ليس خطأ

13 اغسطس 2015
إن الذكرى موجعة يا صاحبي (مواقع التواصل)
+ الخط -
أن تفتح الجحيم صاروخاً على الناس من مقاتلة لا تحلق إلا على ارتفاع لا يسمح لقائدها أن يرى الإنسان إلا أهدافاً مجردة، لا تلبث أن تختفي حين يصهرها جحيم الصاروخ، فلا يتبقى منها إلا لحمة هنا أو هناك، ألقت بها الموجة الانفجارية بعيداً، ثلاثون أو أربعون متراً، وثقبت الأرض حتى ابتلع الثقب الجنين من بطن أمه -وبيتهما الذي دفع الأب فيه سنوات شبابه- وشجرة على باب البيت – بلعاً.. ليس خطأً، بل جريمة، لذلك لا تكف حناجرنا عن الهتاف بمعاقبة المجرم الإسرائيلي على تلك الجرائم التي يقترفها بحق الشعب الفلسطيني حرباً بعد أخرى.


حين تلقي على الناس ورداً، فيقتلهم، فإن ذلك هو القتل الخطأ، لكن أن ترمي الناس بالرصاص العشوائي، أو الصاروخ غير الموجه، أو الصاروخ الفائق التدمير، فماذا تنتظر؟ 
بالأمس القريب فتح مسلحان اثنان النار على سيارة ضابط شرطة بمحافظ الفيوم، فقتل المسلحان طفلة ذلك الضابط وصديقه.. ويا للغباء لم يقتلا الضابط!

للإنصاف، لم تعلن أي مجموعة مسلحة، بدوافع سياسية أو عقائدية، مسؤوليتها عن الجريمة، وللإنصاف أيضاً، لم يبلغ أحد في هذا البلد قيمة الشرف بعد، فيتحمل مسؤوليته عن جرائم عناصره ومجموعاته، فيبرأ منهم ومنها، ويسعى لعقابهم عليها، ما أمكنه العقاب.

إلا يفعلوا -وهم كذلك- فإنهم شركاء في الجريمة، والكل مجرمون في هذا البلد، فبعدها بأيام قامت قوة من الشرطة المصرية بدهم أحد الأماكن التي قالت إنها كانت مقراً لخلية من الإرهابين المتورطين في قتل الطفلة، فقتلتهم بدم بارد مكتوفي -أو مطلقي- الأيدي برصاص من الخلف، في مشهد مطابق للمشاهد الآتية من المناطق التي يسيطر عليها "داعش" الإرهابي، غير أن ضباط الشرطة ليسوا قطعاً بكفاءة مسلحي داعش في القتال.

أستقبل الذكرى الثانية لمقتل أخي الأكبر وظهيري، محمد علي مبارك، برصاص مقاتلي الجيش المصري، بغاية القرف!

فقد كنت أحب أخي، وأتمنى أن يأتي يوم تقتص فيه صفوف -ثورة يناير- لي وله، كما تقتص للرفاق مينا دانيال، وأبي عبيدة كمال، ومحمد خيري جميل، والقائد أشرف، وأخيراً الأستاذ أيمن صلاح، أحد الأسماء الستة التي وصفتهم الداخلية المصرية في الفيوم بدم بارد.. فلا أجد في واقع هذه الصفوف ما يبشر بأمنيتي.

فالحق أقول، إن قاتلي طفلة الضابط، الجميلة، البريئة، هم من تلك الصفوف التي تستمد مددها من دم أخي ورفاقه.. والحق أن القاتل وغد حقير، وإن قاسمني المطلب السياسي، والمظلومية، والوغد لا يستأمن على قصاص، ولا ترتجى منه ثورة.

الأستاذ أيمن صلاح كان رجلاً طيباً، ربينا على يديه، ولا أذكر فيما تبقى لدي من ذاكرة الطفولة أنه كان غير ذلك الشخص المخلص لما يعتقده، المحب لأطفال الحي، ولا أعقل أنه يتورط في هكذا جرم، لكن إن كان قد فعل -ولا أظنه- فهو كقاتل أخي، وقاتل الدوابشة، لا فصال! لكن أين الأستاذ أيمن صلاح اليوم، وأين الدليل على أنه قاتل؟ لا دليل، لكنه قتل!
يا محمد، إن أطفالنا -مريم وميسرة ورايان- ليسوا أكرم من أطفال الضابط القاتل، ليقتلوا في سبيل القصاص لك، ولبقية الشهداء، إن قتلهم يا محمد بغي كبير، وإسراف.. أنا يا محمد لا أؤمن في الحرب، ولن أسعى للقصاص لك -على هذه الطريقة- يوماً، إن القصاص يا صاحبي، هو ألا تقتل مرة أخرى، بقتل غيرك، وهذه معضلة، فلا نحن سنسلم للقاتل، أو نصطلح معه، ولا هو سيكف عن قتلنا.. فأين الطريق؟

أنا عاجز تماماً أمامه، حتى إنني وإن بت أؤمن أن لا سبيل للقياه مرة أخرى، وأن كلماتي هذه لن تصله، إلا أنني لم أزل أشتم رائحة "النشارة والغراء" فلا أشتم إلا رائحة أخي، فأي وطن هذا الذي لا يترك لنا من أخوتنا إلا رائحة الخشب.. إن الذكرى موجعة يا صاحبي، والنسيان نذالة، فهل يا حبيبي إلى خلاص من سبيل؟

(مصر)
دلالات
المساهمون