الإسلاميون في الكويت... نهاية الوفاق مع السلطة

17 ديسمبر 2015
نهاية الوفاق مع السلطة (فرانس برس)
+ الخط -
تعتبر الكويت من الدول العربية التي يتمتع فيها الإسلام السياسي الحركي بعلاقة قانونية مع الدولة، أو في أقل تقدير علاقة جيدة، مع الحكومة الكويتية، والنظام السياسي ككل.

بدأت جذور الإسلام السياسي بالظهور في الكويت سنة 1952، عندما تأسست "جمعية الإرشاد الإسلامي" على يد مجموعة من وجهاء الكويت، وعلى رأسهم مفتي الكويت وقاضيها، يوسف بن عيسى الجناعي، والذي ينتمي لأسرة الجناعات، إحدى الأسر التجارية العريقة في الكويت.

بقي الإسلاميون لعقود بعيدين عن العمل السياسي، منهمكين في العمل الدعوي والخيري على هامش المجتمع الكويتي، والذي كان يسيطر عليه فكر التيارات القومية والماركسية المهيمنة على الساحة السياسية المعارضة في الخمسينيات وبداية الستينيات.

مواجهة القوميين
لكن الأمور بدأت بالتحول بشكل تدريجي نحو الإسلاميين في أواخر الستينيات، بعد هزيمة 1967، حيث تراجعت سطوة التيارات اليسارية والقومية لصالح التيار الإسلامي، والذي بدأ المزاج الشعبي العام بالتحول إليه، واستغلت الحكومة الكويتية الفرصة -كما يقول القوميون- فدعمت الجماعات الإسلامية على حساب التيارات الماركسية، في محاولة لإضعاف نفوذها آنذاك، وعقابا لها على معارضتها الحكومة في البرلمان. لتتحول جماعة الإخوان المسلمين إلى "أكبر قوة سياسية في الكويت" كما يقول الباحث في مركز كارنيجي سليم بال.

كتب بال، في ورقته المعنونة بـ "السلفية الكويتية ونفوذها المتنامي في بلاد الشام": أن العديد من المنحدرين من عائلات تجارية متنفذة من أتباع السلفية، ولعل هذا ما مكن الحركة من وجودها في القطاع المالي والتجاري، وبالتالي تلقي تمويل أكثر من ذي قبل".

ويضيف أيضاُ: "بسبب هذه العوامل (التمكين الحكومي والنفوذ التجاري) أصبحت السلفية نشطة في الحياة السياسية في البلاد (الكويت) في الوقت الذي انشغل فيه السلفيون في البلاد الأخرى بالمعتقدات الشخصية وممارسة الشعائر الدينية".

لكن علي السند يقول لـ "جيل" العربي الجديد، وهو أكاديمي وباحث إسلامي: "إن التوجه الإسلامي والمحافظ رافق نشوء المجتمع الكويتي وتأسيس الدولة، وإن الجمعيات الإسلامية، وعلى رأسها جمعية الإرشاد الإسلامي، قد تعرضت للإغلاق مع الجمعيات والأندية الأخرى 1959 بسبب تأييدها قرار الوحدة بين الكويت ومصر، والهجوم على الدول الرافضة للوحدة مثل العراق، وهذا يثبت أن العلاقة بين الإسلاميين والسلطة لم تكن على وفاق دائم".

ويضيف السند، أن الحكومة الكويتية قامت بدعم التيارات الإسلامية لصد القوميين والماركسيين المعارضين: "كحال أي سلطة في العالم، وخصوصا في عالمنا العربي فإن اللعب على التناقضات هو جزء رئيسي في العملية السياسية عندها، فهي تستغل الخلافات السياسية بين التيارات، وتوظف ذلك في صالحها وتعزيز موقعها، وفي تلك الفترة (الستينيات) كان المد الشيوعي والناصري في أوجه، وكانت فترة سقوط الملكيات والأنظمة الوراثية، ولم يكن العمل السياسي المنظم قد تشكل عند التيارات الإسلامية، وإنما كان الطرح الديني هو الغالب عليهم، لذلك لم تشعر السلطة بوجود خطر على بقائها من الإسلاميين، بل ربما وجدت أن التحفظات الإسلامية على الأفكار القومية والشيوعية والعلمانية بشكل عام مادة مناسبة لتحجيم دور هذه التيارات".

