على وقع تكثيف الاحتلال الإسرائيلي جهوده وضغوطه لإلحاق المزيد من الدول بمسار التطبيع الذي افتتحته الإمارات رسمياً في 13 أغسطس/آب الماضي، تلقت أبوظبي تهديداً مباشراً من طهران باستهدافها في حال ارتكاب إسرائيل أي عمل ضدها، لتصبح الإمارات واقعة بين ضغوط حليفتها الجديدة، وبين التهديدات من دولة تجمعها بها اتصالات سرية تخرج أحياناً إلى العلن، على الرغم من أن التطبيع مع الاحتلال يجعل مواجهة التهديد الإيراني على أجندة التحالف الجديد.
وكشفت القناة الإسرائيلية 12 أن رئيس "الموساد" يوسي كوهين، يجري مع مسؤولين بحرينيين مباحثات لضم البحرين إلى ركب التطبيع ودفعها للتوقيع على اتفاق مشابه لاتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل. وجاء كشف القناة عن هذه المباحثات بعد أن سبق لكوهين أن أجرى، قبل ثلاثة أسابيع، مباحثات مع رئيس الوزراء البحريني، خليفة بن سلمان آل خليفة. وأشار مراسل القناة للشؤون العسكرية، نير دفوري، إلى أنه لا يستبعد أن يتم عرض تزويد البحرين بأسلحة متطورة، لإقناعها بالانضمام لصفقة تطبيع مع إسرائيل.
في موازاة ذلك، حاولت الولايات المتحدة في الأسبوع الأخير تكثيف ضغوطها على دول خليجية إضافية للانضمام لاتفاقيات منفردة للتطبيع مع إسرائيل، ولا سيما البحرين وسلطنة عمان. وبحسب القناة 12 الإسرائيلية، فإن مصادر في إسرائيل تعتقد بأن انضمام المنامة أو مسقط قد يكون بعد التوقيع الرسمي للاتفاق بين الإمارات وإسرائيل الذي يرجح أن يتم الأسبوع المقبل، إذ ذكرت تقارير إسرائيلية سابقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معني بأن يتم التوقيع في 13 سبتمبر/أيلول الحالي، وهو موعد توقيع اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، لتوظيف دلالات الاتفاق الجديد في السياسة الداخلية في دولة الاحتلال كدليل على إمكانية توقيع اتفاقيات سلام مع العرب من دون انسحابات ومن دون الحاجة لربط اتفاقيات فردية بحل القضية الفلسطينية أولا أو بتقديم أية تنازلات.
الإمارات تعتزم تنظيم أول زيارة رسمية إلى إسرائيل في 22 سبتمبر/أيلول، تعزيزاً لاتفاق البلدين على تطبيع العلاقات بينهما
في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر مطلع أن الإمارات تعتزم تنظيم أول زيارة رسمية إلى إسرائيل في 22 سبتمبر/أيلول الحالي، تعزيزاً لاتفاق البلدين على تطبيع العلاقات بينهما. وأضاف المصدر المطلع على المسار الأولي للزيارة المقررة أن رحلة الوفد الإماراتي لإسرائيل، التي لم توضع لمساتها النهائية بعد، ستأتي رداً على الرحلة التي قام بها مبعوثون إسرائيليون وأميركيون كبار إلى أبوظبي الأسبوع الماضي. وأوضح أنه من المتوقع أن تضع الإمارات اللمسات النهائية للرحلة بعد الإعلان عن موعد احتفال، يقام في واشنطن على الأرجح، يوقع فيه زعماء البلدين اتفاق التطبيع. وأردف المصدر أن ذلك الاحتفال سيُقام في منتصف سبتمبر على الأرجح. وستكون هذه أول زيارة معلنة إلى إسرائيل من وفد رسمي إماراتي.
في هذا الوقت، لقيت "جهود الولايات المتحدة الأميركية لإحلال السلام" إشادة من السعودية التي لا تزال تلتزم في تصريحاتها العلنية بدعم المبادرة العربية كأساس لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الموقف الذي أعاد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تأكيده للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" إن الملك سلمان أكد، في اتصال أجراه مع ترامب مساء الأحد "حرص المملكة على الوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية لإحلال السلام وهو المنطلق الأساسي لجهود المملكة، وللمبادرة العربية للسلام". وأشار في الوقت ذاته إلى "تقدير المملكة للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإحلال السلام". في المقابل، أشاد ترامب في الاتصال بقرار المملكة السماح للرحلات بين الإمارات وإسرائيل بعبور أجوائها بعد اتفاق أبوظبي وتل أبيب على التطبيع. وبحسب بيان للبيت الأبيض، أشاد ترامب خلال الاتصال الهاتفي بالخطوة السعودية وأكّد أهمية الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وبحث مع العاهل السعودي "سبل تعزيز الأمن والازدهار" في المنطقة. وإلى جانب عملية السلام في المنطقة، حث ترامب العاهل السعودي على "رأب الصدع" في الخليج.
