القبعات أهم من الرؤوس

04 مارس 2017
رينيه ماغريت/ بلجيكا
+ الخط -

إلى خورخي بالما،
الشاعر الساقط من سقالة.


سياط بيضاء في النهار، أخرى سوداء في الليل
ثم يسألونك: كيف نبتت هذه الحدبة على ظهرك؟
كيف صعدت إلى هناك بلا سقالات؟
ولماذا لا تنزل عن البرج؟

عثرت على حياتي ضائعة بين شعرات إبطك
فيما كنت أبحث عن قبعة القش.

فقط امنحني القدرة على أن أتسع لبعض الأشياء
جسدي مثلا وأن يحتمل رأسي قبعة القش
وأن لا تلقي في طريقي سقالات وحمالات إنقاذ.
وأن لا تلتهمني اللقالق الميتة.

المرأة تذكرنا بأن:
النار أكثر رومانسية من الفراشات
القبعات أهم من الرؤوس
اللقالق تموت إن لم تسافر
المرأة سقالة لا أحد يعرف إلى أين تفضي
وأحيانا تكون نقالة إنقاذ.

نصحني صديق:
الناس تحتفي بالشعر الذي يعطيهم أملاً
لذلك يحبون نيرودا ودرويش
- أنا لا أبيع الأمل، أقلي العالم من نفس دهونه،
لن أبني لكم سقالات في قصائدي
لن تجدوا فيها حمالات إنقاذ أو ضمادات
لحم لقالق ميتة، هذا ما أستطيع تقديمه لكم كضيوف في بيتي.

أسكن قرب مطار
آلاف الطائرات تقلع وتهبط
فوق رأسي قبعة قش أبدو كسائح
لا رغبة لي بالسفر؛ من سيتكفل بإطعام نملاتي وقططي؟

لن تقوم علاقة بين البشري والألوهي خارج نطاق الخوف
يصرخ بذلك أحد الحمقى المبشرين في شوارع مناغوا.
- من الذي يغطيني منتصف الليل ويربت على ظهري،
يضع في حقيبتي الضمادات ويبني لي هذه السقالات،
ويرسل لي لقلقاً ميتاً كل ثلاثين يوماً؟

المقدس ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً 
كثرة السقالات لا تدل على أننا بخير
نقالات الإنقاذ تستخدم أيضا لنقل الجثث.

أفتح باب غرفتي على رأسي قبعة قش
يسقط على الباب لقلق ميت
أحدهم يحذرني من الخروج.

أغرتني سقالة تحت نافذتك بالصعود
لم أحبك في لحظة ما
أحببت نافذتك المليئة بجرار الورد
كيف نسيت أن الحدائق تطرح أجمل ما فيها على الأسوار.

عالق على سلم موسيقي لا أعرف النزول ولا الصعود
العازفون يرشقونني بعصيهم وبسيقان لقالق ميتة
بين الحشود الغاضبة ينادي عليّ بيتهوفن بشعره المنكوش
ماذا تريد؟ أسمعك جيداً، هذا سلم موسيقى وليس سقالة.

أحرث البحر وأكتب شعراً على قمة سقالة.

سطا لصوص عليّ في شارع معتم
نزعت من ساعتي عقرب الثواني وبارز تهم به
لم يفلحوا بسرقة قبعة القش.

حصان يرتدي قبعة قش مصاب بالجرب
على ظهره أطوف العالم
لا فندق ولا خان وافق على استضافتنا
وصلنا بيت أرملة عمياء قدمت لنا طعاماً 
أهديناها قبعة القش
قرأت لها قصيدة عن قشور الأفاعي المتروكة في البراري
بكت ووبختني لإهمالي علاج حصاني الأجرب
نصحتني بأن أكثر من استخدام السقالات والنقالات والضمادات في قصائدي
وأن ابتلع لقلقا ميتاً كل ثلاثين يوماً
لأن الشعراء كالأنبياء عليهم مساعدة البشر للهروب من هذا العالم.

ثقب العالم يسيل منه:
البشر والأحلام والفضلات
سددته بقطعة لبان
لا تمد يدك لأسفل
لا تعبث بقطعة اللبان الجافة.

ملائكة تمضغ لبانا وتشرب كوكا كولا وتدخن تبغا رديئاً 
أضاعوا سقالاتهم
أمر بهم وألقي عليهم التحية لكنهم لا يردون يجفلون قليلاً
هم فقط مكلفون بمراقبتي
يرفعون نظاراتهم السوداء يبحلقون بي بحيادية
طلبوا أن أساعدهم في سرقة سقالة
مقابل إعطائي قبعة قش والكف عن ملاحقتي.

