تصنيف الجامعات بين الأكاديميا والتجارة

08 مارس 2015
+ الخط -
في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2014، نشرت US News تقريراً عن أفضل الجامعات في المنطقة العربية. وفقاً لهذا التصنيف، إن "أفضل" الجامعات العربية الخمس هي: جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة القاهرة، والجامعة الأميركية في بيروت. وما وراء هذا التصنيف الأكاديمي، تقدم الصحيفة الأميركية التصنيف في كل حقل علمي. عملياً هذا التصنيف، وخاصة في ما يتعلق بالعلوم الاجتماعية والإنسانيات، لا يمكن أن يكون إلا خاطئاً من أساسه، لأن معظم الإنتاج في هذه العلوم هو باللغة العربية، وغير مفهرس ضمن المجلات العربية لسكوبوس.

يعتبر التصنيف الأكاديمي للجامعات وثيق الصلة بفكرة اقتصاد المعرفة. ويمكن تفسير النجاح الكبير لهذه التصنيفات بعوامل كثيرة: عولمة البحث والتعليم العالي كمجموعة من أسواق تنافسية: سوق للجامعات وللطلبة وللأساتذة وللنشر؛ واتصال وثيق أقامته الجامعات الخاصة بين الرواتب، و"هيبة" الجامعة، كما يقاس على ما يبدو من التصنيف الأكاديمي العالمي. كما جرى تطوير إجراءات التقييم استناداً إلى مؤشرات بدلاً من تقييم الأقران التي تعزز النجاح الفردي و"التميُّز"، وتؤدي إلى مزيد من إزالة القيود وخصخصة التعليم العالي. في هذه الأثناء، تواصل US News إنتاج التصنيف بشكل منتظم، وهو مشروع تجاري "لطيف"، حيث يجد قراؤها الطمأنينة في تحديد موقع جامعتهم من خلال التصنيف الأكاديمي العالمي.

لقد روّجت الأقطار العربية، وخاصة في منطقة الخليج، الجامعات التجارية، سواء العامة أو الخاصة، على مقربة من هذا السوق العالمي من الكفاءات، حيث يشتري النفط والمال الهيبة والتميّز. كما تناسب التصنيف الأكاديمي بشكل جيد مع البحث عن التميّز والمنافسة في السوق، وفي الصحف والمجلات العلمية. لقد تم استنكار قيام بعض الجامعات بتوظيف أساتذة الظل الذين لا ينفقون إلا وقتاً قصيراً جداً في هذه الجامعات مقابل رواتب مرتفعة، وذلك حتى تحسب بحوثهم المنشورة ضمن بحوث هذه الجامعات. لقد نشرت US News تقريراً عن أفضل الجامعات في المنطقة العربية. هذا التصنيف، على عكس ما يعادله في الولايات المتحدة، يستند فقط إلى الأرقام الخام من المقالات والاقتباسات وغيرها من المؤشرات التي تقدمها قاعدة بيانات سكوبوس. هذا يعني أنه لا يتم اعتماد نسب النشر بحسب عدد أعضاء هيئة التدريس وموظفي الجامعة. وخلافاً لبوابة العلوم (Web of Science)، فإن سكوبوس قد وسّع قاعدته كثيراً في الآونة الأخيرة ليشمل مجلات إضافية، وبعضها مشكوك بمصداقيته. فإذا نظرنا إلى المجلات 448 "العربية" المدرجة في قائمة سكوبوس، نجد أن 67 بالمئة منها تنتمي إلى اثنين من الناشرين الإشكاليين: شركة الهنداوي (القاهرة)، وشركة بنثام (Bentham)، (الشارقة)، والتي تعتبر ناشراً مشكوكاً فيه ـ أو في بعض مجلاته ـ من قبل قائمة بيال (Beall Listing)، التي تنشر أسماء شركات نشر ذات الوصول المفتوح، والتي يمكن أن تحتال على الباحثين وتفترسهم.

لقد كتب بيار بورديو يوماً أن "التوحيد يفيد المهيمن"، وبهذه التصنيفات يريدون ترسيخ فكرة مفادها أن ثمة قياساً يناسب كل شيء، بشكل مستقل عن المضمون، والتوجه، والموقع أو الموارد. فبدلاً من التفكير في الجامعات كمؤسسة اجتماعية تناسب سياقاً معيناً، من حيث البيئة (Ecology)، (تنوع حيوي يتكيّف مع بيئتها)، فإنه يفكر فيها من حيث التَدَرُّج الهرَمِيّ. وتقتصر هذه الوظيفة على تشكيل النخبة، إذ تصبح الجامعة صورة كاريكاتورية لنفسها، وتصبح الآثار في البلد، والأنشطة ما بعد النشر، والبحوث والخدمات المجتمعية، والمشاركة في المناقشات العامة، والتأثير في القرارات السياسية، والمساهمة في الحياة السياسية المحلية، ونشر كل من المعرفة والفنون، وخدمة المجتمع؛ كل ذلك غير مرئي في هذا التصنيف الأكاديمي العالمي ذي البعد الواحد، ويصبح التصنيف بالتالي جزءاً من نموذج المشاهير (Celebrity Model)، الأكاديمي الذي يعمل على المستوى العالمي، بطريقة انتقائية، كما هي العولمة نفسها.

(أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأميركية في بيروت)
المساهمون