شهر على العمليات التركية شمالي العراق: التوغل البري الأطول

17 يوليو 2020
خلال تظاهرة الشهر الماضي في السليمانية ضد العملية التركية (شوان محمد/فرانس برس)
+ الخط -

تنهي العملية العسكرية البرية للقوات التركية داخل الشمال العراقي ضمن إقليم كردستان، شهرها الأول اليوم الجمعة، لتكون بذلك أطول عملية عسكرية برية من نوعها للقوات التركية داخل الأراضي العراقية منذ سنوات، ضدّ مسلحي "حزب العمال الكردستاني" الذي تصنفه أنقرة إرهابياً. وكانت أنقرة أطلقت على العملية اسم "مخلب النمر"، وأعلنتها فجر السابع عشر من شهر يونيو/حزيران الماضي.

وتواصل المدفعية التركية ضرب مواقع مسلحي "الكردستاني"، فيما تنفذ مقاتلات تركية طلعات جوية داخل العمق العراقي بمدى يصل إلى 100 كيلومتر، وتستهدف مناطق جبل سنجار والعمادية وحفتانين وكاني ماسي وقنديل وزاخو، في عمليات يقرأها مراقبون على أنها تقطيع لأذرع حزب "العمال الكردستاني" وتدمير بناه التحتية العسكرية من أسلحة ومتفجرات وصواريخ مضادة للدروع حصل عليها من مخلفات الحرب على تنظيم "داعش"، في السنوات الماضية في العراق وسورية. في وقت تنفذ قوات الكوماندوس التركية عمليات برية مكثفة، وتشتبك مع مسلحي الكردستاني في عدة بلدات ومناطق حدودية باتت خالية من أهلها الذين اضطر كثيرون منهم إلى النزوح في الأسابيع الماضية.


توغل الجيش التركي في أراضي إقليم كردستان العراق إلى عمق أكثر من 30 كيلومتراً

وأمس الخميس، استهدفت القوات التركية محيط قريتي أفلهي وبيربلا وقرية سيلا التابعة لقضاء زاخو في دهوك، أقصى شمال العراق، بأكثر من 25 قذيفة، بحسب مصادر كردية. وقبلها قصف الجيش التركي مناطق تابعة لمحافظة السليمانية في إطار تحجيم دور مسلحي "الكردستاني".

وخلال شهر من العمليات، توغل الجيش التركي في أراضي إقليم كردستان العراق إلى عمق أكثر من 30 كيلومتراً، فيما تمركز في 12 موقعاً استراتيجياً، كان آخرها مرتفعات ضمن حدود ناحية باطوفا التابعة لقضاء زاخو. من جهتها، تواصل السلطات العراقية في بغداد والكردية في أربيل، إعلان رفضها للعمليات التركية، ولكن مقتصرة في ذلك على بيانات صحافية وتعليقات عبر وسائل الإعلام، بينما على أرض الواقع تزداد القناعة بأن بغداد موافقة على العمليات العسكرية، للتخلّص من حزب "العمال الكردستاني" كمصلحة مشتركة للطرفين التركي والعراقي.

وخلال الشهر الماضي، قامت الحكومة العراقية باستدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، احتجاجاً على العمليات العسكرية، وهددت بتسجيل شكوى لدى مجلس الأمن الدولي، وقامت بنشر قوات حرس الحدود العراقية، غير أنّ نشر هذه القوات لم يمنع تركيا من مواصلة القصف المدفعي. وقد اعتبرت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أخيراً أنّ "تركيا تجاوزت الحد واحتلت مناطق حدودية من الأراضي العراقية تمتد إلى عمق 15 كيلومتراً". وخلال العمليات العسكرية الأخيرة، توغلت القوات التركية في ناحية باطوفا في زاخو، على طول يتراوح بين 45 و50 كيلومتراً، وبعمق 15 إلى 30 كيلومتراً، وهو ما استدعى إخلاء قرى عدة في المنطقة.

وترى تركيا أنّ العمليات التي تقوم بها في العراق "مطابقة للقوانين الدولية" التي تجيز لها حماية بلادها من "الهجمات الإرهابية". وقد جاء ذلك أخيراً على لسان القنصل التركي العام في أربيل، هاكان جاكان، الذي قال في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، بمناسبة الذكرى السنوية لفشل الانقلاب الذي حدث في تركيا عام 2016، إنّ بلاده ليست لديها أي مشكلة مع الأكراد، بل مشكلتها مع حزب "العمال الكردستاني"، مضيفاً أنّ "العمليات العسكرية ستستمر حتى إنهاء حزب العمال، والقوات التركية انسحبت من أكثر من منطقة بعد أن علمت أنها تحتوي على مدنيين".


القوات التركية سيطرت على أهم المرتفعات في إقليم كردستان

في السياق، قال مصدر حكومي قريب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوات التركية سيطرت على أهم المرتفعات في إقليم كردستان، ولعل أبرزها جبل شاقولي في زاخو، وذلك يعدّ من أهم الإنجازات التي حققها الأتراك، فالسيطرة على هذا الجبل، إضافة إلى مرتفعات في ناحية دركار، توفّر الإمكانية للقوات التركية لبلوغ أهدافها. كما أنّ هذا الأمر يدلّ على أنّ الأتراك لن ينسحبوا قريباً من كردستان، بل إنهم سيقضون الشتاء المقبل فيه، من أجل مراقبة التحركات في جبال قنديل" العراقية الحدودية مع إيران وتركيا والتي يسيطر عليها حزب "العمال الكردستاني" ويتخذها منطلقاً لعملياته ضد أنقرة. ولفت المصدر نفسه إلى أنّ "التحركات العسكرية التركية كانت معلومة أو على الأقل تتوقعها الحكومة العراقية، إذ تم إخطارها أكثر من مرة بما يجري من تحركات لمسلحي الكردستاني، وتزويدها بمعلومات وخرائط عن تحول أراض عراقية إلى مناطق تهديد لتركيا وأمنها القومي".

