النفط اللبناني ضائع: "شايف البحر شو كبير"؟

02 مارس 2015
التجاذبات السياسية تمنع الترسيم الحدودي (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
في البحر الأبيض المتوسط، تقبع ثروة لبنان. هنا، لا يزال النفط ضائعاً في آبار سحيقة، آبار عمقها يوازي حدة تدفق الفساد إلى هيكل السياسات الاقتصادية في لبنان، وعمق تغلغله في عقل صناع القرار.

اكتشافات كبيرة
إذ لم يكن العام 2006، عام "شؤم" شامل على اللبنانيين اقتصادياً، صحيح أن حرب تموز دمرت جزءاً أساسياً من البنية التحتية في لبنان، إلا أن ذلك العام لم ينته دون أن يحمل للبنانيين بشرى سارة، تمثلت في إعلان شركة "سبكتروم" النرويجية اكتشاف احتياطيات كبيرة من البترول قبالة السواحل اللبنانية.
وقدرت الاحتياطات التي وجدت في الحوض الشرقي للبحر المتوسط بنحو 120 تريليون قدم مكعبة من البترول (الغاز والنفط) يملك لبنان منها 30 تريليون قدم مكعبة. نتيجة هذا الاكتشاف بادرت الحكومة اللبنانية بالتعاون مع السلطات النرويجية، إلى تأسيس هيئة إدارة البترول، بهدف وضع مسودة تنظيمية، ترمي إلى الاستغلال الأمثل" لهذه الموارد الطبيعية، التي من شأنها أن تساهم في تعزيز الموارد وتحقيق سرعة النمو.
وقد تم تقسيم المساحة البحرية المكتشفة إلى 10 بلوكات (مربعات)، تختلف مساحة وإنتاجية بعضها البعض، ليصار في وقت لاحق إلى تلزيم هذه البلوكات إلى شركات خاصة بهدف التنقيب عن النفط. وقد قدرت قيمة احتياطيات لبنان وفق المؤسسة نفسها، بنحو 140 مليار دولار، من دون الأخذ بالاعتبار انخفاض أسعار النفط الذي حدث في الآونة الأخيرة.
مثلت هذه الإيرادات "أملاً" واعداً، تخرج البلد من دوامة الدين والعجز الذي يكبل الدولة ومؤسساتها، خصوصا وأنه بات يقرع باب الـ 65 مليار دولار. اليوم وبعد تسع سنوات من اكتشاف النفط قبالة السواحل اللبنانية، لم تبدأ عمليات التنقيب عن النفط، لأسباب عديدة، أبرزها التجاذبات السياسية.

ترسيم الحدود مفتاح الثروة
يشير عضو هيئة البترول سامي الذهبي خلال ندوة عقدت مؤخراً إن الخلاف السياسي في هذا الملف مرتبط بأمور تقنية بحتة، إذ إن "الهيئة أنهت ما يزيد على 90% من التحضيرات والدراسات المرتبطة بالمشروع، وينتظر الملف إقرار مرسومين في مجلس الوزراء، أولهما يتعلق باتفاقية الاستكشاف والإنتاج ودفتر الشروط، وثانيهما يتعلق بترسيم البلوكات البحرية وتلزيمها"، وفق تعبير الذهبي.
يقول الخبير الاقتصادي غالب أبو مصلح أن التحدي الأول والرئيسي أمام إقرار هذا الملف يتعلق بـ "ترسيم الحدود البحرية المشتركة وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، لمعرفة نصيب لبنان من هذا الاحتياطي". مذكراً بالعدو الإسرائيلي الذي يمثل "تحدياً لا يستهان به، خصوصاً لجهة سحب الاحتياطات من المناطق المتنازع عليها"، الأمر الذي لم يؤكده الذهبي.
ويقول أبو مصلح لـ "العربي الجديد": إن التأخر في إقرار الملف يعكس واقع الحال في لبنان، إذ يدل وبشكل فاضح على المحاصصة السياسية، فالتأخر في إقرار القوانين وإنتاج النفط كان له أثر كارثي على لبنان وخصوصاً لناحية أسعار النفط. إذ إن الشركات التي كانت متحمسة لاستخراج الغاز من الحوض الشرقي للبحر المتوسط جمّدت بعض أنشطتها أمام تراجع الأسعار، الذي قد يستمر "لزمن ليس قصيرا" بحسب تقديرات الخبراء.
إضافة إلى كل ما سبق فإن إقرار القوانين والمراسيم المتعلقة بإنتاج النفط والغاز في لبنان، على وجه السرعة سيساهم، ما إن يبدأ الإنتاج، في تخفيض الفاتورة الكهربائية العالية التي يدفعها المواطن والدولة على حد سواء، ما سيساهم في توفير ما يقارب 600 مليون دولار سنوياً من أموال الخزينة، إضافة إلى تصدير النفط الذي قد يشكل سوقاً واعداً وخصوصاً أمام النقص الحاد الذي تعاني منه دول في الجوار على غرار مصر والأردن.
من جهة أخرى، ينتقد الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي الأداء الحكومي في التعامل مع هذا الملف، ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أن "ضعف أداء الهيئة والفساد الحاصل في الدولة سيساهم في إهدار إيرادات هذا القطاع، وزيادة منسوب الدين العام".
ويضيف أن هيئة البترول المؤلفة من ستة أشخاص يتوزعون وفق الطوائف الأساسية في لبنان، وتفتقر الهيئة إلى "القدرة والكفاءة"، مشيراً إلى أنها شُكلت وفق "المحاصصات"، ما يساهم في "تقويض عملها وإهدار الموارد المالية المخصصة لهذا القطاع" الذي لا يزال "غير منتج".
من جهتها، لم تكلف "الهيئة" نفسها عناء الرد على أسئلة "العربي الجديد"، ضاربة عرض الحائط بـ "حق المواطن في المعرفة". وكما تقول السيدة فيروز: "شايف البحر شو كبير؟"، الفساد في لبنان أصبح أكبر من البحر وأعماقه.

إقرأ أيضاً: عربة خضار للثورة
المساهمون