علاقات خالد يوسف الدوليّة.. هكذا أتتني الرؤيا

18 مارس 2015
أميركا أوجدت إسرائيل شاباً يافعاً يمارس العنف
+ الخط -

مشاهد لأب يتشاجر مع ابنه ويصفعه، وإخوة يتقاتلون، وبنت بريئة تغتصب، وفتاة ليل تظهر أنيابها.. ثم يظهر بخط أصفر عريض "علاقات دولية"، تحته بخط أصفر رفيع كلمة "للكبار فقط"، تصحبه خلفية سوداء.. ثم تختفي الخطوط كلها ويكتب "فيلم..لخالد يوسف".

"علاقات دولية".. نعم رأيتها "دولية"، ليست علاقات "خاصة".. لأن الرقابة قالت إن فيلماً بنفس الاسم، أنتج عام 2007 وكان للكبار فقط أيضاً، وليست علاقات "مشبوهة" لأن فيلماً بنفس العنوان أنتج عام 1996.. ربما للحظ السيئ بقيت الكلمة "علاقات دولية".. ومن الاسم، يظهر للمشاهدين أنه "للكبار فقط" مثل كل العلاقات، ومثل كل أفلام خالد يوسف..

شاهدت فيلماً منذ أسابيع "نظرية كل شيء"، والذي يسعى فيه العالم "ستيفن هوكينج" إلى الوصول إلى نظرية واحدة، باستطاعتها تفسير كل ما يحدث في الكون من ظواهر، وبذلك يمكن للإنسان أن يعرف كل شيء، فلا يحتاج لإله.. بدأ هوكينج عمله من قرار مراقبة تمدّد الكون، وقرر أن يرجع الشريط، ليرى البداية، ليعرف لحظة تكوّن الكون..

دعك من الفقرة السابقة، أنا لست مهتماً بالـ" كوزمولوجي" قدر اهتمامي بـ "فيزياء الكوانتم"، والحق أنني أوردت الفقرة السابقة لا لشيء، إلا لأني فعلت ما فعله "هوكينج"، أجريت تجربة عكسية، لأرى كيف هي العلاقات بين الدول، إذا اعتبرنا الدول أشخاصاً، الطريف أنني حين فعلت ذلك، أتتني الرؤيا المذكورة أعلاه.. ورأيت المخرج خالد يوسف..

الفيلم يبدأ بمقدمة تاريخية للأبطال، وعلاقاتهم، تأخذ المقدمة ثلث الفيلم، مقدمة سردية، تتعاقب فيها الأجيال بسرعة، حوارها وعظي مباشر.. دعنا ندخل في الموضوع..

بريطانيا وجدت إسرائيل، والذي كان لصاً شريداً، قررت أن ترعاه، ليس ابتغاء مرضاة الرب، لكن لتلقي به خارج قصرها، ولتجعل شروره ضد خصمها الأقوى الذي كان عجوزاً مريضاً.. أستطيع أن أرى بريطانيا امرأة طويلة بزيّ رسمي دوماً، وإذا كانت في منزلها تكون بـ "روب" حرير أنيق مكوي بعناية، وتقوم بدورها رجاء الجداوي.. إسرائيل يقوم بدورها طفل لا أحد يعرفه..

أميركا وجدت إسرائيل شاباً يافعاً، يمارس العنف، "قلبه قاعد" كما يقول المثل الشعبي، ضمته إلى عصابتها، وأستطيع أن أرى أميركا سيدة بيضاء تمسك الشيشة، ضخمة الجثة، ربما تقوم بدورها روجينا.. وإسرائيل أصبحت عمرو سعد (أيام التشرد)..

مصر تعيش في غرفة واسعة فوق السطوح، فتاة جميلة، بريئة بقدر جمالها، طاهرة بقدر جميل، قدر يكفي أن يطمع فيها الخلق كلهم، تشبه هيفاء وهبي، أو تشبه وفاء عامر حين كانت شابة، من ستقوم بالدور؟ لا أعرف.. المرشحات لدور مصر كثيرات، لن تنال الدور سوى أكثرهن قدرة على الإغراء، هكذا عوّدتنا مصر، وعوّدنا خالد يوسف..

وعلى ذكر الإغراء، الكثير من الناس يدخلون أفلام خالد يوسف، لا للقصة، بل للمناظر، والفيلم كان إعلانه واضحاً، للكبار فقط، فأين مشاهد الكبار فقط؟ حسناً قارئنا العزيز، سننتقل بك الآن إلى هذا القسم..

رجاء الجداوي (بريطانيا) تقرر أن تبني دوراً فوق السطوح فتصعد إلى مصر، وتهددها، فتحبس مصر، وتطردها، وتقول لها في عبارة ميتافورية "أنا محروسة ومش هتقدري تلمسيني".. في اليوم التالي تغتصب رجاء الجداوي/مصر! لا تسألني كيف؟ ثم تجعلها خادمة عندها لفترة طويلة، ثمانون عاماً..

