19 نوفمبر 2024
"إش لي بدش".. مسرحية "الفرح" السوري
لا تتوقّع، أنتَ المُشاهد، أن تحضر مسرحيةً تدور أحداثُها في مخيّمٍ للنازحين السوريين، فتشعركَ بكل هذا الدفق والنبض والحيوية، لا بل حتى بفرحٍ بات الموضوعُ السورّي مفتقداً إليه تماماً، وذلك في ظلّ المأساة الكبيرة التي يعيشها الشعبُ السوري، وقد تشرّد داخل بلاده وخارجها.
والمسرحية التي تحمل عنوان "إش لي بدش"، ومعناها أحبك باللغة الألمانية، مقتبسة عن "الليلة الثانية عشرة" لوليم شكسبير. أعدّها عبد الرحمن دقماق، وأخرجها أسامة حلال، وتابعها لقمان ديركي درامياً، وقدّمتها فرقةُ العمل للأمل التي تشكّلت عام 2013 (مكوّنة من 17 عضواً من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين والمواطنين اللبنانيين)، خلال ليلتين في شهر يوليو/ تموز المنصرم على خشبة مسرح دوّار الشمس في بيروت، وتعرضها خلال شهر أغسطس/ آب الجاري، على مسارح في مناطق لبنانية.
"الليلة الثانية عشرة" من الكوميديات القليلة التي كتبها شكسبير، وقُدّمت للمرة الأولى عام 1600. وقد احتفظ الإخراجُ بالعناصر الفنية التي اعتُمدت في العرض الشكسبيري، لناحية استخدام العنصرين، الموسيقي والهزلي، مع وجود راو وفرقة موسيقية افتتحت العرض، حين انبثقت فجأة من بين المشاهدين، وحدّدت، منذ اللحظة الأولى، نبرة الأداء الحيويّ الذي سيسم العرض حتى نهايته.
تبدأ المسرحية بسفر مجموعة من النازحين إلى الحدود السورية اللبنانية، حيث ستفترق سارية عن أخيها التوأم ساري، فتصل إلى المخيم متنكرةً بثياب أخيها وهويته، لكي تتمكّن من العمل في دكان محمود الذي سيستحوذ على قلبها. إلا أن محمود مغرمٌ بحنان، صاحبة محل تصفيف الشعر في المخيم التي يحبّها ستيف الألماني المقيم في المخيّم، على أمل أن تقع هي في حبّه أيضاً. وإن تكن المسرحية قائمةً على مجموعة مواقف من سوء الفهم والتقاطع بين شخصياتٍ يتراكض كلّ منها في اتجاه، سعياً وراء حبّ ممتنع أو عصيّ، فثمّة شخصياتٌ تخشى الوقوع في الحبّ، وترفض الانصياع له بسبب خوفها من الفقد، بعدما أضناها الموتُ الذي خاطف الأهل والأحبة والرفاق، قصفا وخطفا وأسرا وتعذيبا، أو غرقا في مياه المتوسّط في مراكب الهجرة إلى بلدان أوروبا. أجل، فالحبّ لم يعد أمرا سهلا أو طبيعيا وسط كل هذا الدمار والخراب والخسارات، مثلما هي أمور الحياة الأخرى، وقد تحوّل العيشُ صراعا مريرا ونضالا يوميا للبقاء على قيد الحياة.
بطريقةٍ ذكية، ابتكرت السينوغرافيا (فارس خليف) المخيّمَ وأجواءه من خلال تقسيم الخشبة إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، تدور فيها معظمُ الأحداث: إلى اليسار صالون حنان النسائي لتصفيف الشعر، يقابله إلى اليمين دكان محمود، وفي العمق المقهى حيث يجتمع الشباب ويتحادثون ويثملون. فيما تشير لوحات كرتونية إلى الأمكنة، يكملها عنصرُ ديكور متحرّك يمثّل، في كل مرة، مكانا مختلفا يوجد خارج المخيّم أو في محيطه. هذا وتشكّل الفرقة الموسيقية، بحضورها المحبّب وأغنياتها المرحة وموسيقاها الحيّة، عنصرا فنّيا داعما للأداء المميز، يعبّر عن الحالات النفسية، ويشكّل إضافة أكيدة للمسرحية التي تتوازن كل عناصرها لتُشعر المشاهدين بخفّة وغبطة، على الرغم من ثقل الموضوع ومأسويته.
