المواجهة: هل توظيف العائدات النفطية سليم في الجزائر؟

28 يناير 2015
+ الخط -
تطرح آلية توظيف العائدات النفطية سجالات عديدة في الدول المنتجة، ومنها الجزائر، حيث يتصاعد النقاش حالياً حول هذه القضية بعد الانخفاض العالمي للأسعار، بين من يعتبر أن توظيف الإيردات النفطية كان جيداً، ومن يؤكد عكس ذلك

مهماه بوزيان: الجزائر أحسنت توظيف عائدات النفط

اعتبر الخبير الاقتصادي والنفطي مهماه بوزيان، أن العشرية الأخيرة من تاريخ الجزائر، عرفت توجه أصحاب القرار في الجمهورية، إلى العمل على تدعيم وتعزيز ركائز "الدولة الاجتماعية" عبر الإفادة من عائدات النفط، وخاصة الشق المرتبط بدعم الطبقة المتوسطة، باعتبارها المحرك الأساسي للتنمية المستدامة، وقيمة مساهمتها في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني. 
وقال الخبير بوزيان في تصريحه لـ"العربي الجديد" إن الدول الجزائرية خصصت لذلك ميزانية ضخمة من عائدات البلاد من النفط. وشدد على أن هذا التوجه، كان ولايزال يصبو إلى خلق فرص الشغل والقضاء على البطالة، حيث تقلصت نسبتها من 30% سنة 1998 إلى 9,2% خلال العام الماضي.
وأوضح المتحدث ذاته، أن هذا الخيار مكن الدولة الجزائرية من توفير مداخيل مهمة للأسر، ما انعكس إيجابياً على تشجيع الاستهلاك الداخلي، الأمر الذي حرك السوق والعملية الانتاجية الوطنية. وأكد بوزيان أن صرف الدولة لعائدات النفط بهذه الطريقة، خيار صائب، لما له من أثر جيد على الجانب الاجتماعي، الذي "خلق نوعاً من السلم بالبلاد، وجنّبها الاحتقان والمشاكل الاجتماعية".
وأضاف بوزيان، أن الجزائر وباعتمادها على عائدات النفط استطاعت توفير مليوني مسكن موجه لمختلف الفئات الاجتماعية، داخل المدن والأرياف. وأورد في حديثه، أن الفترة المقبلة ستشهد تشييد 1.6 مليون وحدة سكنية جديدة، للقضاء على مشاكل السكن نهائياً بحلول سنة 2019، واعتبر المتحدث ذاته، أن هذا المخطط "يعد وحده إنجازاً غير مسبوق، ويظهر أن دولة الجزائر توظف بشكل جيد عائدات النفط لدعم حاجيات مواطنيها".
ولفت الدكتور بوزيان خلال دفاعه عن حرص الجزائر في صرف عائدات النفط طيلة الفترة الماضية، إلى مسألة دعم القدرة الشرائية للمواطنين، عبر الزيادة في أجور موظفي وعمال القطاعين العام والخاص. حيث قفز الحد الأدنى للأجر الوطني من 8000 دينار (قرابة 58 دولاراً) نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلى 18 ألف دينار (قرابة 197 دولاراً) نهاية سنة 2012. وأضاف أن هذه الخطوة، صاحبتها مواصلة دعم المواد الاستهلاكية الأساسية، وشدد على أن أسعار المحروقات في الجزائر هي الأرخص في العالم.
وأشار الخبير النفطي إلى أن الدولة أنجزت خلال العشر سنوات الأخيرة، شبكة طرقات واسعة وجسور وسدود في إطار تعزيز البنية التحتية. "ولعل أبرزها الطريق السيار شرق غرب، وخط توصيل الماء الصالح للشرب إلى ولاية تمنراست على مسافة 700 كيلومتر، وهو ما يعد مشروع القرن في البلاد".
واستدرك الدكتور بوزيان بالتأكيد على "ضرورة تواجد الدولة بقوة في المشاريع الاقتصادية من حيث المراقبة، قصد تجاوز التراخي في تنفيذ بعض المشاريع التنموية والاقتصادية، من قبل الجهات المشرفة على تنفيذها، بالإضافة إلى الوقوف بحزم أمام تزايد وتيرة الاستيراد وتهريب العملة الصعبة".
وختم الخبير الاقتصادي تصريحه بطرح إنجاز اعتبره جد مهم، ويتمثل في تخليص البلاد من الديون الخارجية التي تجاوزت سنة 1998 الـ 30 مليار دولار لتصل الآن إلى حدود الـ 3.4 مليارات دولار.