تمرض بريطانيا، وفي نفس الوقت تدعو مصر الله ليلاً في مشهد يملأ خلفيته قمر أصفر، أن يوفقها لما يحب ويرضى.. فلطالما كانت متديّنة..

تنزل مصر لتشتري حاجيات من الشارع، لزوم البيت والأولاد، عيش وجبنة، وفول طبعاً (التفاصيل الصغيرة تلك هامة في أي فيلم).. تراها روجينا/أميركا فتراودها عن نفسها.. تصرخ بها.. "كلكو عايزين جسمي!" ثم تتابع "مشوفتيش اللي بييجي عليا بيحصل له إيه؟ مشوفتيش بريطانيا!..أنا محروسة ومحدش يقدر يلمسني"..

تقرر روجينا الدفع بعمرو سعد/إسرائيل في هذه اللحظة، وهو شاب يافع كما قلنا "يفوت" في الحديد، ومصر، على حد تعبير روجينا، "بت قادرة.." يتخيل عمرو سعد بعض الخيالات المريضة ثم يصعد إلى السطوح.. يحاول أن يفعل مثلما فعلت بريطانيا.. ينتصر ويفوز بجولة، لكن تحدث بعض الظروف الخاصة لمصر وتتوصل لاتفاق يرضي روجينا، فينسحب عمرو أخيراً.. على وعد بالإبقاء على العلاقة طيبة.. "خلينا أصحاب من بعيد لبعيد، أو اعمل اللي انت عايزه، بس تضبطني عند روجينا".

في لحظة ما من الفيلم تقرر مصر أن تغازل ابن خالها من دول الخليج الذي أحبها دوماً، نعم تغازله، غزلاً حيياً طبعاً.. لماذا؟ لأنها طاهرة وبريئة.. بدأت تفهمني؟

يغدق عليها أخوان من العائلة بالمال وتجهيزات المنزل، ويقولان لها "متنزليش الشارع تاني، الناس بقوا وحشين واحنا خايفين عليكي"، تقول سيدة حكيمة لمصر: "يا بنتي مفيش حاجة ببلاش، وكلهم رجالة، وانتي عارفة هم طمعانين في إيه"..

كانت مصر عارفة جيداً "هم طمعانين في إيه"، لكنها كانت، لا مؤاخذة، راضية، وافقت على الارتباط سراً بأحد الأخوين، تقول مصر: "إداني كتير، مش فلوس بس لأ.." تصمت للحظة ويبدو عليها التأثر.. تستكمل "إداني حاجات تانية أنا عارفاها كويس" وربما يعرف المشاهدون أيضاً "الحاجات التانية" تلك..

مصر التي لا تستمر علاقاتها مع أزواج آخر خمس سنوات، تقرر أخيراً الارتباط..

نتحول إلى مشهد مصر في قاعة احتفالات في مسجد الشرطة، مع الرجل الأمير صاحب المال و"الحاجات التانية"، يقطعون "التورتة".. وتقف مصر بكسوفها المعتاد.. في احتفالية "ع الضيق"، تبتسم يتورد وجهها خجلاً.. يميل عليها الرجل ويهمس في أذنها فيزداد كسوفها بابتسامة أعرض، أكثر اصفراراً..

يقطع المشهد على غرفة نوم، ولسبب ما لا يعلمه أحد يقرر خالد يوسف ألا نرى ما حدث في المشهد، ربما لأنه يخبئ لنا "بلوت تويست" قريبة..

يظهر مشهد تالي للرجل الأمير وهو واقف في البلكونة يشرب السيجارة، وإذا كنت عزيزي القارئ لمّاحاً بالقدر الكافي، فقد فهمت لماذا حذف خالد يوسف هذا المشهد في المونتاج، نعم، لأنه لا يحوي أي إثارة.. ثم يقطع المشهد إلى آخر مشهد، والذي يبدو بحركة الكاميرا الهادئة واللقطة الـ "كلوز" أنه يحمل هو الآخر "بلوت تويست" جديد..

مصر في الحمام، تمسك بتحليل الحمل المنزلي بعد يوم طويل من القيء، إنها تعلم تماماً أن زوجها الأخير "مش قادر يدّيها" سوى المال الذي كانت تسعى إليه، تنظر في الشريط لتجد أنها حامل فيزداد تعجبها، وتتساءل!..

تدور ذاكرتها مع مشاهد فوتومونتاج سريعة متتالية لعمرو سعد، ورجاء الجداوي، وروجينا بالطبع.. ومشهد يتيم للرجل الأمير بالسيجارة يشعر بحسرة، ثم يتركنا خالد في حيرة، وينهي الفيلم بعنوانه كما بدأ به.. "علاقات دولية".

تختفي الصورة تدريجياً نحو الأسود.. ويكتب.."لخالد يوسف"..


(مصر)

المساهمون