يوسف نباش: قطاع السيارات الجزائري يعيش في كارثة

27 يونيو 2016
رئيس جمعية وكلاء السيارات في الجزائر
+ الخط -
يؤكد يوسف نباش، رئيس جمعية وكلاء السيارات في الجزائر، أن سوق السيارات تعاني من أزمة بسبب القرارات الأخيرة المرتبطة بشروط الاستيراد، مشيراً في مقابلة لـ "العربي الجديد" إلى أن هذا الواقع أدى إلى إفلاس العديد من وكلاء السيارات، وهنا نص المقابلة:

* سبق وعارضتم بشدة دفتر الشروط الخاص باستيراد السيارات الذي أعلنت عنه وزارة الصناعة والمناجم، ولكن ومع ذلك تم إقراره منذ مارس/آذار الماضي، فهل أثر هذا القرار على عملكم، خاصة أنكم وكلاء سيارات متعددة العلامات؟
سبق لي وكررت في مناسبات عدة، أن الوضع الحالي لسوق السيارات في البلاد، يسير من سيئ إلى أسوأ. والنتيجة نراها اليوم بوضوح، فأسعار السيارات في الأسواق باتت خيالية، فقد قفز سعر السيارة من 12 ألف دولار إلى 20 ألف دولار. كما ارتفعت أسعار السيارات القديمة. ولذا تقدمت باقتراح للحكومة، لكن تم رفضه، حيث طالبت بالسماح باستيراد السيارات القديمة لأقل من ثلاث سنوات. إلا أن وزير التجارة، أعلن تخصيص مليار و200 مليون دولار لاستيراد مركبات لعام 2016، كما طلبنا تخصيص نصيب معين من هذا المبلغ لاستيراد السيارات القديمة وفق دفتر شروط خاص تضعه الوزارة، إذ إن مبلغ مليار دولار، يسمح لنا بشراء 350 ألف مركبة، وليس فقط 83 ألف مركبة، كما هو مشار لدى الوزارة، وبذلك يمكننا تقريباً تلبية كل احتياجات الشعب الجزائري، مع العلم أن السيارة التي لا يفوق عمرها ثلاث سنوات في أوروبا تعتبر سيارات جيدة جداً، وتبعاً لهذا النشاط يمكننا خلق مناصب شغل جديدة.

*العديد من الخبراء، حتى جمعية حماية المستهلك تلقي اللوم على وكلاء السيارات لاستيرادهم مركبات لا تستجيب لشروط السلامة وتعتبر أن دفتر الشروط ضروري ومهم، فكيف تردّون؟
من خلال خبرتي، أود التوضيح أن ما يخص مقاييس الحماية التي ينص عليها دفتر الشروط من حيث أكياس الهواء ونظام الفرامل المانعة للانغلاق، والتحكم الإلكتروني بالثبات ESC، ESP، وغيرها من شروط السلامة المتعلقة بالراكب والراجل معاً أمور إيجابية.
ولكن في المقابل، لقد تسببت هذه الشروط في خلق العديد من المشاكل، خاصة عند الاشتراط المحدد لسرعة السيارات الصغيرة. وعالمياً، لا يوجد مثل هذه الشروط، فهذه الشروط تخص فقط المركبات الكبيرة، ومن الغريب جداً أن يتم وضع شروط للسرعة تخص السيارات الصغيرة، أضف إلى ذلك، فإن الوزارة لم تعط الوقت الكافي أو المهلة لطلب الإضافات على السيارات المستوردة، الأمر الذي تسبب لنا بمشاكل كبيرة.

