أسعار النفط تتأرجح... ماذا عن المستقبل؟

24 اغسطس 2015
عدم استقرار أسعار النفط يربك الاقتصاد الدولي (Getty)
+ الخط -
مسار أسعار النفط ما زال يشكل تحدياً يربك كل من يتوقع مساراته، نتيجة ارتباط السوق بعدة مؤشرات تؤثر في اتجاهات الأسعار نحو الارتفاع تارة أو الهبوط أو الركود. فقد أظهر استطلاع سابق لوكالة "رويترز" مع المحللين العالميين، أن متوسط سعر برنت سيبلغ 60.60 دولاراً للبرميل في عام 2015، و69 دولاراً في عام 2017. وكانت وكالة الطاقة الدولية توقعت أن يتعافى السعر إلى 73 دولاراً في عام 2020 مع انحسار تخمة المعروض ولكن ببطء.

إن التوقعات حول تحسن الأسعار عند منتصف العام وخصوصاً في الربع الأخير من عام 2015 لم تكن دقيقة، فقد اقتربنا من نهاية الربع الثالث دون تغيير، بل إن الأسعار باتت تفقد المزيد من قيمتها في ظل عدم عودة النفط الإيراني للسوق، فكيف إذا استطاعت إيران ضخ أكثر 1 – 2 مليون برميل في السوق، خصوصاً وأن السوق النفطية متخمة بالإنتاج الفائض الذي لم يقم، على الرغم من السياسة الحازمة لدول الأوبك، بمعالجة هذا الأمر.

إن استمرار هبوط الأسعار يأتي في المقام الأول نتيجة غياب التوازن في السوق، لكن الجانب الإيجابي في هذه المتغيرات هو تقلص المضاربين الذين غالباً ما يراهنون على ضعف السوق والتلاعب بالأسعار وزيادة التخزين. ويبدو أن انسحاب عدد من المضاربين مرده إلى ضغوط الأسعار وتوقعاتهم باستمرار هبوطها لفترة طويلة وفقاً لتقارير بيوت الخبرة والمختصين في شؤون النفط وأسعاره، وهذا ما دفع البعض إلى رؤية غير متفائلة.

الصورة في نهاية الفصل الثالث من عام 2015 تبدو مقلقة بشأن أسعار النفط. فالأسعار عندما تدور حول الخمسين دولاراً، وتنزلق دون ذلك، والصراع بين المنتجين في أوبك وخارجها سيبقى حامياً. في وقت ستنعكس خسارة النفط على ميزانيات الدول ذات الاقتصاديات الريعية، والتي تأثرت موازنتها المالية بشكل سلبي منذ منتصف العام الماضي. وهو ما أدى إلى إعلان سياسة التقشف في بعض البلدان وتجميد العديد من مشاريع البنى التحتية في مجال الخدمات والكهرباء والصحة والصرف الصحي والسكن.

إن مشكلة السوق النفطية الدولية قد جعلت أسعار النفط ترتبط بمتغيرات أساسية قائمة على مؤشرات المستهلك، وبما أن الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم فإن بيانتها تؤثر على أسعار النفط في السوق الدولية. فمع تذبذب الاقتصاد الصيني، هناك تساؤلات حول الطلب حالياً، ولا نرى ذلك في أسعار النفط فقط وإنما في سلع أخرى كذلك، مثل النحاس والذرة والقمح. كل الأسعار تنخفض بسبب الاضطراب في الصين، لذا فإن أسعار النفط ستستمر بالانخفاض.

إن استمرار دالة المؤشرات الخارجية وتأثيرها في أسعار النفط عملية تعجيزية، فقد خرجت دول أوبك من مشكلة النفط الصخري، لتدخل في مشكلة أكبر وهي مؤشرات الاقتصاد الصيني.
ولذلك لا بد أن تبتكر دول الأوبك آلية جديدة ونمطاً جديداً للتفكير للتعامل مع هذا التحدي الجسيم والمؤثر على السياسات السعرية للنفط. فأكثر من 50 سنة مضت والأوبك قادرة على المواكبة والتكيف، لكن السنوات الخمس الماضية كانت قاسية جداً، ويبدو أن الكيان الاقتصادي النفطي العملاق بات قاب قوسين من بناء رؤى جديدة، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن تطوير آليات جديدة لدول الأوبك في البحث عن خيارات وسياسات تواكب التغيرات الجديدة في الاقتصاد الدولي والبيئة الدولية. وخصوصاً أن العملاق الاقتصادي الياباني يشكل تحدياً كبيراً أيضاً على الأسعار خلال الفترة المقبلة.

فقد هبط مؤشر الاقتصاد الياباني، ثاني أكبر اقتصاد في آسيا، والثالث في العالم، بمعدل سنوي بلغ 1.6%، مع هبوط الصادرات وتقليص المستهلكين إنفاقهم، وهذا ما يعطي مؤشراً غير إيجابي لتحسن الأسعار خلال الفترة المقبلة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الحلقة الأضعف في الأزمة النفطية الحاصلة، إذ أن الجزائر وجدت نفسها مرغمة على تجميد كافة مشاريع التجهيز التي لم يشرع فيها بعد، بسبب الانهيار المهول لأسعار النفط، ونشرت وزارة المالية قراراً بهذا الصدد موجهاً للمراقبين الماليين لدى الوزارات والإدارات، وفيه أن هذا القرار "يطال كافة البرامج منها الصحة والتربية التي كانت مستثناة من التقشف، لا سيما في التوظيف والترقيات الإدارية".

على دول أوبك التفكير بخيارات جديدة لبناء دالة سعرية. فقد نجحت هذه الدول في الإبقاء على الإنتاج، والآن تحتاج إلى السيطرة على الأسعار.
(خبير نفطي عراقي)
المساهمون