يون كالمان ستيفنسن على الكاتب أن يكون متشكّكًا

06 يناير 2015
+ الخط -
كان في الخامسة من عمره عندما فقد الكاتب الآيسلندي يون كالمان ستيفنسن والدته. عكف بعدها على قراءة كتب كان يستعيرها من مكتبة كيفلافيك، المدينة التي قضى فيها سني مراهقته. هو من الكتّاب المؤمنين بقدرة الأدب على تحسين المجتمعات والتأثير فيها. ويجد أن الأدب، كأي فنّ، يحمل التزاماً أخلاقياً كبيراً تجاه الإنسان وهدفاً لتغيير السياسات حينما يتعلّق الأمر باللحظات التاريخية الكبرى.

-أنت من جزيرة عدد سكانها ضئيل جداً، لها نظامها الاجتماعي وخصوصيتها السياسية والتاريخية. كيف ينعكس برأيك كلّ هذا عليك ككاتب إذ تضطر في مثل هذه الحالة، إلى التعامل مع هذه الشخصية كموضوع للكتابة؟

عاش الآيسلنديون لفترة طويلة بعيدين عن كلّ شيء، محاطين فقط بالمحيط. لم يكن لدينا جيران جغرافيون. فالجيران يؤدّون دوراً في تحديد من أنت وما أنت وماذا تريد أن تصبح؟ يمكن للجيران أن يمثّلوا تهديداً أيضاً، لكن قد يكون لهم دور إيجابي. كلّ هذا جعلنا نتسم بشعور الاكتفاء الذاتي. فنحن مثل العديد من أهل الجزر؛ واثقون من أنفسنا ومميزون. وفي الوقت نفسه، خائفون جداً أن نكون غير مميزين بالقدر الكافي. وهو ما يحثّنا على سؤال الغرباء "أتحبون آيسلندا؟". وبما أن المحيط هو البيئة التي تحيطنا من كل الجوانب، فإن الطبيعة، وأعني اليابسة والبحر والطقس معاً، يمكن أن تكون في غاية القسوة أحياناً، الأمر الذي يشعرك أنك في نزالٍ دائمٍ معها. في القرن الثامن عشر، تدنى عدد السكّان إلى ثلاثين ألف نسمة فقط. ساهمت هذه الطبيعة بشكلٍ كبيرٍ في تحديد شخصيتنا وطباعنا.

-ألهذا الإنسان في صراع دائم مع الطبيعة في رواياتك؟

لطالما عدّ الآيسلندي نفسه فوق الطبيعة. لم يكن يأبه لصوتها أحياناً. كان ذلك يعني الموت حتماً. علينا أن نرقص على موسيقى الطبيعة. لا خيار لدينا، حتّى اليوم. أصبحت الطبيعة مصدراً ثقافياً من خلال تسلّلها إلى الأدب. لكنها كمرجعٍ بيئي، تداخلت مع ما استوردته آيسلندا من مظاهر القرن العشرين الحضارية، أوائل الأربعينيات مع وصول الجيش البريطاني إلى الجزيرة. لم تتسنَ لنا الفرصة لامتصاص القرن العشرين تدريجياً. كان الأمر أشبه بصدمة لم نتعافَ منها حتى الآن، ما نزال نشعر بالتشوش. 

- تكتب عن أحداث ماضية بلغةٍ معاصرة، مجرّبة إلى حد ما. كيف تنظر إلى هذا التداخل بين تاريخ الكتابة ورشاقته وزمن الحدث وصلابته؟

لا أرى في ذلك تعارضاً. لم أفكّر يوماً بكتابة روايات تاريخية. ما أكتبه روايات فقط. هذا ما أفكّر به. لجأت إلى مراجع تحوي لغة قديمة. وتمكّنت دوماً من فصل لغتي عن لغةِ المادّة التي أمامي. وفي رأيي يمكن أن تكون الروايات التاريخية شديدة الخطر على الكاتب، قد تبتلعه، إذ ثمّة الإحساس بالزمن، الذي قد يدفع الكاتب ليكون متشوّقاً لإظهار معرفته، فيتوّرط بالزمن لا بالشخصيات. ما يهمني الكشف عن الشخصيات، ورواية قصصهم. في رأيي ثمة زمن واحد هو الحياة. لكننا نجعلها أقساماً وحقبات؛ حاضر وماضٍ ومستقبل، إذ إن فكرة الموت تزعجنا. شخصياتي تعيش في زمن الحياة.