*هل يفهم من حديثكم أن هذه الشروط غير منطقية؟ وهل تملكون إحصاءات بهذا الشأن؟
قبل إقرار دفتر الشروط، كان هناك نحو 167 وكيلاً معتمداً للسيارات، والآن أصبح العدد نحو 40 وكيلاً، حيث اضطر 127 وكيلاً إلى وقف عمله، وإذا افترضنا أن كل وكيل يشغل نحو 10 عمال على الأقل، فهذا يعني أن هناك نحو1270 عاملاً دخلوا صفوف البطالة، وهذا في حد ذاته يعتبر كارثة. والسبب في ذلك، هو أن الوزارة لم تعط للوكلاء المهلة الكافية لمطابقة سياراتهم المستوردة مع المعايير التي يفرضها دفتر الشروط. نحن نتفهم الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد، لكن كما يقال "ما هكذا يا سعد تورد الإبل". لقد تم خنقنا. ونحن نعلم أن الهدف الرسمي لوزارة الصناعة، هو الدفع بوكلاء السيارات إلى إقامة مصانع في البلاد لتركيب السيارات التي يتم استيرادها، ولكن وللأسف من بين 127 وكيلاً الذين توقفوا عن العمل، هناك نحو 30 وكيلاً على الأقل قادرين على إقامة مصانع لتركيب العلامات التي يستوردها، ورغم ذلك لم يتلقوا التشجيع والدعم الكافيين.
من جهة أخرى، فإن الوزارة لم تشاور المعنيين، ودائماً تتسرع في اتخاذ القرارات وعندما تجد نفسها أمام طريق مسدود، تلجأ إلى سياسة الترقيع وبهذه السياسة تؤدي إلى فشل الوزارة في أهدافها. والدليل على ذلك هو أن مصانع تركيب السيارات في الجزائر تعد على أصابع اليد الواحدة، كما أن عملية التركيب معناها الاعفاء من الرسوم الجمركية، ومنح الكثير من الامتيازات الضريبية التي هي في الأصل أموال تخسرها الخزينة العامة. فمشروع تركيب سيارات "رونو سامبول الجزائر" وما ناله من امتيازات جمركية وضريبية، لم ينعكس انخفاضاً في الأسعار، بل لازالت مرتفعة. فلماذا هذا السعر مع كل هذه التسهيلات والامتيازات الضريبية؟ ولذا أعتقد أن الفرنسيين يقومون بتحويل العملة الصعبة إلى بلادهم على حساب خزينة الدولة.

*في سياق تهريب العملة الصعبة، لقد اتهمتكم الحكومة بتضخيم فواتير وارداتكم من السيارات لتهريب العملة الصعبة، ما مدى صحة هذا الاتهام؟
هذا الاتهام غير واقعي، ولكن لا ننفي إمكانية وجود حالات منفردة تعمل على استنزاف العملة الصعبة والإضرار بالاقتصاد الوطني. فوكلاء السيارات ليسوا ملائكة، لكن من غير المنطقي معاقبة كل وكلاء السيارات من أجل تجاوز قام به وكيل أو وكيلان. فكأنما وزارة الصناعة قامت بغلق الطريق نهائياً بسبب حادث مرور تسببت فيه سيارة واحدة فتمت معاقبة كل السائقين، فلو كانت الوزارة في اتصال دائم معنا، لما وصلنا إلى هذه الوضعية. الوزارة تتجاهلنا بالمطلق. وإلى يومنا هذا لم تجتمع معنا.


*قمتم سابقاً باتهام الحكومة، بأن دفتر الشروط تم وضعه لصالح بعض الوكلاء وذلك خدمة لمصالحهم، فعل هذا الاتهام يتسم بالواقعية؟
نعم، بالفعل هذه حقيقة وواقع. بالعودة إلى دفتر الشروط الأول الذي وضعته الوزارة، فإن معظم الشروط كانت تعسفية، خصوصاً ما يتعلق بالسيارات الألمانية، والتي كان يقل سعرها عن 20 ألف دولار، فأصبحت اليوم تباع بنحو 31 ألفاً. إلى ذلك، كنا نستورد سيارات رخيصة للمواطنين لا تتعدى قيمتها 8000 دولار. على سبيل المثال، خارج العاصمة بالمدن والقرى النائية، يقود المواطنون مركبات تعود إلى العام 1963، وتنعدم فيها كل شروط السلامة، وفوق ذلك جد مهترئة، ومع ذلك ما زالت تستخدم على الطرقات، لأن الإمكانات المادية لأصحابها لا تسمح لهم بشراء سيارات جديدة، وخاصة حسب ما يقتضيه دفتر الشروط الجديد. المشكل في بلادنا انهم يغطون الشمس بالغربال.

