بلقيس أبو أصبع:سيطرة المسلحين على اليمن زادت رقعة الفساد

08 يوليو 2015
الناشطة اليمنية في مكافحة الفساد بلقيس أبو أصبع(العربي الجديد)
+ الخط -
أكدت الناشطة اليمنية في مكافحة الفساد الدكتورة بلقيس أبو أصبع، أن ما تعانيه البلاد من صراعات هو من نتائج الفساد الذي يحتاج إلى إرادة سياسية لمكافحته، وأن ارتفاع نفوذ المسلحين يزيد من حدة الأزمة.

وهذا نص المقابلة:

* كيف تنظرين إلى الوضع الراهن في البلد، بعد سيطرة الجماعات المسلحة على الدولة، وهل يساهم ذلك في اتساع رقعة الفساد؟

الوضع الذي تعيشه اليمن حالياً من اضطرابات سياسية وتعطيل للحياة، أثّر سلباً على مجمل الأنشطة في البلد، بما فيها مكافحة الفساد، بل إن هناك ممارسات وأعمالاً تحدث في ظل غياب دور الدولة، وهي في الأساس تعمّق وتوسّع الفساد. وما هو مطلوب الآن هو الحد من الفساد وصولاً إلى القضاء عليه، وهذا الأمر يتطلّب وجود دولة قوية قادرة على فرض سيطرتها وإيقاف كل التدخلات التي تعيق الدولة عن أداء مهامها.


* ما يلاحظ الآن أن الجماعات المسلحة تقوم باتخاذ القرارات وممارسة دور الدولة، وما يعنيه ذلك من ممارسة للفساد بشكل علني، كيف يمكن مواجهة ذلك؟

خلال الفترة الأخيرة ونتيجة الاختلالات التي يعانيها البلد، زاد ذلك من رقعة الفساد، وتعددت قنوات ووسائل وأساليب ممارسة الفساد. ونراهن على صحوة مجتمعية تقف إلى جانب كل الجهات التي تعمل على محاربة الفساد وتجفيف منابعه.

* هل يمكن أن تكون حالة الفراغ الدستوري واللادولة مبرراً لذلك الفساد؟

لا يمكن تبرير وجود الفساد وعدم مكافحته بأي مبرر من المبررات، ولا شيء يسمح بهذه الآفة، ولا نستطيع القول إنه يمكن القضاء على الفساد قضاءً تاماً، لكن هناك إمكانية للحد منه بشكل كبير جداً. وإذا استطعنا أن نجد حلولاً للحد من هذا الفساد نستطيع أن نعكس ذلك في البناء التنموي. ومن المؤكد أن الوضع السياسي المضطرب الآن في اليمن يؤخر بعض القضايا، لكن مكافحة الفساد واحدة من الحلول التي ستمنع الصراعات، كما نحتاج إلى وجود دولة نظام وقانون للحد من الفساد الذي يغذي الصراعات. وبالتالي إذا استطعنا مكافحة الفساد، أعتقد أنها خطوة مهمة جداً للحفاظ على الأمن والاستقرار وللحفاظ على البلد.

اقرأ أيضا: حرب اليمن تولّد أزمة إغاثية جديدة

* كونك نائبة لرئيس هيئة الفساد ولمدة سبع سنوات، ما أثر الفساد على التنمية؟

طبعاً في أي بلد من البلدان، الفساد يؤثر على مفاصل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي اليمن أثّر الفساد على التنمية بشكل كبير جداً، حيث إن الفساد يؤدي إلى زيادة الفقر، وإلى زيادة الصراعات، كما يؤدي إلى إشكاليات كبيرة تطال أي مجتمع من المجتمعات. ونتيجة انتشاره في الوسط اليمني، أدى إلى انهيار التنمية. وبالنتيجة، الفساد هو عامل مؤثر وحلقة دائرية، فإذا انتشر الفساد، زاد الفقر وتراجعت التنمية وزادت البطالة، ما يغذي الصراعات الدائرة الآن في المجتمع.


* كيف تقيّمين العلاقة بين الفساد والإنتاج؟

العلاقة قوية جداً، لأن الفساد يحدث تآكلاً في مفاصل التنمية الاقتصادية ويعوق الاستثمار، ويقوّض الإنتاجية، وإذا استطعنا أن نكافح الفساد ونحد منه، سنستطيع توفير الكثير من المبالغ، التي يمكن أن نعكسها في البناء التنموي. وبالتالي انتشار الفساد يقوّض التنمية وكذلك الإنتاجية، حتى أن له تأثيراً على جودة الإنتاج، ما يعني أن نصف كلفة مشروع معيّن يلتهمها الفساد، الأمر الذي يؤدي إلى إنجاز مشاريع هشة دون النظر إلى الجودة.

