برشلونة أو تونس؟ فارق كلفة الإقامة 6 دولارات

14 مارس 2016
السياحة التونسية تحتاج الخروج من التنميط(بشير طايب/ فرانس برس)
+ الخط -
سال الكثير من الحبر حول المشاكل التي تعرقل نمو السياحة التونسيّة، منها ما هو مرتبط بالطبيعة النمطية لهذا القطاع، إضافة إلى المشاكل الهيكليّة المرتبطة بالوكلاء السياحيّين، والوضع السياسيّ والأمني، وغيرها من العوامل التي ساهمت في تراجع ما اصطلح على تسميته؛ أيقونة الاقتصاد التونسيّ.
الخدمات الفندقيّة التي تعتبر عماد النشاط السياحيّ، كانت جزءاً من المشاكل التي انعكست على القطاع، سواء من حيث الجودة ونقص الكفاءات، أو المصاعب الماليّة التي يواجهها أصحاب الفنادق وغيرها. ولكن نادراً ما تمّ التطرّق إلى أسعار الإيواء في الفنادق التونسيّة عموماً، وتكاليف الإقامة، خصوصاً مع تغيّر طبيعة السيّاح الوافدين نحو فئة محدودة الدخل وسيّاح أوروبا الشرقيّة بالخصوص.
في محاولة لمعرفة كيف يفكر السائح في تحديده الوجهة السياحية، دخلنا إلى موقع "إكسبيديا" العالمي لحجوزات الفنادق وتذاكر السفر. المقارنة بين مدينة برشلونة المصنفة من بين أبرز المدن السياحية في العالم، وبين العاصمة تونس، والهدف حجز فندق مصنف "ثلاث نجوم". يتبين أنه يوجد 14 فندقاً فقط في العاصمة التونسية بهذا التصنيف على الموقع، والحد الأدنى لكلفة المبيت ليوم واحد وهو 14 آذار/ مارس هو 32 دولاراً. في مقارنة مع 153 فندقاً في برشلونة وفق تصنيف الثلاث نجوم، وبحد أدنى لكلفة المبيت 38 دولاراً لليوم ذاته.
إذ تتالي العمليات الإرهابية انعكس سلباً على السياحة التونسيّة وهو ما أكدّه الديوان الوطني للسياحة أخيراً، حيث أشار إلى تراجع المداخيل السياحية، منذ بداية سنة 2015 بنسبة 51 في المائة، أي ما يناهز 300 مليون دولار.
أمّا بالنسبة إلى عدد الليالي المقضية فقد سجلت هي الأخرى تراجعاً بنسبة 55.3%.
هذا التدهور استدى التدخّل الحكومي لمساندة أصحاب الفنادق عبر سلسلة من الإجراءات التي تراوحت بين إعادة جدولة القروض البنكية والإعفاء من استخلاص فواتير الكهرباء والماء وتيسير القروض الجديدة وغيرها.