محمد حميدوش: انفاق غير مدروس للعائدات
عاب الخبير الاقتصادي والمالي لدى المؤسسات المالية الدولية الدكتور محد حميدوش، على صنّاع القرار الاقتصادي في الجزائر، اعتمادهم طيلة سنوات على عائدات النفط فقط بنسبة 80%. وقال في حديثه لـ"العربي الجديد" إن هذه العائدات تعد المصدر الأول لعائدات ميزانية الدولة، والتي وجهت مداخيلها نحو الدعم الاجتماعي للمواطنين بما قيمته 20 مليار دولار سنوياً.
ورأى الخبير محمد حميدوش أن هذا الدعم "غير عادل، لأن جميع الفئات الاجتماعية تستفيد منه، بغض النظر عن مستواها الاجتماعي والاقتصادي، حيث يستفيد الجميع سواسية (الأغنياء، الميسورون والفقراء) من المواد الغذائية والاستهلاكية المدعومة، ومنهم من يستفيد منها لأغراض تجارية، بحيث يقومون ببيع المواد المدعومة، الأمر الذي يتسبب في خسارة كبيرة لموارد البلاد". وأضاف الخبير محمد حميدوش أن الملاحظ في السياسة الاقتصادية الجزائرية، غياب النجاعة في التخطيط للمشاريع التنموية، الشيء الذي فاقم كثيراً من الميزانية المرصودة لها.
وأعطى الدكتور محمد حميدوش بعض الأمثلة عن غياب التخطيط الجيد، من قبيل مشروع الطريق السيار الشرقي -الغربي، والذي قُدّرت القيمة المالية لإنجازه في بدايته بمليار دولار، ثم أعلن فيما بعد أن قيمته "الحقيقية" هي 7 مليارات دولار حين شرع في تنفيذ المشروع. وأضاف المتحدث ذاته في تصريحه لـ"العربي الجديد": "أن وزير المالية السابق صرح بدوره أن مشروع الطريق السيار المذكور سينجز بما قيمته 16 مليار دولار، وهو المشروع نفسه الذي لم ينته بعد، ويعرف مشاكل كبيرة مع مجموعة "كوجال" اليابانية المنفذة، وهو الخلاف الذي قد يجر أعباء مالية إضافية، إذا ما دخلت القضية إلى المحاكم".
وشدد الخبير المالي محمد حميدوش، على ضرورة اتخاذ ساسة الجزائر لقرارات "تحييد القطاع العمومي عن المشاريع الاقتصادية والتنموية". ونصح بضرورة فسح المجال أمام القطاع الخاص، والابتعاد عن تمويل المشاريع من خزينة الدولة، مع فتح الباب أمام البورصة والمصارف للقيام بدورها في هذا المجال.
ودعا حميدوش كذلك إلى اهتمام الدولة بميزانية التسيير فقط، أما ميزانية التجهيز فيجب ألا يتعدى تمويل الدولة لها الحاجز الذي يغطي سياسات معينة فقط. وختم المتحدث ذاته تصريحه بضرورة اهتمام حكومة الجزائر بتنويع وتطوير الإنتاج الوطني مع ترشيد النفقات العمومية، وعدم التركيز على العائدات النفطية فيما يتعلق بالايرادات العامة للدولة.
المساهمون