اقرأ أيضا: صنعاء أول عاصمة تموت عطشاً خلال عقد

* هل يمكن القول إن التنمية تصبح وقوداً للفساد؟

الفساد يأكل التنمية، أي يكون هو المسيطر، وفي ظل هذه السيطرة نفقد التنمية. الذي حصل في اليمن أن زيادة انتشار الفساد أدت إلى انهيار التنمية. حتى التنمية السياسية عندما يكون هناك فساد في الانتخابات وتزوير الأصوات والسيطرة بقوة السلاح أو السلطة، يقابله فساد في استغلال المال العام، ما يفضي إلى انهيار التنمية السياسية بفعل الفساد السياسي. كما أن الفساد الاقتصادي يمنع تدفق رؤوس الأموال إلى البلد، ويعيق الاستثمار ويؤثر على التنمية الاقتصادية. وما يعانيه اليمن في مجال استغلال فرصه الاستثمارية ناجم من الفساد، ولكي تقيم مشروعاً استثمارياً فإن جزءاً من تكاليف هذا المشروع ومن أرباحه ومن إنتاجه تذهب أدراج الفساد، وبالتالي تصبح فرص الأرباح قليلة جداً، ما لا يرغّب أي مستثمر في المغامرة.

* هل القطاع الخاص مشارك في الفساد الذي يعانيه اليمن؟

القطاع الخاص جزء من منظومة هذا البلد، وإذا لم يكن هو الذي يُفسد فهو يُمارَس عليه الفساد، وفي أكثر الأحوال يجد نفسه يمارس الفساد. مثلاً، إذا أراد القطاع الخاص إقامة مشروع معيّن، من الضروري أن يدفع مبالغ مالية للنافذين لكي يتم السماح له بهذا الشيء. وتنهض على ذلك أدلة كثيرة، منها شركات النفط التي تدفع مبالغ كبيرة جداً للقبائل من أجل الحماية، في حين أن الحماية مسؤولية الدولة، كما أنها تدفع مبالغ مالية أخرى للنافذين من أجل الحصول على هذه الفرصة الاستثمارية. كما أن بعض شركات القطاع الخاص يمارس الفساد من خلال التهرّب الضريبي وغيره.

اقرأ أيضا: الدوّامة اليمنية: مستقبل اقتصادي أسود نتاج منظومة تعليمية مهترئة

* هل يعتبر تعدّد أجهزة مكافحة الفساد في اليمن أمراً إيجابياً أم أنها لم تضطلع بدور مفيد؟

كلما زادت أجهزة مكافحة الفساد، فإن ذلك يعتبر ظاهرة صحية، لكن المهم في ذلك كيف تعمل هذه الأجهزة، وكيف نستطيع أن نمكّنها من القيام بعملها؟ ولدينا الآن عدد من الأجهزة لمكافحة الفساد: الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، الجهاز المركزي للمراقبة والمحاسبة، الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات، اللجنة العليا للرقابة على المناقصات وغيرها، فإذا استطاعت هذه الأجهزة القيام بعملها وتم التنسيق في ما بينها لتحديد مهام كل جهة، ستتحقق مكافحة الفساد. كما أرى أنه بإمكان كل مواطن مكافحة الفساد من خلال رفض ممارسات الفساد وعدم الخضوع لذلك والإبلاغ عن أية جهة أو شخص يمارس ذلك.

* إلى أي مدى تسبب ربط هذه الأجهزة إدارياً برئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية بإعاقتها عن مهامها؟

هناك إشكاليات قانونية كثيرة، سواء في هيئة مكافحة الفساد أو في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو في المنظومة القانونية للدولة ككل. لكن الأهم من هذا كله الإرادة السياسية، فإذا كانت هناك إرادة سياسية وليس فقط على مستوى رئاسة الدولة ولكن على مستوى الحكومة والسلطات المحلية، نستطيع أن نحقق تقدماً في هذا المجال.

اقرأ أيضا: اقتصاد اليمن بعد عقد: لا نفط ولا أكل

* هل نحتاج إلى ثورات ضد الفساد؟

نحن نحتاج إلى ثورات حقيقية ضد الفساد، وليس للمحاصصة والمقاسمة والمتاجرة بكلمة فساد، وإذا استطعنا أن نبني منظومة قانونية حقيقية تساعد على مكافحة الفساد نقول إننا قمنا بثورة على الفساد. كما أننا إذا استطعنا أن نضغط من أجل إرادة سياسية حقيقية قد ننجح في مكافحة الفساد، فضلاً عن إيجاد آليات حقيقية وضوابط حقيقية لمحاسبة الفاسدين ومحاكمتهم والضغط عليهم.

بالإضافة إلى تعريف الناس بالآليات الحقيقية لمكافحة الفساد، والتوعية في الجامعات والمدارس، وإدماج مكافحة الفساد في المناهج الدراسية، وهي تحتاج إلى إجراءات قوية. لكن أهم إجراء هو الإرادة السياسية، والمنظومة القانونية التي تؤسس لمكافحة الفساد، وأن نقنع الناس بأن الفساد هو الذي أوصلنا إلى هذه النتيجة من الصراعات والأوضاع المتردية.

* تحتاج اليمن إلى عقد اجتماعي جديد، ما هي مقومات هذا العقد؟

أعتقد أن اليمن وصلت إلى عقد اجتماعي جديد، ولكن كيف يمكن الآن تنفيذ هذا العقد؟ هذا العقد الاجتماعي يتمثل في مخرجات الحوار الوطني الشامل حتى لو كان لدينا ملاحظات عليها. لكن القوى المدنية والحداثية في المجتمع اليمني لا يوجد لديها ما تتشبث به سوى هذه المخرجات التي عُكست في مسودة الدستور.