مقابل ذلك، كانت إيران توجه تهديداً مباشراً للإمارات. وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، أمس الإثنين، أن بلاده أبلغت الإمارات "بصراحة وشفافية وعبر كل القنوات الممكنة بأنها لن تمازح أحداً في أمنها الوطني"، مؤكداً أن أبوظبي ارتكبت أخطاء استراتيجية بالتطبيع مع الاحتلال، مشيرا إلى أن طهران ستواصل "الدفاع عن القضية الفلسطينية، باعتبارها مسألة جوهرية في السياسة الإيرانية". وأضاف خطيب زادة، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن إسرائيل "لا تستطيع توفير الأمن لنفسها ولن تتمكن من توفيره أيضاً للإمارات"، داعياً الأخيرة إلى التراجع عن تطبيع العلاقات مع الاحتلال. وتابع أن الإمارات "ارتكبت خطأين استراتيجيين، الأول الخطأ المعرفي والثاني هو الخطأ في الحسابات"، مؤكدا أن "الإمارات لديها تصورات معرفية خاطئة بشأن موقعها وموقع إسرائيل وهذا خطأ استراتيجي". وأضاف أن "أبوظبي أخطأت في حساباتها بتصورها أنه يمكنها شراء الأمن من خارج المنطقة"، مشددا على أن طهران "لن تساوم على أمنها مع أحد، وتحديداً في منطقة الخليج". يأتي هذا الموقف بعدما كشف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأحد، أن الإمارات وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لتشكيل تحالف ضد إيران، وذلك بعد أسابيع قليلة من إشهار أبوظبي تطبيعها مع تل أبيب.
إلى ذلك، أطلق مساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبداللهيان، تهديدات صريحة ضد أبوظبي، متوعداً بأن بلاده ستستهدف الإمارات في حال ارتكاب إسرائيل أي عمل في الداخل الإيراني، قائلاً: "بعدما أفصحت أبوظبي عن تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي الموهوم، فإن أي حدث ظاهر أو مبطن يحدث على يد أجهزة المخابرات الإسرائيلية أو عملائهم في الجمهورية الإسلامية أو المنطقة، فإن الرد لن يكون موجهاً للكيان الصهيوني وحسب، وسوف تكون الإمارات جزءاً من الرد". وهاجم عبداللهيان، في مقابلة مع قناة "العالم" الإيرانية، ليلة الأحد، الإمارات، مؤكدا أن تطبيعها مع الاحتلال "لم يكن قراراً مستقلاً من حكّامها، بل إن الضغوط الأميركية والصهيونية هي التي جعلت الإمارات تقبل الرضوخ لهذه المذلة، وأن تقوم بهذه الخيانة بحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني". كما اتهم السعودية بـ"الخيانة الكبرى للقضية الفلسطينية والدول والأمة الإسلامية" لسماحها بعبور الطائرات الإسرائيلية من أجوائها إلى الإمارات، محذرا الرياض من تكرار الخطأ الذي ارتكبته أبوظبي.
تهديد إيراني باستهداف الإمارات في حال ارتكاب إسرائيل أي عمل في الداخل الإيراني
على الجبهة الفلسطينية، قال السفير المناوب لفلسطين لدى جامعة الدول العربية، مهند العكلوك، إن القضية الفلسطينية تقف اليوم ومعها جامعة الدول العربية، على مفترق طرق جديد وحدثٍ مؤلم، وهو ما سُمي بالإعلان "الأميركي الإسرائيلي الإماراتي" (اتفاق التطبيع)، مشيراً إلى أن على الجامعة العربية أن تُظهر موقفها من هذا الإعلان الذي تخطى مجموعة من الحدود والثوابت العربية، منها خروج دولة عربية عن الخط الذي رسمته قرارات القمم العربية على مدار العقدين الماضيين والمتمثل في مبادرة السلام العربية، وذلك من خلال إعلانها التطبيع الكامل مع الاحتلال وفي كل المجالات من دون أن تقدّم إسرائيل أي ثمن لذلك. وأضاف في مداخلته أمام أعمال الدورة 154 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، التي انطلقت أمس في مقر الجامعة برئاسة فلسطين، أن الإعلان الثلاثي تضمّن نصاً يقول إن إسرائيل "ستؤجل إعلان السيادة على المناطق المشار إليها في رؤية الرئيس ترامب للسلام"، مضيفا أن الإعلان لم يذكر مصطلح الضم بل "إعلان السيادة"، وهذا يعني أن دولة عربية تطبّع علاقاتها مع الاحتلال بشكل كامل ليس مقابل إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطين على حدود 1967 وإيجاد حل عادل للاجئين، بل فقط مقابل "تأجيل أو تعليق إعلان السيادة".
وبيّن أن الإعلان الثلاثي تضمّن ذكر "صفقة القرن" (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) ثلاث مرات، وهو ما يوحي باعتماد الصفقة. ولفت إلى أن الاحتلال بدأ مباشرة بعد إعلان "صفقة القرن" في يناير/كانون الثاني 2020، بإجراءاته العدوانية على الأرض لضم المناطق وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وتابع: "هل سنقلب مبادرة السلام العربية من الياء إلى الألف، ليسبق التطبيع مع المحتل، بل ليتجاوز التطبيع، حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة؟ وهل سنتخلى عن مبدأ الأرض مقابل السلام؟ وهل سنسمح لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بأن تكون شريكة لنا في رسم خريطة الشرق الأوسط؟". وأعلن أن دولة فلسطين قدمت مشروع قرار يهدف للحفاظ على الثوابت العربية تجاه القضية الفلسطينية، ويهدف للحفاظ على إرث جامعة الدول العربية.