الإقلاع عن الشعر يحتاج عدة أشياء:
- أن لا تفكر بالموت ولا الحياة.
- أن تمنح السمك فرصة العيش خارج البحر.
- أن تقنع الأشجار بالكف عن صمودها.
- أن تستعمل ربطات عنق فاقعة الألوان
- أن تقنع الشتاء بأنه فصل ميت ولا فائدة له.
- أن تفرغ روحك المشتعلة من الهواء.
-أن تكون تكف عن امتلاك هذا الاسم السخيف: فخري رطروط.
- أن تمنح نفسك فرصة أن تكون أنت
- أن لا تقف لدورية شرطة.
- أن تمنع الريح من المرور بين الجبال.
- أن تحقن العالم بالمورفين.
- أن لا تقترب من ورقة بيضاء.
- أن تكف عن اعتبار نفسك نقالة إنقاذ أو ضمادة.
- أن تكف عن بناء السقالات.
- أن تنسى ملمس القلم.
- أن تمتلك مرآة في بيتك.
- أن يكون لك حساب على الفيس بوك
- أن لا تخجلك كلمة شاعر.
- أن تكون أفراحك كسروة يتيمة قصيرة الأغصان.
- أن تشتري تذكرة لركوب تيتانك نوح.
- أن تنزل عن السقالة.
- أن تتخلصين لقلقك الميت.

كل ما صادفته في هذا العالم
جبال ضمادات وبقايا أغلفة أدوية تطفو على نهر مريض.

سلالم عالية وسقالات وحمالات إنقاذ تجوب طرقات المدينة ليلاً 
لا أحد يفكر بالهروب
لا أحد يرغب بأن يكون على قمة
يكثر الناس والطعام والمواقد في الأودية وتحت الجدران.

تحويل العالم إلى حبر مهنة البشر الشاقة
تحويل الحبر إلى عالم مهنة الآلهة اليسيرة.

أربط نفسي بغيمة
كي لا أقع عن السقالة.

قبل قليل رأيتهم يهرولون
يحملون العالم على نقّالة إنقاذ
فوق صدره وضعوا قبعة القش
يقولون أنه سقط عن سقالة.

أبني سقالات في كل مكان لا
أعرف لماذا ولا إلى أين أريد الوصول
أستمتع بذلك، تبهجني رؤية السقالات تحيط بالعالم.

بعض العيون تشبه نقالات الإنقاذ، لذلك أتحاشاها.

استيقظت في هذا العالم وجدت نفسي على قمة سقالة.

ماذا تفعل في هذا العالم؟
حامل نقالة إنقاذ.

لا تسألوني كيف أعثر على أفكاري
بل كيف تعثر الأفكار عليّ وسط هذه المجرات
رغم أنني أتخفى تحت قبعة قش.

لأنسى هذا الموت بحاجة لأشياء أجهلها
لا تكفي خمسين حياة ولا اشتعال هذه المجرات
بحاجة لماكينة سريعة لصنع سقالات ونقالات إنقاذ.

أبارز فارساً من العصور الحجرية
فوق سقالة تحتها نقالتا إنقاذ
واحدة أثرية والأخرى حديثة
كل منهما ستسافر إلى زمنها فارغة أو محملة
أخشى إن سقطت أن يحملوني في النقالة الخطأ
لا أريد الذهاب إلى الشوارع المضاءة بأضواء النيونات المريضة.

أحشر نفسي داخل ثقب إبرة فارغ مثلومة الرأس
أحلم بخيطان العالم وأقمشته
أحلم بخياطة شراع ممزق.

أراقب عسكرياً يلمع حذاءه الثقيل بمزقة شراع
فرحا بالحرب القادمة
الضابط طلب منه أن يلمعه أكثر
ليتسنى له رؤية وجهة أو جثته على صفحة الحذاء.

صفير قطار في ليل موحش
على سقالة ألوح له بمزقة شراع.

في ليلة باردة
حطمت خشب سقالتي لأتدفأ
على أنغام بيانو متورم
أحتضن دفة النافذة.

أساعد حشد أرامل على النسيان
أعزف لهن على بيانو متورم
أمنحهن نقالات إنقاذ
أضع في يد كل واحدة مزقة شراع .

أصعد سقالة على أسوار طروادة
يدفعني الفضول لرؤية عيني هيلين.

سقطت بالصدفة عن سقالة
ها أنا بين كتيبة أقزام غاضبين لا يحبّون الشعر
يستمعون لبيانو متورم
هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لك في هذه الحياة.

سأحدثك عن حفلات كان ينظمها ملك ينظم الشعر
ينصب سقالات في باحة القصر
يصعد الشعراء للقراءة
الشاعر الرديء يلقى من على السقالة
الغريب لم يتخلف أحد الكل يصعد بثقة.

لم ينتبه لي الحكواتي
قلت له بأني قادم للثأر لبغلي الذي قتل في حرب البسوس
رجوته أن يدسني في إحدى حكاياته
كحامل نقالة إنقاذ أو حارس سقالة أو عازف على بيانو متورم
مع الزمن سأصبح حقيقة وبطلاً.

تسللت إلى قطار محمل بأسرى حرب حول بيانو متورم
ليس في جيبي تذكرة
أقدم لهم ماء وأخبرهم بأنه سيتم إعدامهم
أسجل وصاياهم
ما نفع الأمل في مواقف كهذه؟

هذه النظرة ستظل خارج أي إطار
معلقة في الهواء كمجرة ذعر، كسيف أعمى،
كسقالة ليس لها نهاية، كحمالة إنقاذ فارغة،
كمزقة شراع ترفرف في هواء ميت.