- في ثلاثيتك "الجنّة والنار"، نمرّ بشخصية الصبي الذي لا اسم له. هل ثمّة أبعاد رمزية لهذه الشخصية، كونها شخصية الفتى المغامر الذي يدخل في صراعات وجودية جمّة، منها ما له صلة بالإنسان أو الطبيعة أو المحيط؟

في حالتي، عندما يتعلّق الأمر بالأدب، لا يمكنك أن تحسم أمرك مطلقاً. لم أختر اسماً لهذا الصبي. وبعد أن كتبت حوالي أربعين صفحة، أدركت أن هذه الشخصية لا اسم لها، وقرّرت الإبقاء عليها بهذا الشكل. علي الاعتراف بأنني لم أفكّر كثيراً بأبعادها. كنت منغمساً بالكتابة فقط. بعد نشر الكتاب، بدأت الأسئلة تتوالى حول شخصية الصبي. وتوصلتُ إلى النتيجة نفسها التي خلصتَ أنت إليها في سؤالك. هذا أحد أبعاد الأدب السحرية. يمكن أن يكون ذا أهمية كبيرة أو أن يكون أكثر حيوية من الكاتب نفسه. هو بهذا المعنى فوق أفكارنا، وأيضاً هو البطانة التي تحمل هذه الأفكار. كأن هناك محيطاً داخلك وما اختبره جيلٌ بأكمله يمكن أن يكون مختزناً فيك. وربما لا. 

- هل توافق أن الإنسان يمكنه عيش تجربة المعاناة نفسها التي قد يعيشها إنسان الحروب، وإن في ظروف مختلفة؟

أتذكّر أن مخرجاً سينمائياً معروفاً، ربما من روسيا، زار مرة آيسلندا، وقال "لا إمكانية للآيسلنديين لأن يصنعوا أفلاماً عظيمة. لأنك لا تجد ألماً في الشارع". لكن فريدريك - ثور، وهو مخرج آيسلندي معروف، قال له "لكنّ هناك ألماً في الدماغ". هذه إجابة ذهبية. الناس جميعاً يعانون بشكلٍ أو بآخر. عليك ألا تفقد إيمانك بالحياة. ليس هناك نصف معاناة أو ربع معاناة. البعض يعاني من دون أن ينزف دماء. رغم أن المجتمع الآيسلندي يوفر منسوباً من الراحة قياساً بباقي المجتمعات، إلا أن البقاء على قيد الحياة يحضر كمسؤولية كبرى. ليس سهلاً أن تكون إنساناً صالحاً. طفولتي كانت في ركيافيك. توفيت أمي وأنا في الخامسة. وتولّت زوجة أبي لاحقاً تربيتي. لكن ذاكرتي في الحقيقة سيئة، إذ لا يحضر أمامي كثير من مشاهد الطفولة. أتذكّر أنني قرأت كثيراً وأنا طفل. كنت أغوص فيها. وكانت ملجأ لهروبي، وجلّ عالمي تقريباً. تعرّفت إلى اللغة من خلالها، إلى النفس والتاريخ والأمكنة والشعوب. غالباً ما أردّد في ندواتي خارج آيسلندا، أن الشعوب الأوروبية والأميركية لو عرفت أكثر عن الأدب العربي والثقافة العربية، لكان لما يحدث في العالم اعتبارات أخرى. 

- كنت تسرق البسكويت وتأكله وأنت تقرأ الكتب التي تستعيرها من المكتبة. هل حدث أن سرقتَ كتاباً؟

مرّة واحدة. لكني شعرتُ بذنبٍ كبيرٍ، فأعدته إلى مكانه في اليوم التالي من دون أن يراني أحد. بالنسبة إلى البسكويت، الأمر مختلف. لم أشعر أن سرقة قطعة بسكويت جريمة. كان الأمر يثير استغراب زوجة أبي، حين أعود إلى البيت ولا أكون جائعاً وقت العشاء. 

