وينتظر الكثيرون ردة فعل السلطات المغربية على قرار أحد قضاة المحكمة الوطنية الإسبانية، ويدعى بابلو روث، برفع دعوى قضائية ضد 11 مسؤولاً رفيع المستوى في الجيش والشرطة المغربية، بتهمة "ارتكاب إبادة جماعية في الصحراء"، كما أصدر مذكرة اعتقال في حق سبعة منهم.
ووجه القاضي الإسباني لمسؤولين مغاربة، من بينهم المدير السابق للسجون، ومسؤولون عسكريون آخرون، تهم "إبادة جماعية" تتضمن الاعتقال غير القانوني، والتعذيب، والقتل، وارتكاب 50 جريمة قتل، و202 اعتقال تعسفي في حق صحراويين كانوا يحملون الجنسية الإسبانية.
واستند القاضي الاسباني في تهمه التي وجهها، يوم الخميس الماضي، للمسؤولين المغاربة، على ما قال إنها "مقبرة جماعية تم اكتشافها في فبراير/شباط 2003"، في منطقة أمغالا في الصحراء المغربية، بين 1976 و1992، فضلاً عن شهادات أقارب عدد من الضحايا الذين تم التعرف على هويتهم بواسطة الحمض النووي، وأشخاص حضروا مقتلهم.
وقبل هذا التطور، كان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني، خوسيه مانويل غارسيا مارغايو، قد حمّل، ضمنياً، الرباط مسؤولية وفاة مستكشفيْن إسبانييْن في منطقة وارزازات جنوب البلاد، حين انتقد ما سماه "خللاً في تدبير عملية الإنقاذ" في المغرب.
اقرأ أيضاً: محمد السادس وهولاند ينهيان القطيعة المغربيّة ــ الفرنسية
وفيما التزمت الحكومة المغربية الصمت حتى الآن إزاء قرار القاضي الإسباني، ذهب محللون إلى أن هذه الاتهامات تبدو خطيرة، وقد تؤثر على مسار العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد، مثلما حدث مع باريس عندما استدعت السلطات الفرنسية مسؤولاً مغربياً رفيعاً بتهمة التعذيب.
الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية، سمير بنيس، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن "القرار تتضمن "اتهامات خطيرة قد تلقي بظلالها على صفو العلاقات بين المغرب وإسبانيا". ويلفت بنيس إلى أن "ما يدخل نوعاً من الريبة على هذا القرار، هو توقيته الدقيق، وتزامنه مع مناقشة موضوع الصحراء المغربية في مجلس الأمن، وصدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن الوضع في هذا الإقليم.
ولم يستبعد الخبير المغربي "أن تكون الجهات الموالية للبوليساريو في إسبانيا وراء تحريك هذا الموضوع في هذا الوقت تحديداً، أولاً للتأثير على صفو العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وثانياً من أجل إظهار المغرب بصورة سلبية أمام الرأي العام الدولي، وإعطاء زخم جديد لمسألة حقوق الإنسان في النزاع القائم حول الصحراء".
ويعتبر بنيس أنه "من الوارد جداً أن يلقي هذا القرار الصادر عن المحكمة الإسبانية بظلاله على العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ولا سيما أنه يعتبر بالنسبة للمغرب تدخلاً سافراً في سيادته الوطنية، بالإضافة إلى كونه يتعارض مع اتفاق الصداقة والتعاون وحسن الجوار الموقع بين البلدين في يوليو 1991 بالرباط".
ويؤكد أن المغرب لن يستسيغ هذا القرار، ولا سيما أنه يمسّ عدداً كبيراً من كبار القادة الأمنيين"، مشيراً إلى أنه "قد نعيش نفس السيناريو الذي شهدته العلاقات بين المغرب وفرنسا، منذ فبراير/شباط من العام الماضي، حين وجه قاض فرنسي الدعوة لمدير الاستخبارات المغربية، للاستماع إليه في تهم متعلقة بالتعذيب، وهو ما رفضه المغرب.
وفيما يشير بنيس إلى أن الأمر المثير في هذا الموضوع هو التشابه الكبير الحاصل مع الحالة الفرنسية، يوضح بأنه "يحب انتظار تعامل السلطات المغربية مع اتهامات القضاء الاسباني لمسؤولين مغاربة كبار، لنقف عند مدى تأثيره على العلاقات بين البلدين من عدمه".
على الرغم من ذلك يتوقع بنيس أن "يقوم مسؤولو البلدين باحتواء الوضع، وتفادي أي تدهور غير مرغوب فيه للعلاقات بين البلدين"، وذلك بالنظر إلى متانة العلاقات بين البلدين، وحاجة بعضهما البعض في العديد من القضايا الاستراتيجية، من قبيل مكافحة الإرهاب والهجرة السرية". ويشرح بأن "ملف الهجرة السرية يعتبر ذا أهمية قصوى بالنسبة لإسبانيا، ويؤدي فيه المغرب دوراً محورياً، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والتجارية المتشابكة بين البلدين، وحاجة المغرب إلى دعم الحكومة الإسبانية في ملف الصحراء"، وفق تعبيره.
اقرأ أيضاً: مصر والمغرب: "الصحراء الغربية" بدل المغربية أصل المشكلة