عام الجراد: الحرب العظمى ومحو الماضي العثماني من فلسطين

23 ديسمبر 2014
+ الخط -
استمر العديد من المثقفين الفلسطينيين، والمقدسيين تحديداً، على ولائهم لبقاء فلسطين كإقليم ضمن الإمبراطورية العثمانية حتّى بعد نهاية الحرب وهزيمة الأتراك. من أبرز هؤلاء "العثمانيين" نجد أسماء لامعة مثل عادل جبر، محرر "الحياة" في القدس ويافا، والشيخ محمّد الصالح، صاحب "روضة المعارف"، وعبد العزيز الجاويش، مدير الكلية الإصلاحية.

وفي مذكراته يصف عمر صالح لقاء أحمد جمال باشا القيادات العربية المحلية في القدس وفي دمشق عامي 1916 و1917 للتداول حول إنشاء كونفدرالية عربية – عثمانية على أنقاض الدولة العثمانية. إلا أنني لم أجد معالجة لهذا الموضوع في مذكرات جمال باشا نفسه.

أما مذكرات الترجمان، فهي مليئة بالهجوم على جمال وأنور باشا. يبدأ نقده على خلفية انتكاس الجيش الرابع في جبهتي السويس وسيناء حيث كان يقاتل العديد من أقرباء ومعارف الترجمان. وكان هاجس الكاتب الخوف من إرساله للقتال في الجبهة. نرى هنا صورة متناقضة لشخصية جمال باشا. من ناحية يأخذ عليه الكاتب محاباته للجنود اليهود والمسيحيين، في محاولته لاستدرار مساندة الأقليات في الولايات الشامية، وذلك عن طريق إعفائهم من الخدمة العسكرية أو توظيفهم في مناصب كتابية وإدارية.

من ناحية أخرى نرى إحسان يهاجم أنور وجمال للمذلة التي أخضع لها يهود القدس ومسيحييها بعد أن جنّدهم في "طوابير العملة" حيث أُجبروا على القيام بأعمال شاقّة ومضنيّة مثل بناء الطرق، وحفر أساسات سكة الحديد، وجمع القمامة في الشوارع العامة. ونعرف أن العديد من مجنّدي الطوابير "نفقوا" خلال هذه الخدمة، في تقارير وكتابات معاصرة. في إحدى مفكرات خليل السكاكيني مثلاً يشير إلى هذه الأيام الحالكة: "اخذوا عدداً كبيراً من المسيحيين كزبّالين إلى بيت لحم وبيت جالا. وأعطوا كلاً منها مكنسة وقفّة ومجرفة، ووزعوهم على الطرق والأزقة، فجعل أحدهم يصيح في بيت لحم "من عنده زبالة".

فكانت نساء بيت لحم تطلّ من النوافذ وتبكي. لا شك أن هذه نهاية [ذروة] الذل. وما مثلهم إلا مثل الأسرى في عهد الآشوريين والمصريين والرومان". وعندما عُين الترجمان كاتباً مؤقتاً في القيادة العسكرية في القدس مسؤولاً عن الإعفاءات من الخدمة، حاول أن يخفف من معاناة هؤلاء الجنود المسخّرين، ولكن دون جدوى.

في إحدى رواياته يخبرنا إحسان عن زواج جمال باشا من "مومس يهودية" من القدس، كدليل على محاباته لليهود. ويبدو أن الإشارة هنا إلى عشيقة جمال السيدة ليا تننباوم، وهي من عائلة يهودية مقدسية نشطت في جمعية الهلال الأحمر المساندة للمجهود الحربي العثماني. وفي حالات أخرى يصف الكاتب جمالاً كشخصية اعتباطية حيث كان - برأي الكاتب - مهووساً بتمجيد ذاته على حساب الآخرين. فهو يمدّد ساعات دوام الجنود ويلغي إجازاتهم الأسبوعية يوم الجمعة بدون مبرر. ويصف جمال بالنفاق حين يوزع الذبائح والحلوى على الجنود خلال الأعياد الرسمية والسلطانية، بينما هم جياع وأجورهم متدنية في بقية الأيام.

ويظهر الترجمان عداءه واحتقاره لقيادة "الاتحاد والترقي" في استغلال الحزب للدين، لتحقيق مكاسب رخيصة لصالح المجهود الحزبي في الولايات العربية. هنالك وصف مضحك لحفلة أقامها روشن بيك ودعا إليها مجموعة من بغايا القدس على شرف أحمد جمال باشا، وجمال باشا الصغير (المرسيني).


المساهمون