وأشار المصدر إلى أنّ "عملية مخلب النمر التركية ربما ستستمر فترة أطول، وهناك تواصل غير معلن في الوقت الحالي بين بغداد وأنقرة على مستوى استخباري وأمني عالي المستوى، خصوصاً أنّ الطرفين يريدان التخلص من مسلحي حزب العمال الكردستاني، ولكن الوصول إلى معقل الحزب في جبال قنديل ليس سهلاً". وأكد أنّ "أنقرة أبلغت بغداد عبر رئيس المخابرات التركي، هاكان فيدان، الشهر الماضي، بأنها ترحب بأي خطوة عراقية ضد مسلحي الكردستاني، وإن لم يفعل العراق ستضطر تركيا للتحرك دفاعاً عن نفسها".

من جهتها، أشارت رئيسة كتلة الحزب "الديمقراطي الكردستاني" في البرلمان العراقي، فيان صبري، إلى أنّ "تركيا استثمرت اتفاقاً سابقاً مع العراق، ومن خلاله بدأت تتجاوز على سيادة العراق وتتمادى في عدم احترامها"، مضيفةً أنه "قد تكون لدى الحكومة التركية نوايا أخرى غير معلنة من هجومها". وأكدت صبري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ العمليات التركية أدت إلى "تشريد المئات من المواطنين الأكراد من مناطقهم، وهؤلاء لا يمكنهم العودة حالياً بسبب الوضع الأمني المتأزم جراء تواجد قوات حزب العمال الكردستاني من جهة، والقصف التركي لمناطقهم من جهة أخرى، والذي وصل إلى عمق الأراضي العراقية وجزء من مناطق نينوى".

وتابعت أنّ "الحرب لن تحسم الخلافات، والحل الأمثل هو الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل حلّ مختلف القضايا من دون اللجوء للعنف والسلاح. كما ندعو إلى انتهاج الحوار السياسي من قبل تركيا وحزب العمال، بدلاً من التصعيد العسكري"، مشيرةً إلى أنّ هناك "تنسيقا وإعادة انتشار لقوات حرس الحدود في إقليم كردستان، ولا سيما في المناطق الوعرة والتي أخلي جزء منها من قوات حزب العمال".


تواصل غير معلن في الوقت الحالي بين بغداد وأنقرة على مستوى استخباري وأمني عالي المستوى

من جانبه، لفت عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى، شيروان دوبرداني، إلى أنّ "التعقيد الأكبر في العملية التركية في إقليم كردستان وبعض المناطق العراقية، هو الاعتماد على اتفاقية كانت تركيا قد أبرمتها مع العراق إبان حكم الرئيس الأسبق صدام حسين بشأن تأمين الحدود، وهذه الاتفاقية سمحت لتركيا بالتوغل داخل العمق العراقي بنحو 30 كيلومتراً من أجل محاربة حزب العمال الكردستاني". وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "بغداد تبدو أنها على علم ودراية بالعملية التركية، ولكن بطبيعة الحال، فإنّ المواقف التي أعلنتها وأربيل ليست بالمستوى المطلوب، خصوصاً أن العمليات التركية أسفرت عن سقوط ضحايا من الأبرياء في أكثر من منطقة تابعة لإقليم كردستان".

وأضاف أنّ "هناك تجاوزات وقعت خلال تقدم القوات التركية في كردستان، ونحن بكل تأكيد نرفضها وندعو حكومتي كردستان وبغداد إلى أن تضع حداً وتجد حلاً لما يجري في المناطق التي تعرضت للقصف التركي"، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ "العمليات التركية ساهمت في تحجيم مخاطر حزب العمال الكردستاني، ولكن عناصر الأخير لا يزالون يمثلون تهديداً وخطراً في المناطق التي يستقرون فيها، ولا سيما في الجبال الوعرة التي لا تستطيع المدفعية التركية أو الطيران الحربي الوصول إليها".

بدوره، رأى الخبير في الشؤون الأمنية العراقية، سرمد البياتي، أنّ "العراق ليس بوسعه حالياً القيام بأي رد فعل على العمليات التركية غير الاستنكار، لأنه في حالة ضعف شديدة، كما أن لديه علاقات تجارية واقتصادية متينة مع أنقرة. وهذا الأمر ينطبق على العلاقة بين إقليم كردستان وتركيا، ولعل كردستان أضعف من العراق من حيث القوة العسكرية". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العراق حالياً ينطبق عليه المثل الشهير: مجبر أخاك لا بطل، أي أنه في الوقت الذي لم يستفد فيه من العمليات التركية، يخشى معارضة انقرة والتصادم معها، إلا أنّ الرد العراقي قد يظهر في حال تطورت الحوارات مع واشنطن، ودخلت الولايات المتحدة مع العراق في مواجهة تركيا".

تقارير عربية
التحديثات الحية