استمع إلى الملخص
- **التحديات الصحية والاقتصادية**: يضطر السكان لشراء مياه من بائعين متجولين، مما يعرضهم لأمراض الكلى والطفح الجلدي بسبب الترسّبات وعدم تعقيم العبوات، في ظروف غير صحية.
- **الحقوق الدستورية والتحديات التنفيذية**: ينصّ الدستور التونسي على توفير المياه الصالحة للشرب، لكن 650 ألف شخص يفتقرون إليها، ومعظمهم في المناطق الريفية، مما يعكس تحديات العدالة المائية.
لا يترك شحّ مياه تونس صيفاً خيارات كثيرة أمام مواطنين كثيرين، إلا اللجوء إلى ينابيع غير مراقبة أو شراء عبوات مياه أو "جراديل" معبّأة خارج كلّ أطر الرقابة. في منطقة مرق الليل الواقعة بمعتمدية القيروان الجنوبية، وسط غربي تونس، تنتظر مئات الأسر يومياً، في المناطق التي تعاني من عطش مستمر، مرور شاحنات بائعي المياه للتزوّد بعبوات مياه سعة 20 ليتراً.
يقول عضو المجلس المحلي في مرق الليل هادي الماجري لـ"العربي الجديد" إنّ "المياه التي تُجلب إلى المنطقة عن طريق شاحنات بائعي المياه هي مصدر المياه الأول والوحيد بالنسبة إلى مئات الأسر منذ عقود طويلة، على الرغم من كلّ ما ينطوي عليه الأمر من مخاطر صحية". ويشرح أنّ "الأهالي لا يعرفون مصدر المياه التي يستهلكونها في الشرب والطهي وأعمال التنظيف وحتى ريّ بعض الخضراوات". يضيف الماجري أنّ "السقّائين الذين يبيعون المياه في المناطق التي تشكو من عطش مزمن يدّعون أنّ مصدرها الصنابير العمومية المراقبة، غير أنّ لا شيء يثبت ذلك في غياب المراقبة الصحية".
وتمرّ شاحنات المياه دورياً في التجمّعات السكنية بالمناطق الريفية، حيث تُوزّع حمولتها بكميات محدودة في مقابل أسعار متفاوتة يحدّدها البائعون. ويتابع الماجري أنّ "مياه الجراديل التي تُجبَر مئات الأسر على التزوّد بها بسبب العطش، قد تكون مصدر أمراض كثيرة نتيجة الترسّبات التي تبقى عالقة في العبوات التي نادراً ما تُعقَّم من قبل باعة المياه المتجوّلين. يُضاف إلى ذلك تعرّضها لأشعّة الشمس لفترات طويلة، في أثناء النقل أوالتخزين". ويبدو أنّ "الأجيال تتوارث أزمة مياه تونس"، بحسب ما يشير الماجري شارحاً أنّ "أبناء اليوم يعانون من العطش نفسه الذي عرفه أجدادهم قبل أكثر من ستّة عقود".
وعلى الرغم من عشرات الشكاوى التي رفعها أهالي منطقة مرق الليل على خلفية أزمة مياه تونس المتفاقمة لديهم، لم يتحقّق بعد حلم ربطهم بشبكة المياه الصالحة للشرب، علماً أنّ السلطات المحلية والجهوية كانت قد أطلقت الوعود في هذا السياق في مناسبات عديدة. وأفاد تقرير صادر في يوليو/ تموز 2022، بعد زيارة أجراها المقرّر الأممي الخاص المعني بحقّ الإنسان في مياه الشرب المأمونة وحقه في خدمات الصرف الصحي بيدرو أروخو أغودو، بأنّ 650 ألف شخص في تونس، معظمهم في المناطق الريفية، يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب في منازلهم، وأنّ 300 ألف شخص لا يملكون مصادر مياه قريبة من منازلهم ويعتمدون على الينابيع أو الآبار أو باعة المياه. وبحسب تقديرات التقرير، فإنّ نحو 15% من سكان المناطق الريفية يقضون ما يقارب 30 دقيقة للوصول إلى أقرب نقطة تتوفّر فيها مياه.
في سياق متصل، تقول عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية - قسم العدالة البيئية منيارة المجبري إنّ في ظلّ أزمة مياه تونس المزمنة، يُعَدّ "بيع المياه تجارة رائجة جداً في أرياف القيروان والمناطق التي تعاني من شحّ" في هذا المورد الأساسي. تضيف المجبري لـ"العربي الجديد" أنّ "بائعي المياه يتنقّلون يومياً في عرباتهم بين التجمّعات السكنية لتزويد شاغليها بعبوات سعة 20 لتراً، تحت أشعّة شمس وفي ظلّ حرارة تتخطّى 50 درجة مئوية صيفاً". وتتابع أنّ "عربات نقل المياه تقطع المسالك الريفية التي تقلّ فيها المراقبة الأمنية أو الصحية، في حين أنّ البائعين يحظون بدعم السكان وحمايتهم إذ إنّهم مصدر تزويد الأساسي والوحيد بالمياه". وتشير المجبري إلى أنّ "لاستهلاك المياه غير الخاضعة للمراقبة تبعات على صحة المواطنين، من قبيل أمراض الكلى أو الطفح الجلدي".
تجدر الإشارة إلى أنّ الفصل 48 من الدستور التونسي ينصّ على واجب الدولة في توفير المياه الصالحة للشرب لجميع السكان على قدم المساواة، وكذلك على الحفاظ على الثروة المائية للأجيال المقبلة. لكنّ تطبيق مثل هذه الحقوق يظلّ محدوداً، إذ تعاني مناطق ريفية عدّة، خصوصاً أرياف ولاية القيروان من انقطاعات متكررة للمياه بسبب ضعف التيار الكهربائي أو فشل الجمعيات المائية أو تعطّل مشاريع الربط بشبكة المياه الصالحة للشرب.