معتقلات الأسد.. النصل الذي يزيده العالم إيغالاً

18 مارس 2015
الاستمرار شرط لأجل كل معتقل صرخ حتى الموت (Getty)
+ الخط -
تأمل في حفرة الحاجب.. لن يفيدك مظهر الوجه العام، فالجوع قد أضناه.. دقّق في التفاصيل.. المشكلة هنا أن لا عيون لتراها بعد أن اقتلعها الجلاد... والأنف، هل ما زال على تكوينه الحقيقي أم أنه خلاصة الضرب المبرح؟! لا تهرب من الأسنان المقتلعة ولا من الديدان التي تهاجم الصورة الجميلة في ذاكرتك لإنسان ما، كان في حياتك سابقاً ابتسامة وحلم، وبات اليوم مشروع جثة نهشها النظام السوري تعذيباً، قد تعثر عليها مدهوشاً في إحدى صور قيصر "سيزر"، المصور السابق في الجيش السوري وصاحب أكبر قضية اليوم في وجه الإنسانية الصماء على الإطلاق.

تفعل اليوم صور سيزر الـ 55 ألف لـ 11 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام، تفعل بالسوريين دهشة جديدة جراء مواجهة كم الكارثة والفاجعة التي يعيشون وسطها، وهم ما زالوا يحلمون بالخلاص. يدهشون من قدرتهم على التحمل من كم الألم مقابل الأمل.. دهشة تشبه دهشة أهالي مدينة حمص عند دخول الأحياء التي ظلت محاصرة مدة عامين، عاش مقاتلوها ومن علق من المدنيين داخلها الجوع حد الموت، إلى أن خرجوا باتفاق بين المحاصرين والنظام، ليدخل الأهالي ويصدموا بحقيقة الدمار الذي خلفته قذائف النظام على أعرق أحياء المدينة.


منذ الرصاصة الأولى وحتى اليوم..

هي ذاتها دهشة المجزرة الأولى في كرم الزيتون، والدهشة أمام أجساد ضحايا مجزرة الحولة، وصولاً إلى دهشة مجزرة الكيماوي في أغسطس/آب 2013، والاصطدام بواقع عقم المجتمع الدولي الذي لم يحرّك ساكناً أمام فاجعتهم.

دهشة الفاجعة التي يعيشها السوريون منذ بداية الثورة في مارس/آذار 2011 لم تفعل فعلها معهم.. بل صعدت إرادتهم، أشاحوا بوجوههم أمام الألم بدءاً، ومن ثم انتفضوا نحو الخطوة التالية، تماماً كما أشاحوا بوجوههم عن صور ضحايا التعذيب في سجون النظام السوري ليعودوا ويبحثوا عن وجوه من أحبوا يوماً، وهكذا بدأت الأسماء بالظهور، 15 شاباً من داريا وحدها، منهم حسام شما ومحمد نمورة ويحيى مطر وعلاء مطر ومازن حبيب، وشاب آخر من دمشق بشار الدباك وأسماء أخرى بدأت ترد تباعاً عن صور لجثث اكتفى النظام بترقيمها ليبدأ السوريون بإصرار إعادة الأسماء لأصحابها، رفضاً لتحويلهم إلى "مجرد" أرقام.


نصل على رقبة الثورة

أكثر من 215 ألف معتقل عند النظام، بحسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مع صعوبة كبيرة في الوصول إلى معلومات دقيقة حول ملف إنساني بحت، استخدمه النظام لتقويض الحراك والقضاء على بوصلة العقل فيه، إذ ومنذ الأيام الأولى للثورة أطلق سراح متشددين باتوا قادة لمجموعات مقاتلة، وفي المقابل قتل النظام ناشطين سلميين في معتقلاته كانوا قادة للمظاهرات، منهم غياث مطر الذي قدّم الورود والماء للجيش الذي يوجه البندقية نحو صدره العاري.

معتقلات النظام لم تبرد الدماء فيها، فقيصر الذي حمل في جعبته شهادة وفاة لـ 11 ألف معتقل، لم يقم بجولة استطلاع في معتقلات النظام كلها، كذلك لم يتمكن من أن يوثق ألم الموت عذاباً بعد انشقاقه، هذه المعتقلات التي تضم اليوم الكثير من الناشطين الحقوقيين والسلميين في الثورة السورية كمازن درويش وخليل معتوق وعبد العزيز الخير وفائق المير، وآلاف من السوريين الذين كان ذنبهم الوحيد هو الدعوة إلى الحرية لا أكثر ولا أقل، سوريين ينتمون إلى مشارب وطوائف مختلفة، يثبتون كم هي الثورة بريئة من تهم النظام "الإرهاب والتشدد"، هم وحدهم من يستطيعون أن يثبتوا للمجتمع الدولي أن قدرة الصبر لدى الثورة كبيرة جداً وتتفوق على برودة ضمائرهم.

حرم النظام السوري الثورة من أصوات كانت تهديها الصبر والأمل والعنفوان، شخصيات كرمت دولياً، وأطفال لم يتعرفوا على ألوان الحياة الأولى، كما في حادثة اعتقال عبد الرحمن ياسين وزوجته رانيا العباسي مع أطفالهما الستة، وانضم إلى النظام السوري في سياسته تنظيم الدولة الإسلامية إضافة إلى بعض الكتائب المتشددة، وهكذا بات الخوف من الاعتقال الهاجس الأول لدى السوريين في كل مكان، الهاجس الذي يستطيع المجتمع الدولي التخفيف منه بالضغط للإشراف على المعتقلات أو المطالبة بزيارات دورية من المنظمات الدولية، لكن عوضاً عن ذلك يُبقي المجتمع الدولي على كل أوراق العنجهية بيد النظام السوري، ويلقي نظرة على ضحاياه وببرود غريب يتابع استنكار استخدام سلاح محرم دولياً أصلاً "غاز الكلور" من دون أن يشير، ولو لمجرد الإشارة، إلى المجرم المعروف للجميع.


أسماء لا أرقام

قتل النظام والمجتمع الدولي في السوريين روح الاستسلام عوضاً عن زرع الانهزام، المطالبات الخجولة بمعتقلي الرأي تحولت اليوم إلى حملات كبيرة تنتشر في العالم أجمع، من مبدأ لم يعد أحد يسمعنا فلنرفع الصوت عالياً، ملف إنساني كان كحد السيف على رقاب الثوار، لذا فالاستمرار شرط لأجل كل من صرخ في سجون النظام حتى الموت، ألم يتحملوا كل هذا الألم لأجل لحظة الحرية؟!.. فلا مهرب إذاً. السوريون لا يملكون الكثير من الخيارات، وعلى أبواب السنة الخامسة لثورتهم، يلتفتون إلى صور ضحايا التعذيب، يمحون الأرقام ويعيدون تركيب الحروف لتصنع أسماء المجد الذي يترقبونه ولا يتوقفون عن الإيمان بأن هذا العام سيحمله لهم.


(سورية)

المساهمون