ونحن اليمنيون ليس لدينا لا سلطة ولا نفوذ ولا قبيلة، ولا يوجد لدينا شيء للخروج من هذه الأزمة سوى الدستور الجديد والمقبل. وأتمنى من كل الشباب والقوى المدنية أن تجعل هدفها كيف يمكن تطبيق الدستور اليمني المقبل، الذي يمكن أن يكون هو المخرج لحل الأزمة، ولمحاولة بناء دولة مدنية قوية وعادلة. كما أن مخرجات الحوار الوطني أيضاً أسست لمكافحة الفساد في المرحلة المقبلة. فلأول مرة في الدستور كان هناك مواد تتحدث عن مكافحة الفساد، وبالتالي هناك عقد اجتماعي جديد، ومكافحة الفساد في أولى أولوياته.

* هل تتفاءلين بمستقبل اليمن؟

نحن كيمنيين ليس أمامنا سوى التفاؤل، وأنا شخصياً أرى أن المعطيات التي أمامنا لا تبعث على التفاؤل، وما يجري الآن لا يوحي أبداً بالتفاؤل أو بإمكان التنبؤ بما سيكون في المستقبل، لكن ليس أمامنا غير التفاؤل ومزاولة أعمالنا بصورة اعتيادية. ونحاول أن نخدم الوطن، لكن كل المعطيات تنبئ بسيناريوهات كارثية، ونخاف أن تنزلق اليمن إلى ليبيا أخرى، وأن تكون لدينا سلطتان، سلطة شرعية دستورية وسلطة أخرى، وتدخل البلد في تفاصيل كثيرة أقلها حرب أهلية طويلة تهدم البلد، أو تقسم اليمن ليس فقط إلى شمال وجنوب، وإنما إلى أكثر من مستوى، وهذه السيناريوهات كلها كارثية في حق بلد منهار اقتصادياً ولديه الكثير من الإشكاليات، ولن تصمد اليمن في ظل هذه التحديات.

كما أن انهيار الوطن ليس في مصلحة أي يمني أو أية قوى من القوى السياسية، لأن الانهيار سيطال الجميع، والكل خاسر، كما أن انهيار اليمن ليس من مصلحة المجتمع الإقليمي والدولي. إذ لليمن مقومات قوية وحضارة، ولها أهميتها الجغرافية، ويجب أن يدرك الجميع هذه الأهمية. ولا يمكن لأية قوى أو دول أن تدفع فاتورة انهيار اليمن، وأتمنى من اليمنيين أنفسهم أن يجدوا الحلول. فمنذ أكثر من 50 عاماً من الصراعات وتصفية الحسابات، وكلما انتهينا من جيل من الثارات ندخل في ثارات جديدة، ونتمنى من الجميع تحكيم العقل، وأن يكون الحوار هو الأساس وبديل أي منطق آخر.

اقرأ أيضا: اليمن يكتوي بنار الفقر

على هامش المقابلة:

الفساد يغمر اليمن ويرسّخ الصراعات

تؤكد الدكتورة بلقيس أبو اصبع، وهي أستاذة جامعية وناشطة في مكافحة الفساد، لـ"العربي الجديد"، أنه لا توجد دراسات تحدّد بالضبط وبدقة كم هو حجم الفساد الذي يسيطر على اليمن، لكن مؤشر مدركات الشفافية العالمية لهذا العام أورد اليمن في المرتبة 171، حيث تأخرت 10 مراتب عمّا كانت عليه، وبالتالي هذا مؤشر على أن اليمن يُعد من أكثر البلدان فساداً على مستوى العالم، وهو مؤشر قوي جداً لتفاقم المشكلات، حيث تسبب استفحال الفساد في الانهيار الاقتصادي وانتشار البطالة وانتشار الفقر، وولّد الكثير من الصراعات. في المقابل، أعلنت منظمات حقوقية عن أن الفساد في اليمن بلغ في العام 2013 ما يعادل نصف ميزانية الحكومة.

اقرأ أيضا: "اليمن السعيد".. للمتربّحين من الأزمة

وقالت منظمة صحافيات بلا قيود إن الفساد وصل إلى حوالي تريليون ريال، أي بما يقارب الخمسة مليارات دولار. وأظهر التقرير أن أعلى معدلات الفساد تركزت في وزارات المالية، التربية والتعليم، الكهرباء، الخدمة المدنية والتأمينات، الدفاع، والداخلية، الشؤون الاجتماعية... في حين تفاوت حجم الفساد في بقية الوزارات بين متوسط ومنخفض ومعدوم. وكانت منظمة الشفافية الدولية صنّفت اليمن من بين أكثر دول العالم فساداً، ومن ضمن قائمة البلدان التي يؤدي فيها الفساد إلى مخاطر شديدة على الاقتصاد والمجتمع ومستقبل البلاد.
المساهمون