لافتة في إحدى الأحياء الشعبية في القاهرة، كتب عليها "نعالج من السحر.. ونجلب الرزق.. ونقضي على العجز"، إضافة إلى رقم هاتف الشيخ ماجد، الذي يمارس عمله في مكتب فخم للغاية. تتصل بالشيخ، فيجيبك سكرتيره بفوقية: "جدول الشيخ مزدحم، ولا يجري مقابلات مع صحافيين". بعد الكثير من الأخذ والرد، يوافق الشيخ على إجراء مقابلة.
داخل خم الساحر
هنا نساء من فئات اجتماعية مختلفة، يتوافدن إلى المكان بشكل كثيف، تصل ما بين ثلاث إلى خمس نساء كل نصف ساعة. شاب ثلاثيني برفقة زوجته، أم ومعها ابنتها، امرأة وحيدة ورجل وحيد أيضاً. جميعهم يدفعون ثمن لقاء الشيخ 350 جنيهاً.
الشيخ ماجد رجل أربعيني مبتسم دائماً، يباغت "العربي الجديد" بجواب قبل السؤال: "لا أعمل في الدجل والشعوذة، أنا هنا لأعالج الناس وأقدم خدمات مجانية"!
يشير ماجد إلى أن سوق العلاج الروحاني يعاني من وجود دخلاء "ولكن هناك من منحوا قدرة على العلاج من السحر والجن، وهناك من يستخدمون العطارة والأعشاب، وهناك من يستخدمون النصوص الدينية. بعضهم يتقاضى آلاف الجنيهات وبعضهم يكتفي بالعشرات. كلٌّ حسب منطقته ونوعية العلاج الذي يستخدمه والمجهود المبذول مع المريض". ولكن في النهاية متوسط ما يتقاضاه هؤلاء يتراوح بين 300 وألفي جنيه (بين 42 و279 دولاراً) في كل زيارة، ما يحقق لهم أرباحاً هائلة في سوق تزداد اتساعاً سنوياً.
افلاس زبناء الحسر
بدرية جمعة، ربة منزل من إحدى قرى المنيا، تقول إنها باعت كل ما لديها من أراض زراعية ومواشٍ لتنفقها على المشعوذين، الذين أقنعوها أنهم قادرين على أن يعيدوا إليها ابنها الذي اختفى منذ سنوات. تشير بدرية إلى أن ابنها غاب عن المنزل منذ ما يقرب عشر سنوات. وتوضح جمعة لـ "العربي الجديد" أن "كل دجال له طريقة، بعضهم يطلب المال بهدف شراء أدوات وخامات لاستحضار الجن، وبعضهم يطلب طعاما وشرابا وملابس، وأحياناً الذهب لإرضاء الجن وطلب مساعدتهم على إيجاد ابني، بعد سنوات علمت أنهم يستغلون ضعفي وقلة حيلتي".
تستطرد بدرية "لست وحيدة فهناك ملايين المصريين الذين فقدوا الأمل في أن تقوم الدولة بواجبها تجاههم، فيلجأون إلى تلك الحيل، خاصة أن الإعلام يساهم في إعطاء الشرعية لعمل المشعوذين. فقد قصدت أخيراً أحد شيوخ الفضائيات الذي طلب مني ثلاثة آلاف جنيه حتى يعيد لي ابني، لكني لم أستطع إحضار المبلغ".
ايمان بقوة السحر
وكانت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أكدت أن نحو 50% من النساء المصريات يعتقدن بقدرة الدجالين على حل مشاكلهن. كما أكدت دراسة أخرى اجراها كل من الباحثين المصريين رشدي منصور ونجيب إسكندر في المركز القومي للبحوث النفسية في القاهرة ان 63 % من المصريين يؤمنون بالخرافات. وتشير دراسة صادرة عن المركز نفسه أن المصريين ينفقون نحو عشرة مليارات جنيه (1.4 مليار دولار) سنوياً، على الدجالين والمشعوذين، وأن عدد من يعملون في تلك المهنة وصل الى 300 الف شخص على الأقل.
يقول رئيس قسم الاقتصاد في جامعة قناة السويس، حامد مرسي لـ "العربي الجديد" أنه "يوجد في مصر دجال لكل 120 مواطنا، والظاهرة لا تنحصر بالريف والصعيد، بل أيضاً تمتد إلى المناطق العشوائية". ويوضح أن "الفقر والأمية وضعف التوعية الثقافية هي دوافع أساسية للجوء إلى الشعوذة، إضافة إلى محاولات الإعلام تغييب المصريين عن الحقائق الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها".
أما أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد دويدار فيرى أن قلق الغالبية العظمى من المصريين على مستقبلهم، هو من الأسباب الجوهرية في انتشار الدجل والشعوذة، إضافة إلى سوء الخدمات الطبية.
ويقول دويدار إن "الأمر لا يتوقف عند الدجل والشعوذة، بل إن هناك تجارة رابحة في مصر والعديد من الدول العربية قائمة على تلك الخرافات مثل تجارة الأعشاب والعطارة، وهي تجارة تتقاضى عنها الدولة ضرائب. وقد بلغت أرباح هذه التجارة 500 % خلال السنوات الماضية". ويشدد دويدار على أن ظاهرة الدجل والشعوذة في مصر ازدادت خلال الفترة الماضية، واحتلت الشعوذة المرتبة الخامسة في الإنفاق الأسري، إذ يُنفق المصريون 10% من مداخيلهم على الشعوذة.