-أن يكون لك ذاكرة سيئة، هل هذا سيئ أم جيد لك ككاتب؟ 

برأيي الأمر مفيد لي ككاتب. إن كنت تتحلّى بذاكرة جيدة جداً، فإنها ستقف عائقاً أمام مخيلتك. إذ ستلجأ دائماً لتصوّر كيف كانت الحياة، كما هي بالضبط. وسيكون من الصعب عليك تحويرها. أما بذاكرة ضعيفة، فإن بإمكانك ابتكار قصصك وصناعة مخيّلتك، وهو ما يؤمّن لي حرية أكبر في الكتابة، ويجعلني أشعر أنني قادر على كتابة الرواية. لكن الأمر محرج أحياناً حين يتعلّق الأمر ببعض المواقف الشخصية.

- هل ثمة كتب أضاءت شخصية الكاتب فيك وأنت لا تزال صغيراً؟

لقد بدأت الكتابة متأخراً. في سن الثانية والعشرين. يعدّ هذا عمراً متأخراً للكتابة في آيسلندا. تركتُ المدرسة، وعملتُ في مصنعٍ للأسماك ومسلخٍ للحوم مدّة ثلاث سنوات. لكني فكّرت دوماً أن لا بدّ من أن يكون هناك هدف لحياتي، وعليّ تحقيقه. في أحد الأيام، شاهدت برنامجاً علمياً عن الكون على التلفاز، ذُهِلت، وهذا ما غيّر حياتي. فقررت العودة إلى المدرسة ولأصبح عالم فضاء. كنت مدهوشاً بالكون، وأردتُ اكتشاف العالم. لكني أدركت لاحقاً أن ذهني ليس مصنوعاً للعلوم. فعدت إلى القراءة بوتيرةٍ أكبر، لأكتشف بأنني أجيد كتابة الشعر وأنني شاعر! لكن الكون الفسيح الذي كنت مفتوناً به، أدركت أنه موجود أيضاً في الخيال وفي الشعر وفي الكلمات. بالكلمات، أردتُ تسليط الضوء على العالم. 

- هل تواجه صعوبات وأنت تكتب، هل تشعر بالإحباط، بالغضب، إلخ..؟

لا، لم أشعر يوماً بالغضب. لكني أواجه صعوبات كلّ يوم. ليست الكتابة بالأمر السهل. على الكاتب أن يكون متشكّكًا. إن لم يكن كذلك، فهذا يعني أنه في مأزق كبير. عليك الشكّ في أن ما تكتبه جيدٌ نسبياً. برأيي، على الكتابة والفنون أن تحمل هدفاً. عليها أن تكون على قدر من الأهمية، وأن تسعى لترك تأثير على الحياة، وأن تحيل أمكنتنا فضاءات أفضل، أن تجعل العالم مكاناً أفضل للعيش. لا أقصد القول إن على الأدب نفسه أن يكون فاتناً. فالجماليات نصل إليها تباعاً، بالقراءة والكتابة. إن كان المرء يكتب من أجل الشهرة أو طمعاً بالأدب نفسه، فهذا يعني أن لديه ثقباً في قلبه. عندما كنت صغيراً، كنت أحلم بإنقاذ العالم. أتعرف طرزان الشخصية المصوّرة؟ قرأت كلّ قصصه حين كنت في السابعة أو الثامنة، وأردت أن أصبح صديقه لأنه قوي. آمنت أنني، أنا وطرزان معاً، يمكننا إنقاذ العالم. لا بدّ أن طرزان غدا الآن عجوز جداً. كنت ساذجاً، سذاجةً ملّحة وطارئة. لكن لا يزال عندي هذا التوجه أو الحلم. له قوّة كبيرة في داخلي، هو يحركني، ويدفعني قدماً للكتابة. بالتأكيد، أحيط كلّ يوم كلّ ما أكتبه بالشكوك؛ هل لكتاباتي أهمية؟ لكن، عليّ الإيمان بنفسي، والمتابعة. عليك أن تؤمن بشيء ما، كي تبقى قادراً على الاستمرار. 

- كيف هي علاقتك بالقصة القصيرة؟ خصوصاً أن رواياتك مكتوبة بشكل فصول، كلّ منها مقفلٌ بصورة محكمة، لكأنّه قصّة قصيرة مستقلّة.