*مر شهر على منح الوزارة رخصاً لاستيراد السيارات، إلا أنه لم يتم إلى الأن استيراد أي سيارة، فلماذا كل هذا التأخير؟
يعود سبب التأخير إلى التعسف الحاصل في مديريات المناجم، إذ إن من وضع الشروط الخاصة تسبب في هذا التعسف. نحن كوكلاء، وقبل أن نقوم باستيراد السيارات، علينا تأمين عينة، والاتصال بمصلحة المناجم وتقديم طلب خاص حتى يصار إلى دراسته وإعطاء الموافقة. وبعد وصول العينة إلى الميناء، ينتقل مهندس مصلحة المناجم من المدينة محل السجل التجاري الخاص بالوكيل، إلى الميناء الذي وصلت اليه المركبة، فيقوم بمعاينتها، وإن وجدها غير مطابقة لدفتر الشروط يرفض دخولها، وفي حال استوفت جميع الشروط، يسمح بدخولها.
وهنا لابد من الإشارة إلى أننا كوكلاء سيارات نتعامل في الغالب مع السيارات الآسيوية التي تستغرق من أجل وصولها فقط إلى الجزائر شهرين على الأقل، وبسبب هذا التعطيل الإداري لم تدخل أي سيارة إلى الجزائر، وقلت سابقاً وكررت أن أولى السيارات التي تصل ميناء الجزائر بعد منح التراخيص ستكون بعد رمضان الحالي على الأقل.

*سمحت الحكومة خلال هذا العام باستيراد 152 الف مركبة فقط من مختلف العلامات، فهل لمستم ميولاً عند الحكومة نحو علامات دون أخرى، أم أن الأمر يحدده دفتر الشروط لا غير؟
هذا ليس غريباً على الشعب الجزائري، إذ أن العلامات الفرنسية تستحوذ على حصة الأسد من الحصص المسموح باستيرادها من السيارات، رغم أنها لا تدفع الضريبة مثل باقي العلامات المسموح باستيرادها.

*ولماذا برأيكم يصار إلى هذا التمييز؟
أفضل أن يقوم وزيرا الصناعة والتجارة بالإجابة على السؤال.

*هل يعني ذلك أنكم لا تعرفون سبب التمييز بين الوكالات الفرنسية ووكالات أخرى؟
للصراحة، أنا في حالة دهشة وأراقب الوضع فقط. إذ إن الضبابية سيدة الموقف في ظل غياب الشفافية، ومن أجل تفعيل مبدأ الشفافية، على وكيل سيارات "رونو" تقديم حصيلته السنوية، وما هي قيمة الضرائب التي يدفعها، ويقدم معه كل وكيل حصيلته السنوية، وبالتالي ستكون الأمور واضحة. وهنا أود الإشارة أنني على ثقة تامه وكبيرة في وزير التجارة الذي لمست فيه روح الوطنية وروح الحوار.


*هل تعتقدون أن وزير التجارة سعى إلى تقديم المساعدة لوكلاء السيارات؟
بالطبع، فقبل أيام أعلن الوزير قرار تراجع الوزارة بشأن منح التراخيص لعدد من الوكلاء الذين تقدموا بطعون وهذا أمر يحسب له، فليس من المعيب أن نخطئ ولكن المعيب التمادي في الخطأ، جميعنا في الجزائر لا نقبل بأن يتضرر اقتصاد بلادنا. ولدينا أمل كبير في أن تتحسن الأوضاع، ولا يتم ذلك إلا من خلال الحوار بين مختلف الوزارات المعنية ووكلاء السيارات.

