... وأنا أحاصركم

08 ديسمبر 2014
الهروب في سورية خيار وواقع (وكالة الاناضول/getty)
+ الخط -
لم تعد قضية اللاجئين السوريين مجرد أزمة إنسانية محلية. لم تعد تعني شعباً واحداً. لم تعد تعني نظاماً واحداً. هي قضية ملايين البشر ‏الذين هجّروا قسراً من أرضهم، هرباً من قاتل قرر أن يبقى في السلطة ولو مات كل الشعب.
أصبحت قضية اللاجئين السوريين ‏كالخرافة. شعب كتب أطفاله على حيطان الشوارع دعوات لإسقاط النظام. شعب نزل الآلاف من شبابه وشاباته وكهلته الى الأزقة ‏والأحياء منظمين مظاهرات سلمية، ضد شخص يسلبهم ونظامه كل كرامة وحرية وعدالة اجتماعية. ‏
شعب تمت مواجهته بالرصاص، ثم بالدبابات ثم بالطائرات والبراميل المتفجرة، ثم بالمواد الكيميائية. شعب أصدر رئيسه عفواً عن الإرهابيين من سجونه، وأفلتهم على من تبقى من أصوات تطالب برحيله، ورفع هويته الإرهابية الزائفة كاتباً عليها "أنا لست إرهابياً، أنا ‏نظام يحارب الإرهاب". شعب، لم يعد لديه أي شيء، بعدما ظهر النظام بأقبح صورة. شعب هرب لاجئاً الى بلدان الشتات. شعب قرر ‏العالم أن يقتله جوعاً وعطشاً وبرداً في المخيمات، عبر وقف المساعدات الإنسانية، بحجة الإنفاق على "محاربة الإرهاب". ‏
صدّقت دول تصدير الموت نظاماً عمم الموت على شعب كامل، يا لواقعية هذا المشهد. ‏
ووسط هذا الجنون المفرط بالوجع السوري والقباحة العالمية في آن، ترتفع أصوات العنصريين لتحاصر حصار السوريين في ‏مخيماتهم. ويبرز ههنا شعب الحرب الأهلية المستمرة، يعاير اللاجئين بـ "داعش". يا لسخرية القدر. شعب يدعش بعضه بعضاً منذ ‏سنوات، ولا يشبع من الدم والقتل والتبعية لأحزاب أصبحت أممية بعمالتها، يخاف أن تقتله "داعش" وأن تتغير عادته في الاقتتال ‏الذاتي، يا لدعشنة القدر. ‏
العام المقبل، سيكون أسود. وتتوقع دراسة لمنظمة "إسكوا" أن يسيطر الفقر على 90% من السوريين في عام 2015، في حين لن يتمكن 60% منهم من الحصول على حاجاتهم الغذائية اللازمة. وسترتفع وفيات الأطفال ما دون الخامسة من عمرهم إلى 28.8 بالألف، والرضّع إلى 28.7 بالألف. وستهبط نسبة الأطفال الملتحقين بالتعليم الأساسي إلى 50%، ومن يلتحقون بالصف الأول ويصلون الى الصف النهائي من التعليم الابتدائي لن تتعدى نسبتهم 30%.
وسيضاف إلى التوقعات هذه، صرخات بدأت ترتفع من مخيمات اللاجئين السوريين، تحذر من مجاعة ستجتاح الخيم، ‏وبرد سيقتل سكانها. وذلك في ظل توقف الإعانات الدولية، وارتفاع حدة الانزعاج من تواجد السوريين في أراضي اللجوء.‏
الأكيد، أنه لم يعد للسوريين ملجأ. يعودون إلى أرضهم فيموتون نحراً أو قصفاً؟ أم يبقون في خيامهم ويموتون برداً أو جوعاً؟
لا يمكن أن تكون هنالك عبارة أكثر تلميحاً وأكثر إنسانية من العبارة التي كتبها الزميل، رامي الأمين، الأسبوع الماضي. عبارة وردت ‏في مقالته، بالتزامن مع موت طفل برداً، في مخيم للاجئين السوريين في لبنان، وتقول: ‏‎"‎لماذا ‏لا يضرب الصقيع الطاغية؟ لماذا تمطر فوق خيام المهجّرين ولا تمطر فوق قصر المهاجرين؟". 
عبارة، يبتسم لها وجه طفل المخيم بتعب، طفل لا يتوقف عن ترداد كلمات بصوت خافت يصم آذاننا: "استمروا في محاصرتي، فأنا أيضاً أحاصركم".‏