ربما يتعلّق الأمر بحقيقة أني لطالما أردتُ كتابة القصة القصيرة وأحببتها. إلا أنني كنت أخفق في كلّ مرّة، فما إن أبدأ بكتابة قصّة قصيرة، حتّى ينفلش الموضوع ويتنامى ليأخذ اتجاهات مختلفة، لأجد نفسي أمام رواية. بدأت حياتي الأدبية شاعراً، ونشرت ثلاث مجموعات شعرية. كنتُ على يقين بأنني لن أتمكن من كتابة الرواية. لم أكن أعرف كيف تُكتب الرواية. ثمّ، بلا تخطيط مسبّق، وجدتُ نفسي في مرحلة ما، أشرع بكتابة الرواية. أنجزت روايتين، وكانتا بالغتي السوء في رأيي، فركنتهما جانباً، ولم أسع على الإطلاق إلى نشرهما. بدأتُ أستسلم وأفقد الأمل. كانت أوقاتاً صعبة. كان بإمكاني رؤية الكتابة في داخلي، لكن لم يكن بمقدوري إخراجها إلى الورقة. فقررت كتابة قصّة قصيرة، حول بعض الذكريات في إحدى القرى الآيسلندية. لكن القصّة تحوّلت إلى ثلاثية روائية. بعد ذلك كتبت روايتين. وعندما انتهيت، حاولت مرّة جديدة كتابة قصّة قصيرة وهي أيضاً تتعلق بواقعة حدثت في إحدى القرى في آيسلندا، فانتهى بي الأمر، مفرّغاً رواية كاملة على الورق. يبدو لي أن تقنيتي في الكتابة، لا تفضي بي إلى القصة القصيرة بل إلى الرواية. أتمنى كتابة القصّة يوماً، لأنها أحد أشكال الدب الأكثر قوة، يمكنك قول الكثير فيها. وهي في الوقت ذاته لا تحتاج ذلك الوقت الطويل الذي تستغرقه رواية. هذا الشكل المتأرجح بين الرواية والشّعر يثير اهتمامي. ومن هنا أيضاً، أسعى وعن قصدٍ لإعمال الشعر في الرواية، فتقنية القصيدة أحياناً تحضر لدي عند كتابتي الرواية. 

- هل هذا يعني أن الشاعر يون كالمان يعاون الروائي يون كالمان في كتابة الرواية؟ 

في الواقع، لم يعد بمقدوري كتابة الشعر. أشعر بالأسف لذلك. فأنا أحبّ القصيدة وهي تشكّل قوتاً يومياً من قراءاتي. لكني عندما أكتب، أكون الروائي والشّاعر معاً. أجل. الشاعر والروائي فيّ، يكتبان الرواية. يتعاونان معاً ويكتبان في الوقت نفسه. إنهما جيدان للغاية في العمل معاً، لذا لا أفرّق بينهما، ولا أعطي الأفضلية لأحدهما على الآخر. 

- هذا يعني أن طرزان الذي فيك لديه صحبة أخيراً؟

هذا صحيح. أخيراً. وهي صحبة قوية جداً (يضحك). 

- هل قرأت شيئًا من الأدب العربي، خصوصاً وأنك مترجم أيضاً؟

- لم أقرأ كثيرا من الأعمال الروائية كما أذكر. لطالما كانت علاقتي بالشعر العربي أقوى وأعمق. حتّى أنني حاوت ترجمة بعض القصائد لشعراء عرب إلى الآيسلندية. السنة الفائتة، صدر لي كتاب مختارات من الشعر العالمي، بعنوان "في حراسة نجمة"، وهو مجموعة من القصائد لشعراء عالميين اخترتها بنفسي ونقلتها إلى الآيسلندية. والكتاب يتضمّن قصيدتين لمحمود درويش. كما أنني حاولت ترجمة بعض قصائد أدونيس. طبعاً، اطلاعي على الشعر العربي كان عبر الترجمة الإنكليزية أو السويدية. كان الأمر بالنسبة لي تجربةً مثيرةً للاهتمام. إضافة إلى الفائدة الأدبية التي يوفرها الاحتكاك بأساليب شعرية وكتابية من العالم. لكن، وجدتُ نفسي منغمساً أكثر في ثقافة العالم العربي وتاريخه. كان الأمر بمثابة صعقة، كلّما تشرّبت جماليات الاستعارة والمجاز في هذا الشعر. شعرتُ أن صدى ما أقرأه بالعربية، يتردّد في رأسي. قد أكون على خطأ، لكن أظنني الآن أكثر فهماً لهذا الشعر. لطالما كنت مهتمّاً بالترجمة والأدب، الترجمة من أهمّ النشاطات الأدبية، إذ تؤمّن جسوراً ثقافية بين الشعوب. صحيح أن النصّ الأصلي يخسر شيئاً ما، لكنه يمكن أن يُمنَح في اللغة الجديدة مكتسبات أخرى. لولا الترجمة، لما كان هناك أدب عالمي. معرفة الآخر، من خلال الاطلاع على أدبه، تبدو ملحة اليوم في ضوء الظروف التي يشهدها العالم. لدى الأدب هذه القدرة على جعل القارئ يفكّر بنفسه بطريقة جديدة كلياً. 