*تمر البلاد بأزمة مالية جراء انخفاض أسعار النفط، حيث لجأت إلى سياسة شد الحزام، ألا ترون أن هذا الوضع أثر على سوق السيارات؟
من المؤكد، خاصة أن سوق السيارات كانت الضحية السهلة لهذا الواقع المأزوم، وتمنيت لو أن وزارة الصناعة ركزت على تقديم يد المساعدة للمتعاملين الاقتصاديين الراغبين في إقامة مشاريع لصناعة قطع غيار السيارات. فأنا شخصياً عندي وثيقة من ولاية المدينة من أجل إقامة مشروعين لتركيب الشاحنات مع الجانب الروسي، ولدي كل الوثائق الرسمية الثبوتية وموافقة الوالي لكن ومنذ 14 أبريل/نيسان 2014 إلى اليوم لم احصل على قطعة أرض لإقامة هذا المشروع، فكيف يريدون أن يأتي المستثمر الأجنبي أو حتى المحلي، وهم يعرقلون لمدة عامين عملية الحصول على قطعة أرض لتجسيد المشروع.
لقد تسبب هذا التأخير في إحراج كبير مع الشركاء الروس، الذين استغربوا عدم قدرتي في الحصول على قطعة أرض، وقد اقترح علي الجانب الروسي أن ننقل المشروع إلى السودان لإقامته هناك.

*يفهم من خلال حديثكم، بأن الحكومة تناقض نفسها، فهي من جهة ترفع شعار تنويع الاقتصادي الوطني وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية وتحسين مناخ الأعمال، ومن جهة أخرى تعجز عن رفع مثل هذه العراقيل التي تفرمل أي محاولة للاستثمار؟
من المؤكد أن الحكومة في تناقض كبير مع نفسها، فهي في واد والمستثمرين في واد اخر، واتحدى أن يستطيع أحد الحصول على وثائقه وكل ما يحتاجه للاستثمار في أقل من عام. وكلامي هذا بالدليل والوثائق وليس من أجل إحداث البلبلة مثلما يتهمون كل من يعري الحقيقة المرة عندنا، والأدهى من ذلك أننا لا نجد من نشكو له هذا الوضع، فأين تولي وجهك تجد المقصود يلقي باللائمة على غيره، وتجد نفسك تدور في حلقة مفرغة، وهذه الوضعية تسبب اليأس والتفكير في عدم الدخول في أي مشروع استثماري جديد، رغم أنني لا أشك في نزاهة الوزير الأول عبد المالك سلال ونيته الصادقة في خدمة البلاد.

*أنتم الآن تنتقدون الحكومة وتمدحون رأسها في الوقت نفسه، هل نفهم من هذا أن هناك من يعمل عكس التيار لإفشال أي تقدم اقتصادي في البلد؟
بالفعل هذا واقع نعيشه وقد اصطدمنا مراراً وتكراراً بهؤلاء الذين يعرقلون أي محاولة للتنمية في البلاد. هناك أفراد همهم الوحيد تحطيم أي مشروع يعود بالنفع على البلاد. هدفهم إبعاد المستثمرين الأجانب، حتى أن الشعب أصابه اليأس من أي مبادرة لتحسين الوضع في البلاد، والمشكلة أن الشجاعة باتت غائبة لفضح هذا السرطان الذي دمر ويدمر الاقتصاد الوطني.

*من يكون هذا السرطان برأيكم الذي يدمر الاقتصاد الوطني؟ ولمصلحة من يعمل هؤلاء الأشخاص؟
في هذه الحالة على الوزير الأول أن يجري تحقيقاً دقيقاً في ذلك، ومعاقبة كل متسبب لهذه العراقيل، وعلى كل المستويات، يجب تطهير الإدارة منهم واستعمال "سيف الحجاج" في ذلك، ولكن يجب الإشارة إلى أن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بحماية جهات معينة، وهم أقوى من الولاة، وأقوى حتى من الوزير الأول.

*هل نجد عندكم أي بصيص أمل في غد أفضل؟
صراحة مع وجود هؤلاء الناس، لا أعتقد ذلك. ولكن في الوقت نفسه لا يمكننا تعميم الظاهرة. هناك من يريد تحقيق التنمية الاقتصادية. وفي كل الأحوال ينبغي العيش بأمل والتفاؤل بغد أفضل للبلاد، عسى أن يأتي من ينقذ البلاد من واقعها هذا.

تعريف: يوسف نباش، هو رئيس الجمعية الجزائرية لوكلاء السيارات متعددة العلامات. وهي جمعية تضم وكلاء السيارات المستوردة المعتمدين في الجزائر، والذين يتناقص عددهم مع قرار الحكومة لجم الاستيراد.

المساهمون