في النهاية، يجد ساري، الأخ التوأم التائه، طريقه إلى أخته سارية، ويجتمع الأحباب في ثنائياتٍ فرحة، تتشكّل لترينا أن الحبّ هو ربما الدواء الناجع والحلّ الأخير لكل هذا التشتت والقهر. وعن سبب اختيار الفرقة هذه الموضوعة بالذات، كُتب في البيان الخاص بالمسرحية: "في السنوات الأخيرة، خسرنا الكثير من الأشخاص والأماكن والطموحات والأحلام. وفي ظل الخيبات والخسارة وآلام الفقدان، نبحث عن أي شيء ندافع فيه عن أحلامنا وآمالنا. غالبا ما يحتوي الحب على الجرعة الأكبر من الشعور الذي نبحث عنه".
فلتبقَ إذاً أحلامُكم وآمالُكم حيّة أبداً.
"الليلة الثانية عشرة" من الكوميديات القليلة التي كتبها شكسبير، وقُدّمت للمرة الأولى عام 1600. وقد احتفظ الإخراجُ بالعناصر الفنية التي اعتُمدت في العرض الشكسبيري، لناحية استخدام العنصرين، الموسيقي والهزلي، مع وجود راو وفرقة موسيقية افتتحت العرض، حين انبثقت فجأة من بين المشاهدين، وحدّدت، منذ اللحظة الأولى، نبرة الأداء الحيويّ الذي سيسم العرض حتى نهايته.
تبدأ المسرحية بسفر مجموعة من النازحين إلى الحدود السورية اللبنانية، حيث ستفترق سارية عن أخيها التوأم ساري، فتصل إلى المخيم متنكرةً بثياب أخيها وهويته، لكي تتمكّن من العمل في دكان محمود الذي سيستحوذ على قلبها. إلا أن محمود مغرمٌ بحنان، صاحبة محل تصفيف الشعر في المخيم التي يحبّها ستيف الألماني المقيم في المخيّم، على أمل أن تقع هي في حبّه أيضاً. وإن تكن المسرحية قائمةً على مجموعة مواقف من سوء الفهم والتقاطع بين شخصياتٍ يتراكض كلّ منها في اتجاه، سعياً وراء حبّ ممتنع أو عصيّ، فثمّة شخصياتٌ تخشى الوقوع في الحبّ، وترفض الانصياع له بسبب خوفها من الفقد، بعدما أضناها الموتُ الذي خاطف الأهل والأحبة والرفاق، قصفا وخطفا وأسرا وتعذيبا، أو غرقا في مياه المتوسّط في مراكب الهجرة إلى بلدان أوروبا. أجل، فالحبّ لم يعد أمرا سهلا أو طبيعيا وسط كل هذا الدمار والخراب والخسارات، مثلما هي أمور الحياة الأخرى، وقد تحوّل العيشُ صراعا مريرا ونضالا يوميا للبقاء على قيد الحياة.
بطريقةٍ ذكية، ابتكرت السينوغرافيا (فارس خليف) المخيّمَ وأجواءه من خلال تقسيم الخشبة إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، تدور فيها معظمُ الأحداث: إلى اليسار صالون حنان النسائي لتصفيف الشعر، يقابله إلى اليمين دكان محمود، وفي العمق المقهى حيث يجتمع الشباب ويتحادثون ويثملون. فيما تشير لوحات كرتونية إلى الأمكنة، يكملها عنصرُ ديكور متحرّك يمثّل، في كل مرة، مكانا مختلفا يوجد خارج المخيّم أو في محيطه. هذا وتشكّل الفرقة الموسيقية، بحضورها المحبّب وأغنياتها المرحة وموسيقاها الحيّة، عنصرا فنّيا داعما للأداء المميز، يعبّر عن الحالات النفسية، ويشكّل إضافة أكيدة للمسرحية التي تتوازن كل عناصرها لتُشعر المشاهدين بخفّة وغبطة، على الرغم من ثقل الموضوع ومأسويته.
في النهاية، يجد ساري، الأخ التوأم التائه، طريقه إلى أخته سارية، ويجتمع الأحباب في ثنائياتٍ فرحة، تتشكّل لترينا أن الحبّ هو ربما الدواء الناجع والحلّ الأخير لكل هذا التشتت والقهر. وعن سبب اختيار الفرقة هذه الموضوعة بالذات، كُتب في البيان الخاص بالمسرحية: "في السنوات الأخيرة، خسرنا الكثير من الأشخاص والأماكن والطموحات والأحلام. وفي ظل الخيبات والخسارة وآلام الفقدان، نبحث عن أي شيء ندافع فيه عن أحلامنا وآمالنا. غالبا ما يحتوي الحب على الجرعة الأكبر من الشعور الذي نبحث عنه".
فلتبقَ إذاً أحلامُكم وآمالُكم حيّة أبداً.