- هل تتابع ما يحدث في العالم العربي اليوم؟ 

نعم، أتابع ما يحدث. ليس بشكل عميق، لكن يومي. العالم العربي يثير اهتمامي، دعني أقول، إن الناس في العالم العربي عانوا كثيراً، لطالما كانوا دائماً، أو وُضعوا قسراً، في مركز أحداث التاريخ. وحين تكون في مركز الحدث السياسي، فأنت ستعاني أكثر من البقية. الإنسان يمتاز بكياسته ولطفه، لكن، يمكنه أيضاً أن يكون شريراً ولئيماً ومغرضاً. وهذا اللؤم أو القسوة يأتيان من جهل الآخرين بنا، وامتناعهم عن فهمنا. قد أزور القدس العام المقبل. لدي صديق يعمل هناك وسأمكث عنده لبعض الوقت. ستكون زيارتي الأولى للشرق الأوسط. أشعر طبعاً ببعض القلق لتوتّر الوضع الأمني هناك. لكن لا بدّ من الذهاب. عندما أنظر إلى إصرار الناس على متابعة شؤونهم اليومية، وشغفهم في مواصلة الحياة، فإن هذا يدلني على جوهر الإنسان. إنه مستعد لتحمّل المصاعب ومواجهتها، وفي الوقت عينه مواصلة حياته بالشكل الاجتماعي المتاح. ينطبق الأمر نفسه على الناس في بيروت، والعراق أيضاً. يمكننا تذكّر ما حدث قبلاً في ألمانيا مثلاً في ظلّ الحكم النازي. وهنا يأتي دور الكاتب والفنّان برأيي. لا بدّ أن يحضر وأن يلفت الأنظار إلى أن هناك وضعاً سياسياً شاذاً أو مأساةً تحدث. 

- ورد اسمك في لوائح نوبل للآداب لهذا العام، ما شعورك؟

أظن أن للأمر علاقة ببعض النقد الجيد الذي طال رواياتي. لكني ممتنّ جداً لذاكرتي الضعيفة، إذ تؤهلني لئلا أتذكّر أي شيء من هذا النقد. فلا تسمح له تاليًا أن يدور في رأسي، ممّا يمكنني من متابعة الكتابة بالشكل الذي أريده ومن دون تأثر برأي أو بفكرة حول إنتاجي الأدبي. حين يمدحني أحد، أشعر بأن عليّ الحديث عن شيء آخر. قلبي يطفح بالسعادة طبعاً. جائزة نوبل للآداب شيء مثير للاهتمام. لكنها لا تغيّر علاقتي بالكتابة. في الصباح أجد نفسي أمام ورقة وقلم، ولا يمكن لشيء أن يساعدني على الكتابة إلا نفسي، لا النقد ولا الجوائز ولا عدد القراء. فالمسافة أحياناً، تكون بعيدة جداً بين الكلمات التي في رأسك والورقة. 

- بعت حقوق ثلاثيتك الروائية "الجنّة والنار" لتصبح فيلمًا سينمائياً. هل أنت خائف؟ وإلى أي مدى تثقّ باقتباسات السينما للأدب؟ 

لستُ خائفاً، لأن الكتاب سيظلّ دائماً موجوداً في المكتبات. كما أن الفيلم سيكون مستقلاً نوعاً ما عن الرواية. إنه مجرد اقتباس، اقتباسٌ درامي مبني على الرواية، وليس تنفيذاً للرواية بحذافيرها وتفاصيلها. وهو ما يبعث فيّ الاطمئنان. لن تجد قارئين يقرأان الكتاب بالطريقة نفسها. ومن المفترض أن الفيلم سينسج عالمه بعيداً من صورة الثلاثية، الأمر الذي لن يهدّد الكتاب. أمّا بالنسبة لاقتباسات السينما للأدب، فأقول لك إنني عندما أقرأ كتاباً ما، لا أجد نفسي مهتمّاً على الإطلاق بمشاهدته على الشاشة.
المساهمون