون على إزعاجها، أو عرقلة مشروعات قوانينها التي تريد إقرارها لترسيخ مكانها". ولم يستبعد تكرار سيناريو حلّ مجلس الشعب السابق في يونيو/حزيران من العام ٢٠١٢".

المساهمون