الاحتلال العراقي للكويت
في الثمانينيات، شهد الإسلام السياسي صعودا سريعا، يقابله سقوط سريع آخر للتيارات القومية واليسارية. وألقى الإسلاميون بكامل ثقلهم في البرلمان آنذاك، محاولين تمرير عدة مشاريع، من أبرزها تعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي، لتصبح الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، بالإضافة إلى حزمة من القوانين الأخرى التي تؤكد إسلامية الدولة.

وبعد قيام الحكومة بحل مجلس 1985 حلا غير دستوري، وتعليق بعض مواد الدستور، شارك الإسلاميون في الاحتجاجات السلمية التي انطلقت آنذاك، برفقة التيارات العلمانية، وانتهت تلك الموجة من الاحتجاجات، بدخول القوات العراقية للكويت عام 1990، فاصطف الإسلاميون، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، خلف الحكومة الكويتية في الخارج، وشاركوا بأعمال المقاومة السرية في الداخل، بالإضافة إلى إرسال الوفود إلى الدول العربية المعارضة للتدخل الأميركي لتحرير الكويت، من أجل إقناعها بتغيير موقفها. وكان أشهر هذه الوفود، الوفد الذي تزعمه الإسلامي البارز، أحمد القطان، إلى الجزائر.

كما ساهم الإسلاميون آنذاك، في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة في مؤتمر جدة الشعبي، والذي انتهى إلى إقرار العودة للعمل بدستور 1962 وعودة الحياة البرلمانية بعد تحرير الكويت.

وبعد التحرير، حصل الإسلاميون في مجلس 1992 على عدة مقاعد برلمانية ووزارية، مكنتهم من استصدار مرسوم أميري لتشكيل "لجنة العمل على استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية" والتي ترأسها أحد علماء الدين البارزين، الشيخ خالد المذكور، وتمكنوا من تمرير عدة قوانين إسلامية، أبرزها قانون منع الاختلاط في الجامعة، كما تمكنوا من رد قانون حصول المرأة على حقوقها السياسية، بحجة مخالفته الشريعة الإسلامية، لتشهد فترة التسعينات هيمنة الإسلاميين على الحياة السياسية البرلمانية والوزارية.

ثورات الربيع العربي
مع اندلاع الثورات العربية، خرج المعارضون الكويتيون، وعلى رأسهم الإسلاميون، إلى الشارع، مطالبين برحيل رئيس مجلس الوزراء، الشيخ ناصر المحمد الصباح، لوجود شبهات فساد تتعلق بإدارته، بحسب المعارضة الكويتية. لتتطور الأمور تطورا دراماتيكيا، أجبر ناصر المحمد على تقديم استقالته إلى أمير البلاد، صباح الأحمد، والذي دعا بدوره لانتخابات مبكرة حصل الإسلاميون فيها على اثنين وعشرين مقعدا من أصل خمسين، ليشكلوا بالتعاون مع مجموعات ليبرالية وعلمانية، تحالفا معارضا سمي بـ "كتلة الأغلبية"، بزعامة المعارض الكويتي مسلم البراك. لكن الحكومة قامت بحل البرلمان بعد أشهر قليلة، وتغيير نظام الانتخابات، لنظام آخر، قال الإسلاميون بأنه وُضع ليقطع الطريق عليهم.


يقول علي السند: "أفرزت الموجة الأولى للربيع العربي وجودا إسلاميا واضحا، وكشفت عن حجم الحضور الإسلامي الكبير في الساحة العربية، ولا شك في أن ذلك قد أثار قلق السلطة، وجعلها تعيد حساباتها، وتحاول اللعب لتغيير موازين القوى في الساحة، لتحجيم الحضور الإسلامي الكثيف فيها، فجاء نظام الصوت الواحد في الكويت ليقضي على أي محاولة لتمثيل قوى في البرلمان، ليقطع الطريق على كل التيارات السياسية، فلا يمكنها تشكيل أغلبية في البرلمان، وبالتالي تبقى مشتتة وضعيفة، ولا شك في أن أكبر المتضررين من هذا النظام هم الإسلاميون لأنهم الأقدر على الوصول للبرلمان بأعداد كافية تمكنهم من تشكيل أغلبية، وبالتالي يكون لهم ثقل في البلد ويساهمون في تشكيل الحكومة، أو يسقطون أي حكومة لا تتوافق معهم، وهذا ما أقلق السلطة فلجأت إلى نظام الصوت الواحد ليفتت القوى السياسية عامة، والإسلاميين خاصة".