غياب الخطوات

في المقابل، يبدو أنّ المعنيّين بالأمر لم يبادروا إلى اتخاذ خطوات عملية لاستقطاب السيّاح من جديد، حيث ظلّت أسعار الإيواء في مختلف الفنادق التونسيّة مرتفعة مقارنة نظيراتها في عدد من الدول الأوروبيّة أو تركيا، المنافس الشرس للسياحة التونسيّة.
السيّد ملك سلمان، وهو صاحب أحد الفنادق في العاصمة، لم ينف خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، الارتفاع النسبي لكلفة الإقامة في فنادق العاصمة، لكنّ هذا الأخير يصرّ على أنّ هذه الأسعار هي ردّ فعل طبيعيّ لحماية النزل من الإفلاس وتعويض أصحابه عن تراجع المواسم السياحيّة وتفاقم مشاكل القطاع ككلّ. ليستطرد موضّحاً حجم الضغوط التي يتعرّض لها أصحاب الفنادق بدأ "بضغوط وابتزاز الوكلاء السياحيين الذين يفرضون شروطهم مقابل عجزنا عن التفاوض أو حتّى تحسين شروط التفاوض. كما ما تزال مشكلة سيطرة شركة طيران واحدة على ميدان النقل الجويّ، السبب الرئيسيّ في بقاء الموسم السياحيّ دون المستوى المطلوب ممّا سينعكس حتماً على أسعار خدمات الإيواء وجودة الخدمات السياحيّة ككلّ".
أنّ سياسة رفع الأسعار لتعويض الخسائر الناجمة عن التدهور المتواصل للمواسم السياحيّة، خيار قصير المدى أثبت فشله على أرض الواقع. حيث يستمر إغلاق الفنادق تباعاً، ليصل العدد المسجّل سنة 2015 إلى 61 نزلاً. وتؤكّد أن إصرار "مالكي الفنادق" على انتهاج نفس السياسة في تحديد أسعار خدماتهم لن يؤدّي إلاّ لمزيد من الأزمات، فدعم الدولة وتيسير القروض لن يساهم سوى في إكسابهم المزيد من الوقت لا غير.
أمّا الحلّ الحقيقيّ فيكمن بحسب الصالحي في وضع استراتيجيّة حقيقيّة لاستهداف جميع فئات السيّاح، منها محدودة الدخل والتي تزداد حصّتها من الدفق السياحيّ يوماً بعد يوم. لكن للأسف، فإنّ وكالات الإعلان وأصحاب الفنادق يتجاهلون هذه الشريحة الكبيرة من الراغبين في قضاء عطلهم في تونس التي تنفر وتغيّر الوجهة بسبب انعدام خيارات مناسبة لها على الصعيد الماديّ.
وتشير الخبيرة في قطاع الفندقة والخدمات السياحيّة، أنّ أهل القطاع يحاولون حصره في مجموعة صغيرة من المالكين الكبار ويغلقون الطريق أمام المستثمرين الشباب والفنادق الصغيرة والإقامات والتي قد تلعب دوراً مهمّاً في إنقاذ القطاع السياحيّ عبر توفير خدمات زهيدة الثمن وتناسب محدودي الدخل خصوصاً من دول أوروبا الشرقية الذّين يزداد عددهم سنة بعد سنة. كما أنّ الدولة تتجاهل أصحاب الإقامات الصغيرة والفنادق من صنف النجمة الواحدة، فتحرمها من الدعاية والدعم الماديّ وتستثنيها من أعمال التهيئة وتجهيز البنى التحتيّة.
لتختم قائلة، إنّ الدولة والمهنيّين على حدّ سواء لم يستطيعوا التخلّص بعد من الصورة النمطيّة للسياحة والفندقة والقائمة على الفخامة وما يترتّب عنها تكاليف باهظة، في حين تجبر الأزمة الاقتصاديّة الجميع على التقشّف والبحث عن بدائل أقلّ كلفة، ليس في تونس فحسب بل وفي العالم ككلّ. "لكن للأسف فما زلنا نتعامل مع السياحة كغيرها من القطاعات بمنطق النظرة والقرارات الأحاديّة ونتجاهل تجارب الآخرين الناجحة".
في سياق آخر، تؤكد السيّدة سنيا الفقيه، وهي صاحبة فندق في العاصمة، أنّه من التجنّي إلقاء اللوم على أصحاب الفنادق دون غيرهم والادعاء أنّ أسعار الحجوزات هي السبب وراء تراجع القطاع السياحيّ. لتضيف أن هؤلاء يعيشون ظروفاً صعبة للغاية على المستوى المادّي، خصوصاً في ظلّ الاضطرابات الأمنية والسياسيّة التي تعيشها البلاد. فعلاوة على تراجع عدد السيّاح الأجانب وتراجع المقدرة الشرائيّة للسائح التونسيّ، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، فإنّ مالكي النزل يجدون أنفسهم مجبرين على الرفع من الأسعار لحماية استثماراتهم وتجنّب السيناريو الأسوأ وهو إغلاق فنادقهم وتشريد مئات العاملين في القطاع السياحيّ.

اقرأ أيضاً:الفساد في تونس: قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد
المساهمون