أتجول بين بقايا مدينة لم تسقطها الحروب،
أسقطها الزمن والسأم وكثرة العشاق
مدينة سقطت عن سقالة
مللت شوارع المدن التي شهدت مجازر وأقواس نصر
وتاريخا مرصوصاً بعناية ككتاب مقدس
هضبة من العيون المفقوءة فوق سقالة منصوبة على باب المدينة.
تؤلمه سنه
كلما فتح فمه نفخ ناراً 
هكذا لم يتقدم أحد لعلاجه
أنت أيها الشاعر كف عن نفخ النار لننزع سنك المنخورة.

على الشاطئ أساعد حيتانا تريد الانتحار على أنغام بيانو متورم.

النظرة المريضة تجرف في طريقها العالم والسقالات وتصب في الفراغ.

الموت يدلي بأقواله
استجوبه شاعر لئيم يقيم فوق سقالة.

بعض الكلمات لها رفيف أجنحة
بعضها له أزيز طلقة
أحب الكلمات التي تشبه السقالات وحمالات الإنقاذ والضمادات.

على هذا العالم أن يكون جميلاً من الخارج
الخالق جميل يحب الجمال
لكن هذا العالم من الداخل يشبه مرحاضاً عمومياً أيها السفلة.

نيتشه هذه الليلة مشغول بشفاء نفسه من مرض الخلود
بوذا ذاهب ليرمم زهرة مسحوقة
المسيح يبحث عن الخائن وقطع الفضة
موسى على الجبل ينتظر رؤية ربه
نوح يتفقد ثقوب سفينته ويدقق في هويات الصاعدين
قابيل يترصد هابيل لسحق رأسه
آدم وحواء يتهامسان حول شجرة الخلود
وحيد ولا عمل لدي ولا أعرف الطريق إلى نفسي
بعد أن أنهيت بناء السقالة رقم ألف بي رغبة لمرافقة أحدهم.

وحيد ومشوش بأفكار ملوثة
أنفض نفسي كملاءة في ماخور قذر
خائف كرجل ملقى من سقالة.

البشر فوق السقالات يحاولون طلاء السماء باللون الأسود
أمر بهم وألوح لهم من الأسفل بقبعة القش
وأدعوهم لحفلة يعزف فيها بيانو متورم.

كان عليك أن:
تربط الغيمة وتطلق الجبل ليطير
تدس قدمك في ماء المحيط الأطلسي لترتج شواطئ مدن الشرق
تعرف مسبقا أن سكان الجنة يتناولون المهدئات والمنشطات
تختبئ تحت نهدها
لا تهتم بالأقفاص والعصافير
تبتعد قليلا عن حافة العالم
تفتت الأقمار والشموس بين إصبعيك
تصعد إحدى هذه السقالات
تتخلى عن حمالة الإنقاذ والضمادات
تخنق لقلق الشعر
تلتهم الحياة كجرعة سم
كان علي أن أخبرك بأن الحياة قشرة جلد أفعى
كان علي أن أوصيك بأن تضع على رأسك قبعة قش كبيرة
قبل أن تخرج للعالم
كي لا يتعرف عليك أحد.

هذا الماكينة في بطن البحر لا تهدأ، متى ستتوقف؟
علينا إلقاء البيانو المتورم في البحر ربما يصمت
أسكتوا هذا النواح
اخترعوا كذبة لهذا الكون اليتيم
أبعدوا هذه النقالات والسقالات والضمادات
إنها لا تجدي
حيثما تضع قدمك لن تنبت حياة.

مذاق الشعر له طعم عصارة جثة أو طعم عرق جسدين في حفلة جنس

أحدهم فتح نافذتك
دلق في الغرفة غابة بكامل وحوشها
إنهم يلاحقونني
أهرول وتحت إبطي قبعة قش
أبحث عن سقالة.

بين طيات كتاب قديم وجدت خارطة عالم آخر
مرسوم عليها بلدان على شكل:
ورود وفراشات وأشجار وقبعات قش ولقالق ميتة
وسقالات وضمادات وحمالات إنقاذ.

متسوّل
أقف أمام ماكينة الحياة لأحظى بفتاتها
أرضى بروح معطوبة وبجسد مشوه 
علي أن أحيا ولو على حافة سقالة، ولو في بطن بيانو متورم.

وجودي على هذه الأرض مؤقت
سأعود لبحر العدم، إنه عطل مفاجئ في مضخة الفراغ
أتصرف بغرابة في هذا الوجود مثل بيانو متورم في حفلة أوركسترا
تم تهريبي إلى هذا العالم على حمالة إنقاذ
وجدت نفسي هنا كمزقة شراع على اليابسة.

صعود سقالة والطيران هذا كل ما أرغب به أيها السفلة.



*شاعر فلسطيني يقيم في نيكاراغوا

المساهمون