بالإضافة إلى موجة الربيع العربي التي وضعت الإسلاميين في صدارة المشهد السياسي، فإن الحكومة الكويتية استيقظت على وقع تحذيرات وزارة الخزانة الأميركية من أن الكويت أصبحت عاصمة لتمويل الثوار السوريين ماليا، وأن هذه الأموال قد انحرف بعضها عن الثوار، ليتجه لتنظيمات وصفت بالمتطرفة. فقد بدأ الكويتيون بجمع الأموال في المجالس العائلية، وفي الأندية، وفي الأماكن العامة، ويرسلونها لدعم الجيش الحر، والتنظيمات المعادية للنظام السوري، وغالب هذه الدعوات كانت تتم بإشراف نواب إسلاميين من مجلس الأمة، فقامت الحكومة بالاستجابة للضغوطات الدولية، وتم إدراج عدة دعاة ورموز، أبرزهم حجاج العجمي وشافي الهاجري، على قائمة الإرهاب، وطردهم من وظائفهم، وتجميد كافة أموالهم. واستمرت سلسة المضايقات - كما يقول الإسلاميون - فأصدرت المحكمة أحكاما بالسجن لمدة خمسة سنوات ضد طالبين في جامعة الكويت بتهمة الانتماء لحزب التحرير الإسلامي، ثم عادت الحكومة لتسحب جنسية الداعية الكويتي نبيل العوضي، على خلفية موقفه المؤيد من الثورات العربية. وبعد تفجير مسجد الإمام الصادق، اعتقلت الحكومة مجموعة من العسكريين والضباط بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وصرح وزراء ونواب محسوبون على الحكومة، بأن تعديل المناهج لتصبح أكثر علمانية وأقل تشددا، هو أمر قادم لا محالة.

وألمح نائب قريب من الحكومة، وهو نبيل الفضل، بأن قانون منع الخمور والاختلاط في الجامعة قد عفا عليهما الزمن وأن تغييرهما أيضا قادم لا محالة.

إسلاميون موالون للسلطة
حاولت الحصول على تعليق من المنتمين إلى التيار السلفي الأصولي الموالي للحكومة، الشهير بالتيار المدخلي، ليقول أحدهم لـ"العربي الجديد"، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "أن الحكومة لا يمكن أن تستهدف الإسلام بحال من الأحوال، فالدولة مسلمة، ورئيسها مسلم، وشعبها مسلم، لكنها تستهدف أولئك المخربين الذين يملكون مشاريع خارجية، يريدون تطبيقها". وعن سحب جنسية نبيل العوضي قال: "لا أحد يحب أن يقطع رزق شخص آخر، لكن الحكومة أيضا تريد أن تحمي نفسها من المتآمرين عليها، وأما بالنسبة لقانون الاختلاط، فربما تستخدمه الحكومة كأداة تخويف ضد الإسلاميين الحركيين، ولا أعتقد أن الحكومة تريد التخلي عن المنهج الإسلامي الذي تبنته منذ بداية التسعينيات".

أثناء كتابة هذه السطور، تعرض التيار السلفي الموالي للحكومة لضربات متتالية، كان أولها إيقاف الشيخ السلفي البارز عثمان الخميس عن الخطابة وإلقاء الدروس في وزارة الأوقاف، بسبب مواقفه المعادية للشيعة، وثانيها، قرار إقالة ممثل التجمع السلفي في الحكومة، علي العمير، من وزارة النفط، وتعيينه في وزارة الأشغال، والتي تُوصف بأنها هامشية.

وبرغم أن الجو السياسي البرلماني في الكويت لا يزال غائما، بسبب مقاطعة كتلة الأغلبية المعارضة للبرلمان، إلا أن الأمور بدأت تتوضح شيئا فشيئا، عن تضييق ربما يكون متعمدا ضد الإسلاميين، خصوصا مع الاستنفار ضد حركات الإسلام السياسي منذ الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية في دول الخليج، لكن ما زال الإسلاميون يأملون بأن تكون هذه الأحداث "سحابة عابرة" لا تدل على منهج جديد لتعامل الحكومية الكويتية معهم.

(الكويت)

المساهمون